تفوت علينا كوطن فرصة عظيمة لبناء كنز من المعرفة فيما يبني الاخرون كنزهم من خلالنا
أن تكون في مطار الرياض يوم الأربعاء ظهراً، وفي وقت انطلاق رحلات الرياض-دبي المعتادة والتي تصل الي 14 رحلة يوميا، ستشاهد بنفسك العدد الكبير من المتعاقدين الذين يعملون في وظائف مرموقة لدينا في المملكة ويختارون مغادرة الرياض الي دبي في إجازة نهاية الأسبوع والبقاء فيها خلال أيام العمل.
وأغلب هؤلاء يكونون متعاقدين لتنفيذ مشاريع استشارية كبيرة لدى الحكومة وشركات القطاع الخاص. العدد كبير وقد تتفاجأ أن أغلبهم يعودون يوم الأحد ويسافرون يوم الأربعاء مما يعني أنهم يمضون ثلاث أيام ونصف عمل فقط في الرياض ويحصلون مقابل ذلك على عقود استشارية كبيرة.
الملفت هنا كمية المعلومات التي لدى هؤلاء المستشارين والتي جعلت منهم مرغوبين للعمل لدينا ويعتقد البعض أن الاستشاري لا بد أن يكون خبير في المجال الذي يعمل به، مثلاً استشاري في منظمات التعليم أو في وزارة التعليم لا بد أن يكون خبيراً في التعليم كما ان استشاري في الصناعة لا بد أن يكون خبيراً في الصناعة، ولكن الواقع غير ذلك تماماً.
فما يميز شركات الاستشارات تلك هو الكنز الكبير لديهم من خبرات وقواعد بيانات إجراءات العمل، التي تمكنهم من تحليل أي موقف أو تحدي لدى العميل واستخدام إجراءات العمل تلك للبحث عن أفضل الحلول.
وفي أغلب الأحيان لن تأتي المعرفة والخبرة في المجال عن طريق الشركات الاستشارية بل عن طريق العاملين لدى العميل. مثلاً، لن يكون هناك خبير في تحديات التعليم المحلي من خارج المملكة أكثر خبرة من بعض موظفي وزارة التعليم ولن يكون هناك خبير بالصناعة المحلية أكثر معرفة من العاملين في وزارة الصناعة أو العاملين في مجال الصناعة أو الصّناع أنفسهم.
ويجب ان ندرك انه هناك فرق بين مجرد معرفة ان هناك مشكلة او تحدي وبين تحديد اساب تلك المشكلة او عوائق ذلك التحدي وإيجاد الحل المثالي لهما مع خطط التنفيذ التي تضمن النجاح.
وما يميّز هؤلاء المستشارين هو خبرتهم في البحث والتقصي والمقارنة واتباع تلك الإجراءات بدقة لبناء حلول متميزة وتقديم وتصميم تلك الحلول مع الأخذ بالاعتبار مختلف العوامل المؤثرة وذات العلاقة بذلك الحل.
مثلاً الحل التقني للتعليم أو حل مشكلة من مشاكل وزارة التعليم سيحتوي على جميع الإجراءات التي إذا اتبعت ستكون فرصة نجاح الحل كبيرة وتحتوي على خطط التنفيذ وكيف التعامل مع المقاومة للتغيير ونقل الحل الي مرحلة التطبيق كما يتم مراجعة التجارب العالمية المقاربة وكيفية الاستفادة من الدروس السابقة وتجنب الأخطاء التي وقع بها الاخرون إضافة الي أفضل الطرق للإنجاز.
تلك الشركات الاستشارية طورت تلك الخبرات خلال سنوات من العمل في مجال تقديم الاستشارات لجهات كثيرة، ولديها قاعدة بيانات كبيرة للغاية لكل مشكلة وتحدي سبق وان تعاملت معه. وأغلب الاستشاريين يستخدمون قاعدة البيانات تلك لتحليل وتقديم الحلول لعملائهم.
وقاعدة البيانات تلك تُدعم بتدريب مركّز للمستشارين على إجراءات التحليل والبحث والتطوير المستمر لهم على لإتقان أفضل الطرق والإجراءات التي تمكنهم من مواجهة أي مشكلة بنفس الطريقة مهما اختلفت طبيعة المشكلة.
