يواجه صناع القرار في بعض الأوقات خاصة في فترات الركود ظواهر إقتصادية يقفوا حائرين عندها في تحديد الأولويات وإتخاذ القرار المناسب لحلها. من هذة الظواهر، ظاهرة حدوث إرتفاع معدل التضخم وإرتفاع معدل البطالة أو بإتساع الفجوة بينهما في وقتاً واحد،. والتي تعتبر ظاهرة غير طبيعية يطلق عليها إقتصادياً (Dual Mandates)، والتي تعني أن الإقتصاد يواجه صعوبة في تحقيق أهم أهدافه وهي الحفاظ على أسعار مستقرة (إستقرار معدل التضخم حول 2%) وخلق عدد من الوظائف الجديدة (إستقرار معدل البطالة حول 5%).
وهذا ما واجهه الإقتصاد السعودي في الفترة الأخيرة من منتصف عام 2016، حيث أرتفع معدل التضخم ومعدل البطالة إلى ضعف معدلاتهم الطبيعية عند 4.1% و 11.6% في وقتاً واحد على التوالي.
وكان ذلك نتجية للقرارت التي إتخذها صناع القرار مثل ترشيد الإنفاق وإيقاف بعض البدلات والمكافأت ورفع أسعار الطاقة والتي كانت من المفترض إن تعمل على خفض التضخم إلى المعدل المستهدف 2% في الأجل القصير، والحفاظ على معدل البطالة 10.4% مع نهاية العام.
لكن النتيجة كانت مختلفة مع بداية عام 2017، كانت بإنخفاض معدل التضخم أكثر من المعدل الطبيعي بكثير إلي الدخول في النطاق السلبي -0.4، وزيادة معدل البطالة إلى 12.4%، حيث حدثت بعض المفأجات التي لم تتوقعها التقايير الصادرة من مؤسسة النقد السعودي أو حتى صندوق النقد الدولي، والتي كانت جميعها تتوقع أن يستهدف معدل التضخم 2% ومعدل البطالة 10.4%. فماذا حدث وما تأثير ذلك على الإقتصاد السعودي والمواطن.
من أهم هذة المفأجات التي حدثت مع نهاية 2016 كانت هي فوز الرئيس الإمريكي ترامب والبدء في طرح وتنفيذ خطته الإقتصادية، وألتي أثرت فيما بعد بشكل كبير على معدلات الفائدة وحركة التجارة العالمية بين دول العالم. مما أدى بدوره إلى إرتفاع قيمة الدولار مقابل أكثر عملات دول العالم، وبالتالي إلى إرتفاع قيمة الريال مقابل هذة العملات.
فما كنا نستورده من الصين وأوروبا بالأمس، صار اليوم أقل تكلفة. وهذا ما يعكس وجود الفائض بالميزان التجاري للمملكة بشهر ديسمبر2016 نتيجة إنخفاض تكلفة الواردات. فإرتفاع الدولار مقابل جميع هذة العملات حالياً وثبات أرتباط معدل صرف الريال بالدولار، أعطى الريال هذة الفائدة والميزة وقيمة أعلى مقابل هذة الدول التي نستورد منها، وبالتالي أثر بشكل أكبر مما كان متوقع إلى إنخفاض معدل التضخم بإلاقتصاد السعودي والدخول الى النطاق السلبي.
والذي أتوقع أن يستمر لفترة قصيرة إن لم يتدخل متخذين القرار لزيادة السيولة في الإقتصاد ورفع الطلب الكلي لتحفيز الإستهلاك العام ومن ثم النمو. ولذلك أتوقع أيضاً أن تقوم مؤسسة النقد بتأجيل قرارها السابق بإصدار (بيع) الصكوك الإسلامية أو السندات في السوق المحلي، لكي لا تضغط أكثر على تقليص السيولة وإنخفاض الطلب الكلي وبالتالي إنخفاض التضخم السلبي أكثر مما هو عليه الآن.
