ذكر رئيس ارامكو في دافوس أن 30% من استهلاك النفط يذهب للنقل في الشاحنات الكبيرة و الشحن الجوي والبحري وأن ليس هناك خطر على قطاع المواصلات في العشرين سنة القادمة ، ولكنه لم يذكر أن عشرون سنة لا شيء في عمر الشعوب.
ولا أعرف إذا هذا التصريح يحمل نبرة تحذيرية أو محاولة طمأنة ، وقد لا تكون الصبغة المعنوية مهمة. و لكن المسار الاقتصادي للنفط أكثر أهمية من التجاذبات ذات الصبغة الاعلامية أوالمعنوية. الحديث عن النفط يعيد فتح المساحة الفكرية للاقتصاد و إعادة النظر فيما يتم من سياسات اقتصادية.
المسار الاقتصادي المطروح اليوم في غالبه تكنوقراطي ذات صبغة مالية لكنه دون بوصلة تشير إلى الإنتاجية وتوظيف للموارد ، البوصلة تحتاج قاعدة فكرية مناسبة للمكان و الزمان.فكريا ،البنية التحتية الاقتصادية تأتي بما يسميه الاقتصاديون : مجمل عوامل الإنتاجية - Total Factor Productivity ( TFP) - وقياس الإنتاجية - سرعة الحراك الاقتصادي المحدد للنمو - يبدأ من ما لديك من هذه العوامل والقدرة على النمو من هذا المنطلق و ليس بسبب إضافات طارئة. أكبر ما تم في الاقتصاد السعودي منذ بداية السبعينات من القرن الماضي يدخل في تصنيف الاضافات الطارئة ، طبعا كأن هناك نمو و لكن التوسع كان أكبر تأثيرا .
وهذا سر التعقيد في فهم وتشخيص الاقتصاد الوطني إذ يخلط الكثير بين التوسع (توظيف الموارد الطارئة ) والنمو ( توظيف الموارد من نقطة البداية ) الأول حدث في المملكة و الثاني في النرويج و كليهما دول مصدرة للنفط . لابد من قراءة تاريخ الاقتصاد الوطني و آفاق مستقبلة من عدسة ( TFP).
الفترة الأولى كانت أقرب إلى التطور الطبيعي في تكاتف العناصر المكونة - قلة المال و الحاجة لتوظيفه بعناية والحرص على الأخذ بالتعليم و المعرفة و الاعتماد على العناصر البشرية الوطنية وتأسيس الجهاز الحكومي ممثلا بالوزارات ودور ارامكو التاريخي في نقل التقنية و تأسيس شركات وطنية عائلية ، هذه الحقبة امتدت من مرحلة التأسيس إلى أن بدأ التخطيط المنظم مع أول خطة خمسية في 1970 ، ارتفاع أسعار النفط المؤثر في 1971 كأنه نذير لحقبة جديدة .
الفترة الثانية بدأت بإنجازات كبيرة غيرت نوعية وجودة الحياة لأغلبية المواطنين ولكن أهم تغيير في الفكر الاقتصادي كان في الانتقال من النمو إلى التوسع - النمو يعتمد على صهر عوامل الإنتاج الموجودة لكي ينمو الاقتصاد عضويا بينما التوسع يعتمد على توفر رأس المال بسهولة غير متوقعه وسياسات حكومية غير محسوبة في الاستقدام إلى حد التستر وتقليل دور رأس المال و المعرفة و انحدار الحرص على التعلم والتعليم بالرغم من التوسع المادي و البشري وتكاثر الشهادات العليا دون تمحيص ، أحد الضحايا كان ولايزال التعليم الفني. يلوح في الأفق نهاية الفترة الثانية بسبب اهمال الإنتاجية وارتفاع تكاليف الحكومة المضطرد من ناحية وتآكل في مصدر الدخل الرئيس : النفط من ناحيتين ، الأولى أن استمرار النمو في استهلاك المملكة من النفط غير ممكن في المدى المتوسط ، والأخرى هناك ما يدل على تآكل تدريجي لدور النفط كما عبر عنه بطريقة غير مباشرة تصريح رئيس ارامكو بسبب البدائل وانخفاض السعر الحقيقي. يذكر مسح شركة البترول البريطانية (BP) أن حصة الوقود الاحفوري من الطاقة سوف تنخفض من 86% في 2015 إلى 75 في 2035 .
