تقييم نظام المنافسات والمشتريات الحكومية في ظل رؤية 2030

22/03/2017 2
د. عبد العزيز بن سعد الدغيثر

لا شك في أن الحكومة صرفت الكثير من الجهود والأموال للمشاريع الخدمية والبنى التحتية، إلا أن تلك المشاريع لا تكون بالشكل الذي يرضي الجهات الحكومية بسبب  تأخر الكثير منها، ووجود ضعف ملحوظ في الجودة، وهذه المشاريع محكومة بنظام المنافسات والمشتريات الحكومية الصادر بالمرسوم ملكي ذي الرقم : ( م/ 58 ) وتاريخ : 4 / 9 / 1427 هـ، ولائحته التنفيذية الصادرة بقرار وزير المالية ذي الرقم (362) والتاريخ 20/2/1428ه.

ويعد الاهتمام بمرحلة إعداد المواصفات الفنية للمنافسة الخطوة الأولى للوصول إلى التنفيذ السليم للمشروع، وأهم الأسس لذلك ما يأتي: 

1-الاهتمام بإعداد المواصفات الفنية بدقة بالتعاون مع المستخدم الأخير (End User)، بحيث تصاغ بطريقة احترافية وفقا للمعايير العالمية.

2-وحيث إن التأهيل الكافي للموظفين الذين يضعون شروط المنافسة ويراجعونها من أهم أسس نجاح مخرجات تلك المنافسة، فإن الاهتمام بذلك وتعميد معهد الإدارة بتنفيذ الدورات اللازمة لهم أمر يحتاج إلى تأكيد وتعزيز واستمرار.

3-يجب وضع سياسات وأدلة إجراءات واضحة لكل ما يتعلق بالمنافسات والمشتريات الحكومية.

4-يلحظ أن المشاريع المتشابهة للجهات الحكومية مثل الطرق والمباني والحدائق، تختلف مواصفاتها حسب الجهة الحكومية المشرفة عليها، ويفترض وضع أكواد موحدة لتلك المشاريع من قبل هيئة خاصة للمنافسات والمشتريات الحكومية.

5-يلحظ أن الشروط الدراسة الفنية في مشاريع المقاولات لا تتضمن التفاصيل التي تؤثر في تقديم العرض بدقة، مثل دراسة التربة، ووجود صور كافية للموقع، ومواقع التنفيذ عبر الخارطة حتى يمكن للمتنافسين زيارة المواقع والتأكد من إمكانية التنفيذ لكل متنافس، والسعر الملائم للتقديم، ولذا فإن المنافسة إذا تضمنت تفاصيل المشروع فإن الأسعار ستكون مناسبة، وسيقل التعثر من المقاولين بسبب صعوبة التنفيذ أو بسبب الإرهاق المالي غير المتوقع.

6-في بعض الحالات، يتم طرح المنافسة لتنفيذ مشروع على أرض، ثم يتبين أن الأرض بها نزاع في الملكية، أو لا تتوافر أرض للمشروع ولذا يجب قبل طرح المنافس التأكد من توافر أراض لتنفيذ المشاريع، وخلوها من العوائق.

7-مما يلحظ عند تقديم العروض، أن بعض العروض تكون في غاية الانخفاض، بحيث يغلب على الظن أن المتقدم بالعرض المنخفض عن التقدير الأولي بكثير سيتوقف في منتصف المشروع، مما يدل على وجود خلل في التسعير، وقد لاحظت أن الشركات الكبرى لها طريقة جميلة في تصفية العروض، وهي أن يعلن التقدير الأولي للمنافسة، من الجهة المختصة أو من المختصين بالمشاريع المماثلة في القطاع الخاص، ويعلن ذلك أثناء فتح المظاريف بشفافية، بحيث يستبعد العرض الذي يقلل عن 20 % من التقييم، أو يزيد عن 20 %، وهذا يقلل التعثر، وتقليل الجودة لتغطية الخسائر الناتجة عن التقييم الخاطئ.

8-مما شاع لدى المقاولين التواطؤ بتقديم أسعار غير حقيقية وتقسيم المشاريع بين المتنافسين، وهذا ما يحاربه مجلس المنافسة، ولذا يلزم  التدقيق في المنافسات حتى لا يحصل التواطؤ بين المقاولين والمتعهدين في تقديم الأسعار بما يخالف نظام المنافسة، وإلزام المتنافسين بتوقيع نموذج الإقرار بعدم وجود أي تواطؤ بين المتقدمين.

وأما زيادة تكاليف المنافسات في السعودية عن السعر المعقول، فيمكن تقليل التكاليف عبر الآتي:

1-تحتاط الجهات المتنافسة لنفسها من تأخر الدفعات (المستخلصات) الحكومية، ولذا ترفع أرباحها، تحسبا لذلك، ولو تسلمت حقوقها أولا بأول لقدمت أسعاراً أقل، ويقترح أن تشرك البنوك في تمويل الحكومة لسداد حقوق المقاولين وهو اتجاه موجود لدى الكثير من الدول بحيث يعطى المقاول أو المورد خطاب استلام، وخطاباً موجها إلى البنوك بتسليمه الدفعة، ثم تسدد الجهة الحكومية للبنك فور انتهاء الإجراءات وتوافر المبلغ، وفي هذه الطريقة إيجابيات كثيرة  من أهمها:

أ‌)منع لتعثر المشاريع.

ب‌)وتقليل لتأثر المقاولين والمتعهدين بسبب التأخر في المستخلصات.

ت‌)ونفع للبنوك بالاستفادة من المشاريع الحكومية.