بل أتوقع عكس ذلك، وهو قيام مؤسسة النقد (بشراء) السندات من البنوك لزيادة كمية عرض النقود داخل الإقتصاد لزيادة السيولة ومن ثم رفع الطلب الكلي لتجنب الإقتصاد الدخول في دائرة الكساد والحد من زيادة معدل البطالة، هذا بإلإضافة إلى تلك المشاريع التنموية التي أعلن عنها مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية قريباً، والتي من المفترض أن تصب في تحفيز النمو ورفع المعدل الطبيعي للتضخم متجهاً نحو المعدل الطبيعي 2% في الأجل القصير.
أما فيما يتعلق بإرتفاع معدل البطالة، فهو يعمل عكس معدل التضخم، حيث يرتبط معدل البطالة إرتباطاً عكسياً مع كمية عرض النقود. وذلك يعني أنه كلما زادت السيولة أو كمية عرض النقود في الإقتصاد أنخفض معه معدل البطالة، والعكس هو الصحيح، وعلاج البطالة أيضاً يتطلب وقتاً أطول وجهداً أكبر من علاج التضخم، لإرتباطه بنمو جميع القطاعات التنموية الأخرى المختلفة بإلمجتمع مثل التعليم والتدريب والصناعة والصحة والعمل والخدمات الأخرى، لذلك أختار صناع القرار حل مشكلة البطالة على الأجل المتوسط والطويل، وهو ما يحدث غالباً.
لكن حدثت مفاجأة أخرى أثرت بشكل مباشر على إرتفاع معدل البطالة، لم يكن إرتفاع قيمة الدولار علاقة بها هذة المرة، بل كانت من القطاع الخاص بالمملكة، فعندما واجهت شركات القطاع الخاص مشكلة في إرتفاع التكاليف نتيجة رفع أسعار الطاقة وفرض الضرائب والرسوم، وضعف الطلب على منتجاتها أيضاً، قامت بإلإستغناء عن بعض موظفيها من المواطنين، بمحاولة لتخفيض تكاليفها المتغيرة للحفاظ على هوامش الربح أو تجنب الخسائر أو للإلتزام بخططها المستقبلية، مما أثر على إرتفاع نسبة البطالة في السوق السعودي، أيضاً أكثر من المتوقع.
وما أود قوله بإختصار، أن المشكلة الأساسية التي يعاني منها الاقتصاد السعودي اليوم هي ليست مشكلة مالية أو ضعف في السيولة والحمدلله، فالدين الحكومي مازال منخفضاً جداً مقارنة مع أقوى دول العالم، والإحتياطيات المالية مرتفعة، لكن المشكلة الحقيقة في رأيي هي مشكلة سوء الهيكلة الإقتصادية، وهي أحد الإسباب الهامة في أرتفاع معدل البطالة، فالإقتصاد السعودي إستطاع أن يخلق 892 ألف وظيفة خلال الثلاثة الأرباع الأولى فقط من عام 2016، لكن كان نصيب السعوديين منها ضئيلاً جداً، حيث ذهب 95% منها إلى غير السعوديين (حسب موقع الهيئة العامة للإحصاء السعودي، وتقرير جدوى للإستثمار ديسمبر 2016)، وهذا على سبيل المثال لا الحصر.
أما فيما يخص الرؤية، فإنه مع نهاية عام 2030 سوف يكون هناك ما يقارب الـ 6 مليون مواطن ومواطنة في سوق العمل بالإضافة الى العدد الحالي، فكيف لنا أن نستطيع من إتاحة الفرص وتوظيف هذا العدد من المواطنين أذا كان يصعب علينا اليوم توفير 10% منه (600 ألف عدد البطالة تقريباُ) فقط!.
فالتحديات كبيرة، والرؤية والخطط والأهداف قد وضعت وتم الإنتهاء منها، وسوف نعمل جميعاً إن شالله على تحقيقها.
خاص_الفابيتا
ارتفاع معدل الفائدة على الريال تبعاً للدولار خلال ما كان وسيكون في 2017 ينقض المقال بأكمله، تحياتي لشخصك الكريم
بالفعل الفائدة على الريال تابع للدولار والبطالة (حيث ذهب 95% منها إلى غير السعوديين) حلها باعادة الهيكلة الاقتصادية الان مرتفعة شكرا للكاتب ولارقام
الاقتصاد السعودي: بين التضخم أو البطالة