لا يزال الكتاب ركنا أساسيا في التعلم والتعليم، وحتى في عصر الكتب الرقمية المقروءة والمسموعة لم تفقد طباعة الكتب والمجلات والدوريات العلمية وهجها، لأن تقدم التعليم ونجاحه يرتبطان بالمحتوى العلمي أكثر من ارتباطهما بنوع المناهج، سواء كانت كتبا ورقية أو مناهج الكترونية. والتحول للمناهج الالكترونية لا يعني بالضرورة تطور التعليم كما روجت له وزارة التعليم أثناء توقيع عقد التحول إلى المناهج الرقمية، لأن العملية التعليمية تقوم على ثلاثة أركان أساسية: معلم متميز ومبدع، ومحتوى تعليمي متطور يساعد في بناء التفكير النقدي للطلاب، وبيئة تعلمية مشجعة تتوفر فيها كل الوسائل التعليمية.
لذا كان على وزارة التعليم قبل أن تعلن توقيع عقد توقيف طباعة الكتب، كما بشرت به في عام 2020، أن تتساءل هل الأركان الأساسية للعملية التعليمية متطورة بدرجة تجعلنا نقفز إلى مرحلة الكتاب أو المنهج الرقمي وفقا لسياسة الأهم فالمهم.. وهكذا، وهل المعلم مبدع وقادر على التحول من دور الملقن إلى دور الموجه كما تريد الوزارة، هل المحتوى التعليمي للكتب التي ترغب الوزارة بتحويلها إلى كتب الكترونية يساعد في بناء تفكير نقدي تحليلي يرتقي إلى نظرائه في الدول المتقدمة تعليميا؟ وهل هي قادرة على تحويل الطالب إلى مشارك ومتفاعل؟ وهل المدارس بصورتها الحالية تعتبر بيئة تعليمية متطورة ومشجعة، وهل تتوفر فيها كل الوسائل المحرضة على الإبداع والابتكار؟
بالطبع لا، ومسؤولو هذه الوزارة قبل أولياء الأمور يدركون ذلك جيدا، لا أحد من هذه العناصر يقترب أو يلامس المعايير العالمية، وبلوغ هذه المعايير يحتاج إلى مسيرة سنوات وسنوات، وجهد مضاعف أكبر من توقيع التحول إلى كتب أو مناهج الكترونية.
المحتوى التعليمي والعلمي للكتب المدرسية في مراحل التعليم العام لا يزال متخلفا عما يقدم في مدارس الدول المتقدمة تعليميا، فهي مناهج تشجع على التلقين أكثر من التفكير النقدي والتحليلي والتشجيع والابتكار، وتحويلها إلى كتب ومناهج رقمية لن يضيف جديدا للعملية التعليمية ما لم تقدم الوزارة على مراجعة محتواها التعليمي وتطويره، علاوة على ما يلازم الكتاب الالكتروني من عيوب وتحديات حتى وقتنا الراهن.
يكاد الجميع يتفق على أن نوع الكتاب المدرسي لا يهم كثيرا سواء كان كتابا تقليديا أو منهجا الكترونيا ما دام المحتوى التعليمي متميزا ويلبي متطلبات التعلم ويشجع على استخدام العقل والتحليل والتفكير النقدي، فكثير من الدول حققت قفزات تعليمية كبيرة قبل أن تعتمد أو تتحول إلى الكتاب الالكتروني، وبعضها لم يفكر في التحول إليه أصلا، بل ركزت على المحتوى التعليمي وما يقدم ويدرس داخل الفصل أولا وأخيرا، ونادرا ما يأتي طلاب مدارس تلك الدول بواجباتهم إلى المنازل، بل يتم إنجازها خلال اليوم والحصص الدراسية فقط.
وإذا ما افترضنا جدلا أن الوزارة مقتنعة بالمحتوى التعليمي لمناهج التعليم العام، ولم يبق أمامها من مراحل التحديث سوى التحول للمناهج الرقمية، فإن تصريح وزيرها يثير كثيرا من الشكوك حول اكتمال الدراسة ونضوجها قبل التوقيع، فالوزارة وقعت العقد قبل وضع الخطوط العريضة لهذا التحول؛ فهي لا تزال في طور المفاوضات مع الشركة المتخصصة لإنشاء مصنع أجهزة لوحية لطلابها، والسؤال هنا لا يقل أهمية عن سابقيه، كيف توقع عقد التحول وتعلن عنه وهي لم تصل بعد إلى الصيغ النهائية ولم تنته من كل متطلبات التحول؟ فهي لا تزال تدرس إنشاء مصنع للألواح الذكية بالتعاون مع إحدى الشركات المتخصصة لتوفير أجهزة للمشروع بأسعار منافسة، ولم تحدد بعد هل سيتم تقديم الأجهزة للطلاب مجانا أم بمقابل، وربطت ذلك بالإمكانيات، مما يعني أن هناك أعباء مالية إضافية قد تترتب على الأسر نتيجة لهذا التحول.
أخلص في نهاية المقال إلى أن أركان العملية التعليمية الثلاثة لم تنضج بعد، وتحتاج إلى تطوير وتقييم وتقويم قبل التحول إلى الكتاب أو المنهج الرقمي الذي لن يضيف جديدا في ظل تواضع مستوى المنهج والمعلم والبيئة التعليمية.
نقلا عن مكة