حساب المواطن مؤشر قياس برنامج التوازن المالي

09/02/2017 3
فضل بن سعد البوعينين

بات تحقيق التوازن المالي هدفاً رئيساً للحكومة ممثلة في وزارة المالية؛ وهو من أهم البرامج الأساسية المحققة لرؤية المملكة 2030، المرتبطة بالإدارة المالية وإعادة هيكلة الوضع المالي ومراجعة الإيرادات، والنفقات، والمشاريع، وآلية اعتمادها.

برغم أهمية إعادة هيكلة الاقتصاد وتحقيق التوازن المالي؛ إلا أن الإصلاحات الاقتصادية لا تخلو من الانعكاسات السلبية التي يفترض أن تكون مرتبطة بمرحلة المعالجة. الانعكاسات المجتمعية أحد أهم الجوانب التي اجتهدت الحكومة في معالجتها من خلال «حساب المواطن» الموجّه لمعالجة الانعكاسات الناتجة عن إعادة الهيكلة الاقتصادية ورفع الدعم؛ وبما يخفف الآثار الاجتماعية والاقتصادية الأساسية على المواطنين. تقديم الدعم الحكومي من خلال حساب المواطن من أدوات البرنامج الرئيسة التي تعتمد البيانات الدقيقة أساسا لها. يمكن لحساب المواطن؛ ومن خلال البيانات الإلكترونية الدقيقة؛ أن يقدم قاعدة بيانات موثوقة لمستحقي الدعم؛ إضافة إلى بيانات دخل الأسر وأفرادها؛ وبما يقدم للقيادة نظرة بانورامية دقيقة للشريحة الأكبر والأهم من المجتمع؛ ويوفر لها البيانات المعينة على اتخاذ القرارات أو مراجعة ما اتخذ منها اعتمادا على الأرقام التوقعية.

خلال أسبوع من بدء تدشين الموقع الإلكتروني لـ»حساب المواطن»، زاد عدد الطلبات المكتملة عن 2.4 مليون ؛ بحسب البيانات الرسمية ومن المتوقع أن يتضاعف الرقم خلال فترة زمنية قصيرة خاصة وأننا مازلنا في بداية التسجيل.

وبالعودة إلى حجم الدعم التقديري (التحمل المالي) للعام 2017 نجد أنها تتراوح بين 20 إلى 25 مليار ريال؛ وهي مرتبطة بالمرحلة الأولى لرفع الدعم؛ ما يعني نموها مستقبلا بعد المرحلة الثانية والثالثة لتصل إلى ما يقرب من 70 مليار بحلول العام 2020. يبدو أن عدد طالبي الدعم المسجلين حاليا في حساب المواطن قد لا يتوافق مع الميزانية المرصودة للدعم؛ بل أعتقد أن حجم التحمل المالي سيكون أعلى بكثير من الأرقام التقديرية المعلنة ابتداء. ومن هنا يمكن لحساب المواطن أن يكون مؤشرا لقياس الأرقام والفرضيات التي بنيت عليها بعض البرامج المهمة؛ ومنها برنامج تعظيم الإيرادات غير النفطية التي ربما احتاجت إلى مراجعة دورية لمواءمة مدخلاتها مع مخرجات ما يحدث من تغيرات اقتصادية قد تحد من تدفق الإيرادات المتوقعة.

فعلى سبيل المثال؛ الرسوم المتوقع تحصيلها في سوق العمل، والمرافقين قد تتأثر بتقلص حجم العمالة الأجنبية لأسباب اقتصادية صرفة، أو لأسباب مرتبطة بارتفاع التكاليف. اختلاف التوقعات المالية لا يتعارض البتة مع ما قد تجنيه سوق العمل من تصحيح التشوهات الطارئة كنتيجة مباشرة لتكاليف العمالة.

الأمر عينه ينطبق على حجم الدخل من تأشيرات العمرة؛ فحتى اليوم هناك شكوى لا تنقطع من شركات الحج والعمرة بسبب الانخفاض الحاد في عدد المعتمرين. قد تكون رزنامة العمرة من الأسباب؛ غير أن استبعاد أثر الرسوم لا يمكن تجاهله؛ لذا نحن في حاجة إلى مراجعة دورية للفرضيات والأهداف والنتائج المتوقعة؛ وهذا لا يعيب العمل الإستراتيجي بل هو جزء رئيس من كفاءة العمل وإدارة التغيير والتحول.

هناك جانب مهم يجب التركيز عليه وهو العلاقة بين برنامج التوازن المالي والاقتصاد الكلي. فالاقتصاد كل لا يتجزأ وأي تغير في أي من مدخلاته سينعكس لا محالة على الاقتصاد؛ فضبط الإنفاق انعكس على حجم النمو؛ وتسبب في خروج كيانات اقتصادية و خسائر فادحة للاقتصاد. التعامل مع الوضع الحالي ومعالجته أقل تكلفة من التعامل مع مخرجاته المؤلمة مستقبلا.

برنامج التوازن المالي من أهم البرامج التي أؤمن بأهميتها؛ والواجب تحقيقها على أرض الواقع. إلا أن وضع أولويات أدواتها يمكن أن يعظم النتائج الإيجابية ويحد من الانعكاسات السلبية. فتحقيق كفاءة الإنفاق؛ ووقف الهدر؛ ومكافحة الفساد يمكن أن تحقق وفراً ماليا يفوق ما قد يتحقق من رفع الدعم وبعض الرسوم الأخرى المؤثرة في الاقتصاد. كما أن جدولة رفع الدعم بين المشتقات النفطية والكهرباء أمر مهم لسببين رئيسين؛ الأول تحقيق الموثوقية من القدرة على التعامل مع التغيير المستهدف؛ وانعكاساته وما ينتج عنه مجتمعيا؛ والثاني قدرة المستهلكين على تحمل الأعباء المالية الجديدة بشكل متدرج. الإعلان المسبق عن موعد رفع الدعم وتطبيق الرسوم الجديدة أمر مهم للغاية؛ ويكشف عن كفاءة في إدارة التغيير؛ غير أن قياس النتائج؛ والقدرة على التحمل؛ والانعكاسات المجتمعية من أدوات التحوط التي آمل الأخذ بها لتحقيق المصلحة العامة.

نقلا عن الجزيرة