اقتنع الفريق الجديد ممثلا بقيادة سموالأمير محمد بن سلمان تحت مظلة مجلس الاقتصاد والتنمية بخطورة الموقف وبدأت الفريق الجديد من خلال " الرؤية " وبرامج التحول الوطني بسلسلة سياسات وبرامج تطمح ليس لوقف النزيف المالي فقط ولكن لتحقيق اهداف محددة مثل تقليل الاعتماد على النفط ورفع نسبة النمو، ولكن ليس هناك ما يشير إلى مركزية الانتاجية وبوصلة ( TFP).
بدأت الفترة الثالثة بسبب عدم قدرة نموذج الفترة الثانية على الاستمرار من ناحية واستعداد قيادي للتعامل مع مخاطر الاستمرار على نموذج بدأ واضحا أنه استهلك. الاشكالية الفكرية تتمخض في ايجاد التوازن الممكن في السيطره على المخاطر المالية و الاقتصادية من ناحية و الاعداد للفترة الثالثة من ناحية اخرى. هذا تحدي من الطراز الاول. من زاوية هذا العمود ما يهمنا تتبع الدور المحوري لمجمل عوامل الانتاجية (TFP).
اذا أخذنا دور العمالة ( كل العمالة في الاقتصاد ) سنجد صعوبة منهجية ، فهل المقصود الطاقات البشرية الوطنية أم كل العمالة المتوفرة في الاقتصاد والاستعداد لمواصلة الاستقدام كما تشير الأرقام من تزايد الاستقدام بالرغم من البطالة و ضعف توظيف المواطنين.
العامل الآخر يتمثل في رأس المال و هذا في تجاذب آخر بين استمرار المصروفات الثابتة و الاستثمار من ناحية و انخفاض مصادرة بسبب انخفاض اسعار النفط. ايضا للمال زاوية أخرى لابد من الاشارة إليها ، فهناك سبل توفيره من خلال الاقتراض كما تم بكفاءة عن طريق اصدار سندات بقيمه 17.5 بليون دولار، واستعداد الحكومة لإصدار صكوك لهذا العام كما ورد في الميزانية.
يقابل هذا الاقتراض تردد واضح في خفض المصروفات بوضوح كما عبرت عنه ايضا ميزانيه العامين الماضين و قلة الاستثمارات تاريخيا كنسبة من المصروفات العامة وشبح ارتفاع الفوائد .اخيرا بدا و كأن القدرات التنظيمية تحت ضغط على أكثر من صعيد ، فمن ناحية تلاقي الحكومة صعوبة في إيجاد الكوادر الكفؤ مما يخلق حالة من عدم التعاون مع الكثير من الأجهزة الحكومية ،ومن ناحية أخرى نشهد تزايد في توظيف الاستشارين الذين لا يعرفون الكثيرعن الاوضاع الوطنية الخاصة كما أن توظيفهم لا يساعد في زيادة سعة الجهاز الحكومي .
فبينما نستعين كثيرا بالاستشاريين الوافدين بدا واضحا أنه بالرغم من أكبر برنامج للبعثات إلا أن هناك ضعف في توظيف المقدرات البشرية .
يبدو أن البرامج المعلنة لم تأخذ عدسة (TPF) كمسار اساس للانتقال من الفترة الثانية إلى الثالثة ولذلك هناك خلل في المفاهيم على اكثر من صعيد. طبيعة الاقتصاد السعودي تجعل الحلول مالية الطابع وبالتالي في دائرة الاقتصاد السياسي. فمثلا كان واضحا أن مرفق الاراضي مستحق لعملية إصلاح و لكن بدا وكأن هناك تردد في التنفيذ على الاقل إلى حد كتابة هذه السطور بعد نقاش و دراسات استمرت منذ 2012 .
لعلي اجد عذرا في أن النسبة عالية و التعريف مطاطي. الأحرى أن تكون النسبة اقل من 1% و أن تشمل الرسوم كل الاراضي عدا ما تحتاج العائلة من مساحة تصل إلى أقل من ألف متر مربع. كذلك ظهر تردد واضح في سياسة العمل، فهناك حاجة واضحة للحد من الوافدين في قطاع التجزئة وبعض المهن مثل سائقي سيارات الأجرة ، ولكن بدا واضحا أننا لا نرغب في التجريب بجدية أو لا نريد تحمل تبعات الخدمات جراء القرارات ولكن يقابل ذلك أيضا الحاجة لتفعيل المادة 77 من نظام العمل. و لم نأخذ بقرار مؤثر في تقليل طلاب الجامعات وتحويلهم للتعليم الفني و رفع كفاءة التعليم الجامعي ومطالبته بأبحاث أصيلة و جدية.
