حملت الزيارات التي يقوم بها خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز لأهم الدول الآسيوية أهمية كبيرة بالشق الاقتصادي وإذا كانت الاتفاقيات التي وقعت مع ماليزيا وإندونيسيا تشكل تطورًا استراتيجيًا بالغ الأهمية مع دول إسلامية يمكن تطوير التعاون معها بأضعاف القائم حاليًا إلا أن ما شهدته الزيارة لليابان من توقيع لاتفاقيات واسعة بانعكاساتها على الشراكة والتعاون بين الدولتين عند تطبيقها مع اليابان ثالث اقتصاد عالمي ومن أهم الدول بالتقدم التقني والتكنولوجي يعد ذلك أهم المنعطفات في تاريخ العلاقة الذي يمتد لأكثر من 60 عامًا.
فالمملكة تعاني من اعتماد كثيف على العمالة الوافدة المتدنية الدخل والمؤهلات مما أفقدها الكثير من المزايا التنافسية عند النظر بوسائل وأدوات الإنتاج وتزايد الطلب على الخدمات وارتفع الاستهلاك المحلي للطاقة والمياه بنسب عالية خصوصًا بالسنوات العشر الأخيرة مع ارتفاع الإنفاق الحكومي حيث زادت العمالة الوافدة بأكثر من 50 في المائة عن معدلاتها لعام 2004م من 6 ملايين إلى أكثر من 10 ملايين، ومع أهمية دور هذه العمالة بنمو الاقتصاد الوطني إلا أن الحاجة للاعتماد على التقنية بتشغيل خطوط الإنتاج أو أعمال شركات المقاولات والصيانة والخدمات عمومًا بات أمرًا ملحًا ولا يمكن تأجيله.
فالاتفاقيات مع اليابان شملت التعاون للانتقال بالمملكة لعصر الثورة الصناعية الرابعة التي ستعني التوسع بالأتمتة واستخدام التقنية التي ستحل مكان كثير من الأيدي العاملة حاليًا وهذا بالضرورة يتطلب لتحقيقه جهودًا كبيرة من طرف الجهات المحلية من حيث التطور بمخرجات الكليات المهنية والتقنية وكذلك التخصصات الهندسية بالجامعات لتكون معتمدة على مناهج وأساليب تعليم تتماشى مع التغيير للتكنولوجيا الحديثة بالتشغيل، ويتطلب كذلك خطة «تمويلية» واسعة وممنهجة لدعم تغيير الشركات الصناعية لخطوط إنتاجها لما يتواكب مع العصر الجديد للصناعة حتى ترتفع التنافسية وتنتفض تكاليف الإنتاج ويتم توظيف الكوادر الوطنية المؤهلة بدخل مجزٍ واستقرار وأمان وظيفي بنسبة عالية.
كما أن التعاون مع الجانب الياباني لإقامة مناطق صناعية خاصة باليابانيين سيدعم انتقال وتوطين التقنية والخبرات بالاقتصاد الوطني وزيادة المحتوى المحلي بالصناعة الداخلية ويفتح بابًا واسعًا لنمو دور المنشآت الصغيرة والمتوسطة مما ينعكس بتوليد عدد كبير من فرص العمل، كما أن من شأن ذلك تطوير التنافسية محليًا إضافة لتقليل حجم الواردات بزيادة الإنتاج محليًا، فالشركات اليابانية تعد من الأكثر تقدمًا عالميًا بالتقنية والإدارة وبما أنها دولة تفتقر للموارد الطبيعية فإن التعاون معها سيحقق مصلحة كبرى لهم أيضًا من خلال الاستفادة من الموارد التي تنعم بها المملكة بكميات كبيرة من النفط والغاز والمعادن إضافة للموقع الجغرافي الذي سيجعل تلك الشركات موجودة بالشرق الأوسط عند إحدى الأسواق السريعة النمو عالميًا ويمكن للمملكة بإمكاناتها وموقعها الجغرافي أن تتشارك مع اليابان وشركاتها بما ينعكس بمصالح كبرى للطرفين.
فدولة رائدة اقتصاديًا كاليابان مع التنافسية الشرسة عالميًا التي يشهدها الاقتصاد العالمي يهمها بالتأكيد توظيف تطورها الهائل تكنولوجيًا وصناعيًا للدخول بكل الأسواق النامية التي يتوقع أن تكون الأكثر نشاطًا من حيث الطلب على السلع والخدمات وتتمتع بمجتمعات فتية واحتياجات كبيرة للبنى التحتية والتوسع بالخدمات ونقل التقنية وجذب رؤوس الأموال وفتح نشاطات وقطاعات مهمة كالطاقة البديلة وصناعات السيارات والأجهزة الإلكترونية والآلات بمختلف استخداماتها مما يوفر لليابان الفرصة للشراكة مع دول رئيسة بالمنطقة ومهمة بالعالم من حيث امتلاكها لموارد طبيعية هائلة وموقع جغرافي حيوي ومجتمع فتي واستهلاكي كبير لكي تصبح بمصانعها وشركاتها جزءًا من اقتصادياتنا ودعم زيادة الإنتاج المحلي بدلاً من الاعتماد على الواردات بنسب عالية جدًا تبلغ قيمها سنويًا مئات المليارات.
اليابان تعد المستثمر والمطور الأول لاقتصاد إندونيسيا ولعبت دورًا بارزًا بأن يصل لمرحلة يعد فيها من أهم وأسرع الاقتصاديات الناشئة نموًا وفتحت مصانع السيارات والأجهزة المنزلية والإلكترونية بإندونيسيا عددًا ضخمًا من فرص العمل والاستثمار، مما يمثل تجربة يمكن للتطور بالشراكة بين المملكة واليابان أن يحقق فوائد كبرى تنعكس بتطور صناعي واستثمار أكثر قيمة مضافة لمواردنا الطبيعية من خلال إدخال صناعات تعتمد التقنية الحديثة والفكر الإداري والتسويقي المتقدم بما يسهم مع بقية الإجراءات والأنظمة المحلية وكذلك اتفاقيات الشراكة مع بقية الاقتصاديات المتقدمة بالانتقال لتنويع الاقتصاد ومصادر الدخل فالمرحلة المقبلة هي الأهم والأصعب بعد كل هذه الاتفاقيات المتمثلة بأهمية التفعيل وسرعة التنفيذ والإنجاز لها والتطوير للأنظمة والتشريعات لتحقيق أهداف رؤية 2030 م التي اهتم اليابانيون بحسب ما أعلنوه بمعرفة أبعادها وتفاصيلها لاستكشاف الفرص المتاحة من خلالها في أكبر اقتصاد عربي وشرق أوسطي.
نقلا عن الجزيرة
هذا من جانب اليابان فماذا عن جانبنا في المملكة و ما هو المطلوب للاستفادة من هذا البرنامج؟