تهدف المملكة من خلال رؤيتها 2030 إلى دعم التنوع الاقتصادي وخلق مصادر مالية متعددة تساهم في تحقيق التنمية المجتمعية. النموذج الراسخ في مجتمعنا يعتمد في تغذيته على ما تقدمه الحكومة من دعم ومشاريع ووظائف وتنمية باعتمادها على مصادر محدودة للدخل، وإن كانت هذه المصادر ثرية وتسببت خلال العقود الماضية في تحقيق احتياطيات نقدية عالية. آمنت الدولة مبكرا أن الاعتماد على مصدر دخل محدود يتمثل في النفط، لا تمثل مورد آمن ومستديم لضمان الرخاء والرفاه للمواطنين. وبدأت التحولات المبنية على رؤية المملكة 2030 وهي الرؤية الطموحة التي تهدف إلى تعزيز مكانة المملكة كقوة اقتصادية وانتاجية تدعم تواجدها القوي في مجال السياسة والمكانة الدينية.
لذا كان لزاما أن تبدأ الدولة في بحث وتطوير نموذج اقتصادي جديد يساهم في الاستفادة من مقدرات الوطن البشرية، والمعرفية والطبيعية ويوظفها جميعا في سبيل تحقيق الاستدامة المرجوة. خصوصا بعد فشل بعض المشاريع الخاصة التي مارست دور الوسيط التجاري لاستيراد ما يحتاج إليه البلد وتوريده للأجهزة الحكومية ومشاريعها لاستخدامه دون خلق بيئة تصنيعية قادرة على مقابلة الموجات العاتية التي يمر بها العالم من حولنا.
المملكة تملك قاعدة معرفية كبيرة، وتملك قدرات بشرية هائلة من الجنسين ممن يملكون قدرات عالية للنجاح. والدولة أيضا تنفق بسخاء على مشاريعها التنموية المستمرة، وتظل نقطة وجود صناعة وسيطة هي ما ينقصنا في كثير من المجالات. الدولة ساهمت في تأسيس شركة سابك 1976 والتي أصبحت من ضمن أكبر خمس شركات بتروكيميائية على مستوى العالم بقدرات تصنيعية تفوق 160 مليار ريال ومراكز أبحاث داخلية وخارجية وشراكات عالمية مكنتها لتكون من بين الشركات الرائدة في هذا المجال، وهذا أحد الأمثلة على قدرة أبناء المملكة على النجاح متى ما توفرت لهم الفرص.
أحد التحديات التي تواجه الوطن حاليا ارتفاع حجم البطالة والذي وصل 12.1 بالمئة وفق مسح القوى العاملة للربع الثالث 2016 الصادر عن الهيئة العامة للإحصاء. عجز القطاع الخاص بقدراته الحالية في استيعاب هذه الطاقة البشرية لأسباب عديدة من أهمها ارتفاع المستوى التعليمي للمواطنين، وانخفاض اليد العاملة الاجنبية، ونوعية الاعمال المقدمة التي لا تناسب بعض الكفاءات الوطنية حاليا.
لمعالجة هذه المشكلة بدئت شركة أرامكو 2015 -مثلا-بمشروع "اكتفاء" والذي يهدف لتحقيق نمو في محتوى الإنتاج المحلي للسلع والخدمات، من 35 بالمئة إلى 70 بالمئة مع حلول عام 2021، باستثمار يتجاوز تريليون ريال ليسهم في توليد ما يزيد على 500 ألف وظيفة.
توطين الصناعات محليا وإيجاد فرص استثمارية داخلية بحاجة إلى فكر استثماري رشيد. بعيدا عن طموحات المكاسب السريعة والبسيطة وهذا لا يتحقق عادة إلا من خلال رؤية وطنية شاملة. قطاعات كثيرة في المملكة قادرة على توطين الإنتاج والخدمات، ومنها على سبيل المثال الانفاق العسكري والانفاق على قطاع الصحة والخدمات والصناعات الغذائية وغيرها. وقد بدأت فعليا فكرة المساهمة في توطين الصناعات العسكرية من خلال إنشاء "المؤسسة العامة للصناعات العسكرية" والتي تهدف حسب رئيسها محمد الماضي لتوطين ما يقارب 50 بالمئة من المشتريات العسكرية بحلول 2030م، وهذا سيسهم في الاستفادة من حجم الانفاق العسكري المحلي والذي قارب 14 بالمئة من الناتج الإجمالي المحلي في عام 2015.
من المهم أن تدعم القطاعات الحكومية توطين الصناعات والخدمات المقدمة لهم، لكن الأهم أن يتم ذلك من خلال أذرع استثمارية مستقلة حتى لا تتداخل مسؤوليات واهتمامات الجهات الحكومية التشريعية والرقابية مع الإنتاج وتفشل جهودها.