كان الاقتصادي جوزيف شومبتير، يقول دائماً إنه حقق حلمين من مجمل ثلاثة أحلام راودته طيلة سني حياته، أن يكون أعظم اقتصادي في العالم، وأفضل فارس في النمسا، وأعظم حبيب في فيينا.
وقد لا يعرف أحد حتى الآن، حلم شومبتير الذي ظل معلقًا، لكني شخصيًا أعتقد أن وراء هذه القصة أمر كان شومبتير نفسه يستهدف إشاعته في المحيطين به، خصوصًا أنه الاقتصادي الذي دائمًا ما يقارب نظرياته الاقتصادية ببعد سيسيولوجي. فالوعي بالمنافسة التي قد تحرمنا من بعض ما نريد، هي الرسالة المبطنة التي أراد شومبتير تقديم شخصية المنظم من خلالها، أو الـ(Entrepreneur)، فنظريته الاقتصادية الشهيرة ترى أن عناصر الإنتاج التقليدية يمكن أن تذوب طاقاتها القصوى، وتتمدد من خلال الإبداع والابتكار الذي يقدمه المنظم، ولذا فإنه أضحى عنصرًا جديدًا يغير خارطة الإنتاج، ويحررها من قيود عناصره التقليدية.. فهل كانت حكاية أحلام شومبتير مدخلاً لنظرياته الاقتصادية؟.
هذه المقدمة الموغلة في فلسفة الوعي بعناصر الإنتاج، تقودني إلى استكمال الطرح السابق في مقال (محمد بن سلمان... التوطين الآن)، ولنبدأ من إشعال شرارة الوعي بأهمية إعادة النظر في دور الموارد البشرية الوطنية في التوطين، والذي للأسف لا أراه الآن يتجاوز برامج السعودة التقليدية التي تستهدف رفع الأرقام في القوة العاملة بالقطاع الخاص بعيدًا عن القيمة المُضافة، أرجو أن لا أكون هنا تنظيريًا، فالحرص على تقديم فرص لجميع شرائح الطلب في جانب التوظيف أمر مهم وجوهري. فالقوة العاملة، تحوي طيفًا واسعًا من أصحاب المؤهلات من الجنسين لا يمكن غض الطرف عن تنوعها وتمايزها، لكنني اتطلع ونحن ندلف إلى رؤية اقتصادية جديدة، أن نضع خطًا واضحًا وفاصلاً بين مفهوم السعودة والتوطين. فمسار التنافسية العالمي الجديد، يتطلب أن يكون المورد البشري في العملية الإنتاجية منظمًا قادرًا على إزالة حدود الموارد، وإطلاق عنانها، وهو ما نأمل أن تستهدفه المبادرات الكثيرة القادمة في إطار رؤية 2030.
المورد البشري القادر على ممارسة دور المنظم، يتطلب درجة عالية من التشريعات التي تضمن تكافؤ الفرص، ومنظومة تعليمية وتثقيفية تحفز الإبداع والابتكار، وشبكة متينة من تبادل التجارب والمعرفة مع العالم، لأنه وبكل اختصار سيكون الجسر الصلب الذي تعبر من خلاله مشاريع التوطين الشامل، وتأسيس تنافسية القطاعات الاقتصادية. وكل الأمل الْيَوْمَ، أن تكون هناك إستراتيجية واضحة تستهدف التوطين الشامل، من خلال دور المنظم أو الـ( Entrepreneur)، لأن هدف زيادة المحتوى الوطني في مدخلات الإنتاج لن يتحقق دون وجود هذا العنصر التنافسي في عناصر الإنتاج. ولابد من الإشارة إلى أن الوعي الإعلامي بدور المنظم يجب أن يتطور، فما تزال كثير من وسائل الإعلام العربية تضع كل من يبادر بإنشاء مشروع تجاري مهما كانت القيمة المُضافة له تحت مظلة رواد الأعمال، خصوصًا حين يكون شابًا، ولعلي أكرر هنا مقترحًا أو توصية سبق أن طرحتها ويمكن أن تساعد في هذا الاتجاه، وهو إنشاء المركز السعودي لريادة الأعمال، ليكون مظلة شاملة لدعم التوطين الشامل الذي يقوده عنصر المنظم الفاعل، لندشن عصر إطلاق العنان لعناصر الإنتاج وتنويع مصادر الدخل، من خلال بوابة المنافسة العالمية الصحيحة.
نقلا عن الجزيرة