زيادة الرسوم على العمالة خطوة في الاتجاه الصحيح ولكنها ليست بديل عن توظيف المواطن مباشرة وبالتالي رفع دخله. الرهان على أمور فنية مثل التخصيص والاستثمارات الخارجية ليست بديل عن إصلاحات مؤثرة، كما أن لها تفاعلات لم تدرس بعناية فمثلا هناك ضعف مزمن في الحوكمة إلى حد اجهاض برنامج التخصيص .
التوجه لتقليل الدعم مع مساعدة الكثير من خلال حساب المواطن خطوة في الاتجاه الصحيح و سبق أن كتبت قبل حوالي عشر سنوات عن هذا الموضوع . تفعيل مسار TFP يطلب المساس بتغيير تصرفات العامة وهذا لم يتم إلى الآن ، كما أن هذه الخطوات تتطلب تزامن مؤثر لكي يتغير مسار الأنتاجية.
يبدو لي أن المنطلق الفكري الذي بدا به الفريق ليس اقتصادي في الجوهر وإنما مالي إذ كان التركيز على الصندوق السيادي من ناحية والسيطرة على الحالة المالية التي نشأت بسبب الارتفاع المضطرد في المصروفات الحكومية في السنوات التي سبقت الفريق و الانخفاض الحاد في اسعار النفط. الاحرى أن تكون نقطة الأنطلاق اقتصادية الجوهر من خلال تتبع بوصله TFP و هذا لم يحدث و لذلك لابد من المراجعة والتصحيح خاصة أن بعض ما اتخذ من خطوات يصب في نفس الاتجاه جزئيا فقط ، ولكن الإشارات سوف تبقى ضبابية في غياب بوصلة (TFP) . السيطرة المالية ضرورية و لكنها ليست بديل عن منظومة اقتصادية تنتهي بتفعيل عوامل الإنتاج وتغيير تصرفات الفعاليات الاقتصادية و تغيير تصرفات الناس.
خاص_الفابيتا
لا اظن ان خطة تنموية بدأت بزيادة تكاليف المعيشة على المواطن خطة صحيحة وليس من السهولة التفاؤل بنجاح خطة تحولية كبرى ومفصلية لاقتصاد البلد مع عجز البلد عن حل مشكلة الإسكان لأكثر من عشر سنوات وضياع 250 بليون في غياهب التيه.
شكرا اخ just try اذا اردنا الاخذ بخيار شمولي للتعامل مع قضايا اقتصادية متشابكة فلابد ان يكون المواطن مستعد للتعاون في دفع فاتورة التكلفة . القول ان هناك حلول سحرية دون المشاركة بين الجميع في التكلفة أيضا هراء . و لكن المسالة ليست توزيع فقط ؟
المجتمع يعاني من فجوات كبيره بين المواطنين تجد من راتبه الشهري 17000 الف وهناك من راتبه لايتعدى 3000 ريال صاحب الراتب المرتفع أصبح عنده شبه اكتفاء ذاتي حتى أنه لايزال عن هذا الراتب وصاحب الراتب المتدني يصارع الحياة هو يعيش بين الرجاء والأمل وتمضي الحياة هل هذا من العدل في توزيع الثروة قد يقول أحدهم أن صاحب الراتب العالي يحمل شهادة عاليه ومتميزة في مجال يحتاجه سوق العمل نقول له هذا غير صحيح وكذلك صاحب الراتب المتدني يحمل شهادة عاليه في مجال مطلوب بسوق العمل ولكن الفرق بينهم إن صاحب الراتب العالي تم التوسط لتوظيفه وبالمقابل صاحب الراتب المتدني لايملك هذه الواسطه لذلك لن يجد سوى وظيفه يرفضها غالب اطياف المجتمع هذه معادله هي عنوان العدل في هذا البلد
شكرا اخ ماجد الحقيقة ان موضوع "التوزيع" مهم و كنة ليس اهم من تحديث الاقتصاد او التيقن من توجهاته الاستراتيجية وهذا ما نحن بصدده هنا , الإشكالية ان العربي جبل على السياسة و لذلك ينشغل بالتوزيع اكثر من الإنتاجية و العلم الحقيقي
مقال اكثر من رائع شكراً لك
Manager اخ اشكرك و هناك الكثير القادرون .