مع مراعاة أن تكون الطريقة التي يتم التعامل فيها مع البنوك تتوافق مع أحكام الشريعة الإسلامية.

2-يلحظ أن اشتراط خطابات الضمان الابتدائية، لا تشجع الكثير من المقاولين والموردين في الدخول للمنافسات إما بسبب تعنت البنوك، أو وجود نزاعات بين المتقدم والبنك الذي يتعامل معه، وأعتقد أن سلبيات شرط الضمان الابتدائي أكثر من إيجابياته، ومن الغريب أن الجهات الحكومية لا تقبل الشيك المصرفي عوضاً عن الضمان البنكي عند عدم قدرة المقاول على الحصول عليه بسبب ضيق الوقت أو تعنت البنك.

3-ومن أهم ما يرهق المقاولين اشتراط السعودة في الأعمال التي لا يتوفر بها سعوديون مثل أعمال التشييد وتنفيذ الطرق والنظافة، مما ينشئ بيئة خصبة للسعودة الوهمية، وتحميل المقاولين تكاليف إضافية لا مبرر لها، وفي النهاية تتحملها الحكومة في المبلغ المقدم للمنافسة، فيقترح استثناء الأعمال التي لا يعمل بها السعوديون حالياًّ، مع تعديل هذه الأعمال المستثناة دورياًّ.

4-وأعتقد أننا في هذا الوقت أكثر حاجة لوجود البنوك المتخصصة التي تخدم المقاولين، ولزاما على أصحاب القرار السعي لإنشاء بنوك للمقاولين، تقوم بتمويلهم التمويل الموافق للشريعة الإسلامية، وتقديم الضمانات لهم، كما هو موجود في الكثير من الدول.

وأما الأمور التنظيمية للحصول على منافسة ناجحة فيمكن تحقيق ذلك عبر الآتي:

1)وضع وثائق نموذجية معتمدة لتقديم العروض.

2)وضع مدونة كاملة لقواعد السلوك، يوقع عليها المتقدم للمنافسة، وهو المعمول به لدى كبرى الشركات في السعودية، ووجودها في المنافسات الحكومية أصبح حتمياًّ نظرا للتوجه العام للشفافية ومنع تعارض المصالح وفقا لرؤية 2030، ولذا يجب أن ترفق بوثائق كل مشروع النماذج الخاصة بالإفصاح وتعارض المصالح واحترام السرية، ونموذج إقرار بعدم وجود أي اتفاق أو تواطؤ لتحديد الأسعار مع المقاولين الآخرين.

3)يجب تقديم نموذج مسؤولية المتقدم للمنافسة عند ثبوت عدم صحة مستنداته أو تزويره لأي مستند، ويتحمل المتقدم كل الأضرار الحاصلة بسبب تقديمه بيانات كاذبة مع عقوبة تعزيرية ملائمة.

وأما الرقابة على التنفيذ فتحتاج إلى اهتمام أكثر بأن يكون ضمن الفريق المراقب للمشروع مهندس جودة تابع لإدارة رقابة الجودة (Quality Control)، ويعمل مراقب الجودة بالتعاون مع المهندس المشرف.

وحتى يكتمل إصلاح واقع المنافسات في المشاريع الحكومية، لا بد من تعديل الأنظمة التي لها علاقة بنظام المنافسات والمشتريات الحكومية ووضع لوائح وتنظيمات خاصة، وبيانها فيما يأتي:

أولا: نظام تأهيل المقاولين، حيث لا يوجد أساليب منطقية للتأهيل، فعلى سبيل المثال، 

-لا ينظر لتعثر المقاول عند تصنيفه،

-ولا ينظر لقوته المالية والفنية والبشرية، 

-ولا ينظر لعقوده مع القطاع الخاص.

ثانيا: عقد الأشغال العامة، وهو صادر بتعميم من وزير المالية، وينتقد عليه:

-أنه لا يتفق مع نظام المنافسات الأخير ولائحته التنفيذية.

-أنه يتضمن إشارة إلى نظام ملغي، مما يدل على أنه يحتاج لإعادة صياغة. 

-أنه عقد غير متوازن حسب رأي المختصين.

-أنه كثير التعديلات، والمفترض إعادة صياغته بالكامل.

ثالثا: يلحظ أن الحكومة تستخدم عقد BOT بتوسع، ولا يوجد تنظيم خاص به، فهو يحتاج إلى تنظيم يساعد على التوسع في تطبيقه وهو ما يتوافق مع رؤية 2030 .

رابعاً: يلحظ أن المشاريع الكبيرة تحتاج إلى ما يعرف باتحاد التجار - الكونسورتيوم Consortium ولا يوجد تنظيم له على أهميته في تنفيذ المشاريع الكبيرة، ويفترض أن يتم تنظيم ذلك لما فيه من مصلحة تعود على المشاريع بالجودة والسعر والملائم.

خامسا: يلحظ أن طريقة التضامن في المنافسات، يمنع أن يكون من ينفذ أحد المتنافسين دون الآخر، بل يجب أن يعمل الفريقان معاً.

إن نظام المنافسات والمشتريات ولائحته التنفيذية بحاجة إلى تعديل مستمر من فريق هندسي وقانوني، مع الإفادة من تجارب الدول الأخرى، والطرق المستخدمة في مشاريع القطاع الخاص، بل يمكن أن يقال بأن النظام يحتاج إلى إعادة صياغة كاملة، ولا يكفيه التعديل، ولدي بعض النقاط التفصيلية لتعديل النظام، آمل أن تتاح الفرصة لبيانها في مناسبة قادمة.

خاص_الفابيتا