عند حساب الاحتياطي: لا تكشف كل أوراقك!

21/03/2017 3
م. ماجد عايد السويلم

البترول المستقبلي أو ما يعرف الاحتياطي (بشقيه النفطي الخام والغازي) هو القلب النابض للشركات النفطية وأحد أهم الموارد التي تضمن استمرارية شركات النفط من عدمها. تتفاوت نسبة الاحتياطي البترولي في هذه الشركات حسب حجمها وعمق عملياتها لكنها بشكل عام لا تقل عن 75٪ من نشاطات التنقيب والإنتاج.

تلزم العديد من الأسواق المالية وخصوصاً الأمريكية الشركات النفطية بالإفصاح عن احتياطيها البترولي "المؤكد" أي النفط الخام والغاز الطبيعي القابل للاستخراج (بنسبة تأكيد تتجاوز الـ 90٪) في حين أنها لا تلزمها بنشر ارقام الاحتياطي "الغير مؤكدة" أي التي تقل فيها نسبة التأكيد عن الـ 90٪ او بالإفصاح عن الموارد البترولية (Contingent Resources) التي يتعذر انتاجها لصعوبات تقنية أو هندسية أو بسبب الجدوى اقتصادية.

يتصور الكثيرون أن جميع الشركات النفطية تقوم بالإفصاح عن أرقام احتياطيها ومواردها لكن الواقع غير ذلك. القاعدة الذهبية المتبعة في الكثير من الشركات النفطية العملاقة هي "لا تكشف كل أوراقك!" حيث تتعمد هذه الشركات استخدام معاملات تناقص متحفظة جداً في حساباتها الهندسية (وبما يتماشى مع القوانين ولا يخالف النظام الضريبي) لتحقيق هدفين رئيسيين: تقليص أرقام الاحتياطي المؤكد وادراج الفائض فيما يعرف في قائمة الاحتياطي الغير مؤكد أو الموارد البترولية وكلاهما يصنفان كأسرار مهنة (Tradesecrets).

خلافاً للمنطق الذي يقضي بأن من مصلحة الشركات الإعلان عن مجمل احتياطاتها البترولية بما فيها الغير مؤكدة مما يساهم في رفع قيمتها السوقية، تتعمد الكثير من هذه الشركات التكتم على احتياطيها الغير مؤكد والموارد النفطية الأخرى لأسباب كثيرة أهمها التخوف من تأثير المساهمين على صناعة القرار وسطوة القوانين المحلية.

فعندما تعلن شركة عملاقة عن مجمل احتياطيها فإن المساهمين سيطالبونها بتقليص انفاقها على نشاطات الاستكشاف والتنقيب بحجة وجود ما يكفي في الوقت الراهن وتقليص حجم انفاقها على الأبحاث والتطوير أحد أهم دعائم الاستدامة للشركات العملاقة والهدف هو زيادة أرباح الأسهم.

 زيادة التنافسية وتحفيز الانتاجية هو سبب أخر لعدم الإفصاح في التقارير السنوية. فعندما تعلن الشركات أن لديها من الاحتياطات النفطية ما يكفيها مثلاً لـ 25 سنة فهي تقتل حافز الانتاجية وتزيد من الاتكالية على الموارد أكثر من العنصر البشري كما هو حاصل في العديد من الشركات النفطية الحكومية في دول العالم الثالث.

أثبتت هذه القاعدة "الذهبية" فاعليتها في العامين الماضيين، فعلى الرغم من تقليص ميزانيات الشركات النفطية خصوصا فيما يتعلق بعمليات الاستكشاف والتنقيب، حافظت الكثير من الشركات العملاقة على معدلات تعويض احتياطي متماسكة نسبياً باستثناء شركة اكسون موبيل لأسباب تتعلق بتحقيقات اللجنة الأمريكية للبورصة والأوراق المالية في احتساب الاحتياطي النفطي.