اامن بقوه بالتغيرات الصغيره فكل تغيير يقود لما بعده الي ان تصل الي القمه وهناك امور كثيره يمكن الاستفاده منها حاليا مثل الاستفاده من اسوار المدارس كمحلات تجاريه ولوحات اعلانيه داخل المدارس ومقصفين في كل مدرسه بدلا من مقصف واحد . هذا بخصوص التعليم وكل وزاره لديها خطط تنميه لاحصر لها وفي النهايه جميع هذه الخطط تصنع الفرق في الاقتصاد الوطني . وكل عام هكذا .
شكرا اخ المستلك هناك مكان لاشك لكل شيء صغير و كبير في سلم التطوير وما بينهما
اقتباس (( مجمل عوامل الإنتاجية - (Total Factor Productivity ( TFP) - وقياس الإنتاجية - سرعة الحراك الاقتصادي المحدد للنمو - يبدأ من ما لديك من هذه العوامل ))........... تعليق بسيط ، مجمل عوامل الانتاجية يعطي اوزان قياسية لمدخلات رأس المال و اليد العاملة. وبتوزيع قياسي 30% لرأس المال و 70% لليد العاملة. نظرية " TFP لايمكن باي حال تشرح تفوق الانتاجية في الولايات المتحدة على نظيرتها في الهند بخمس مرات ، رغم توفر المعرفة للجميع وكثاقة العنصر البشري في الاخيرة ؟ النظر للنمو في مجمل العوامل الانتاجية بمعزل عن عامل الديناميكية التكنولوجية في العصر الحالي بيؤدي لقياس غير صحيح. لا ضير في استقطاب الكفاءات الاجنبية اذا كانت بتحسن الانتاجية و تجلب التقنية والمعرفة ، لكن للاسف في ال50 سنة الماضية جلب الاجنبي بعقود اسناد وتشغيل خارجية وليس بعقود توطين و نقل واحلال. التحول الوطني بشكله العريض هو تحول استراتيجي للمنهج الاقتصادي للبلد ، والرؤية لم تجب عن ابسط الاسئلة ما الفلسفة الاقتصادية اللي راح تقوم عليها. خذ مثال بسيط هل التحول بيبني مقدراته و موارده واصوله كإقتصاد خدمي ام بيكون اقتصاد صناعي يستفيد من المزايا النسبية لوفرة المورد الطبيعية . لا يمكن نظرياُ بأي حال من الاحول بناء اقتصاد يتخذ موقف حيادي في المنتصف لان البنية التحتية و الموارد البشرية ومتطلبات رأس المال بتتعارض في نهاية المطاف وبتؤدي للفشل. هل البنية التحتية والكفاءات والقدرات لاقتصاد قائم على السياحة الدينية والسياحة الترفيهية مماثله لاقتصاد صناعي يستهدف القيمة التصنيعية المضافة لقطاع التعدين ... الخ من الامثلة المتناقضة. بل هل حاجتنا لاستغلال الموراد البشرية المعطلة في قطاع خدمي يستوعب هالاعداد بإختلاف قدراتهم ، ام بحاجة لقطاع صناعي تطورت التقنية والالة فيه بطريقة لاتحتاج الا لاعداد محددة من الموارد البشرية ؟؟ اسئلة للامانة تحتاج لإجابات شافية ومقنعة.
شكرا اخ فيصل على المداخلة النيرة و اتفق معك كل ما ذكرت . لم نثبت جمعيا ان لدينا المرونة الذهنية اللازمة الى الان ؟
مقال جميل يا استاذ فواز بس النبره الفلسفسه تهيمن على مقالاتك والتي من المفترض انها تخاطب المواطن البسيط
شكرا اخ أبو هدارة ملاحظتك لا تخلوا من الصراحة و الحقيقة . و لكن لعلني التمس عذرا في صعوبة الموضوع الاقتصادي من ناحية و صعوبة الحالة من ناحية أخرى