فعقب ضغوط من المساهمين للإفصاح ونتيجة لتحقيقات مكتب الادعاء العام في نيويورك والتي طالت أيضا المدقق المالي شركة PWC التي صادقت على التقارير المالية، قامت اكسون موبيل بتقليص احتياطيها الاجمالي بنسبة 14٪ أو 3.3 بليون برميل مكافئ للسنة المالية 2016 مقارنة بـ 2015.

الشركات العملاقة ليست من السذاجة كي تكشف كل أوراقها للعلن. فحينما يتباهى بعض الكتاب بالمخزون النفطي الضخم لشركة أرامكو السعودية والمقارنة مع الشركات النفطية الأخرى فهم يجهلون أن هذه الشركات تحرص على عدم كشف كامل أوراقها. كما يجهلون أو يتناسون أن هذا المورد النابض أي "المخزون النفطي" هو نعمة وليس نتاج لعمل دؤوب. المشاريع النفطية والاستخدام الأمثل للتقنيات المتطورة لرفع كفاءة الإنتاج والاحتياطي بأيدي وطنية هو ما يجب أن نفاخر به بينما هذه النعمة ليست إنجازاً بشرياً بل في رأيي تستدعي الشكر لا التباهي.

بالنسبة للشركات المتوسطة الى الصغيرة، فهي على النقيض، تحاول رفع نسبة احتياطيها المؤكد بشتى الطرق بهدف رفع قيمتها السوقية وترويج عملياتها. فهي دائماً ما تقوم بإبراز استكشافاتها النفطية بالأرقام والتفاصيل في الصحافة العالمية بهدف تسويق انجازاتها وجلب المستثمرين في حين أن الشركة العملاقة نادراً ما تقوم بذلك. فعلى سبيل المثال، أعلنت شركة أيني الايطالية اكتشافها لحقل ظُهْر في المياه الإقليمية المصرية ووصفته بأضخم احتياطي غازي في البحر المتوسط في أغسطس 2015.

بعد سنتين من الاستكشاف وقبل بدء تطوير الحقل قامت الشركة ببيع 10٪ من امتيازها لشركة بي بي البريطانية العملاقة مقابل 375 مليون دولار.

إذا تأملنا في أرقام الاحتياطي النفطي الرسمية للمملكة فهي على الرغم ضخامتها الا أني أجدها تميل إجمالاً الى التحفظ حالها حال الشركات العملاقة. فعلى الرغم من الإنتاج المرتفع الذي يفترض أن يؤدي الى تقلص الاحتياطي، إلا أن عدة عوامل تطرقت اليها في مقال سابق أسهمت في ثبات احتياطي المملكة عبر الزمن كالاستكشافات النفطية واستخدام تقنيات وتطبيقات متطورة في عمليات التنقيب والانتاج.

ومع هذا أجد نفسي مرغماً في الاعتراف بخطئي في إغفال أهم العوامل التي ساهمت بثبات الاحتياطي وجاهزيته ألا وهو الكفاءات البشرية خصوصا الوطنية في أرامكو والتي ساهمت بإخلاص وفاعلية في إدارة المكامن النفطية والحفاظ عليها.

ففي وقت عجزت فنزويلا التي تدعي امتلاكها لأضخم احتياطي نفطي عالمي عن رفع صادراتها النفطية في العامين الماضيين والتي لم تتجاوز معدلاتها الطبيعية في حدود الـ 1.5 مليون برميل يومياً، قامت المملكة بزيادة صادراتها النفطية والتي وصلت الى ذروتها التاريخية 8.2 مليون برميل يومياً في شهر نوفمبر من العام الماضي على الرغم من تدني الأسعار.

أكد معالي وزير الطاقة المهندس خالد الفالح في تصريحه لقناة CNBC غرة انعقاد مؤتمر CERAWEEK أن الاحتياطي البترولي تمت مراجعته من طرف ثالث في تأكيد لما نشرته رويترز بتاريخ 27 يناير من السنة الحالية. يبدو أن أرقام الاحتياطي النفطي الاجمالي التي تمت مصادقتها أعلى من 266 بليون برميل المعتمدة حاليا وقد تكون أحد المفاجآت التي تستعد أرامكو للإعلان عنها قريباً.

نقلا عن الوطن