موظف تلك الشركات والعامل في صناعة الاستشارات يتميز بشكل أساسي بمعرفته بقواعد الإدارة العامة والقدرة على التحليل المتعمق للأحداث وبشكل كبير يجب ان يتميز بالإصرار الكبير في البحث والتحليل بعكس الاعتقاد السائد بأن المستشار يجب أن يكون خبير في مجال دقيق قبل ان يقوم بتقديم خدمات الاستشارات.
القدرة والمهارة على التحليل العميق للتحديات والمشاكل هي أكبر ما يميز العاملين في صناعة الاستشارات، ويُبنى عل هذا التحليل الحلول الشاملة وخطط التنفيذ. وفي وقت لاحق يتخصص الاستشاري في صناعة معينة تتميز بتحديات متقاربة مثل التخصص في القطاع العام اوالقطاع المالي.
لذلك فان أثمن موارد الشركات الاستشارية هي قاعدة بيانات إجراءات العمل وموظفيهم الذين تم تطويرهم على اتباع الإجراءات القياسية للتعامل مع العملاء.
ولكن التساؤل الذي اود طرحه هو لماذا لا نستغل تواجد تلك المعرفة الكبيرة إضافة الي التحديات الكبيرة التي تواجه بلدنا لبناء صناعة الاستشارات. أنا لا أعني إنشاء شركات استشارات تنافس الشركات العالمية بل لماذا لا نبني شبابنا لكي يتعلموا هذه المهارات واستخدام الإجراءات وتطوير مهارة الإصرار لديهم وطرق التحليل والبحث عن المعلومة وايجاد الحلول المناسبة، ولاحقاً هؤلاء يستطيعون المساهمة في بناء شركات محلية تنافس الشركات الأجنبية مما يمكننا من دمج المعرفة العالمية والمعرفة المحلية لتقديم حلول متميزة للجهات الحكومية والشركات ذات نكهة محلية وذات قدرة على البقاء لأنها نابعة من داخل الوطن ومن داخل المجتمع نفسه.
لماذا لا تشمل تلك العقود الكبيرة التي تصرف سواء من الحكومة أو من شركات القطاع الخاص على شروط للتوطين؟ لماذا لا نطلب منهم أن يكون هناك نسبة من المواطنين ضمن قوى العمل لديهم ونطلب منهم بناء أولئك الموظفين لديهم في شركاتهم وتطويرهم عن طريق إشراكهم بدائرة القرار وبدائرة التحليل لتلك المشاكل وإشراكهم بتعلم تلك الإجراءات التي تميّز الشركات العالمية والتدرب على كيفية توصيف المشاكل وطرق تحليل التحديات إلى أبسط مكوناتها وطريقة الإجراءات التي يتمكنون من خلالها من تقديم حلول لتلك التحديات وكيف تطبيق تلك الحلول بطريقة مميزة.
ويجب التنويه هنا ان جميع شركات الاستشارات تستقطب بشكل مركّز الخرجين الجدد في جميع دول العالم لإدراجهم في القوى العاملة لديهم ونتفاجأ دائما ان هؤلاء الخرجين الجدد يأتون للعمل لدينا ضمن فرق عمل المستشارين. لماذا لا يتم تطبيق نفس الاجراء لدينا وإعطاء الفرصة لأبنائنا وبناتنا من الخريجين المميزين من جامعاتنا المحلية والجامعات العالمية بالعمل في صناعة الاستشارات؟
لو استطعنا أن نضع هذه الشروط بالتعاقدات التي بيننا وبين الشركات الاستشارية، سنجد أن خلال سنوات من الآن تكوّن لدينا جيل جديد من المستشارين الذين بنوا خبراتهم داخل تلك الشركات العالمية بالتطبيقات المحلية واستطاعوا أن يكوّنوا مستقبل قوي لصناعة الاستشارات في المملكة تمكننا من التعامل مع التحديات المستقبلية بسهولة وتميز.
خاص_الفابيتا
قلم حبر يسطر كلاماً بالذهب. لا عدمنا إثرائك يا أستاذ محمد.
الفكرة عبقرية للغاية ... ولكن المشكلة في البيئة يا عزيزي ... لنفترض أنك من سمحت لهذه الشركات باختيار الجيل الاول وبالتالي ستحسن الاختيار .... هذا الجيل سيصبح المسؤل خلال عقدين من الزمن .... وهنا سيقوم هذا الجيل بتعديل السياسات لإختيار الاقارب والابناء والمعارف ليتم تعيينهم كمستشارين مبتدئين في المستقبل .... هذه هي أكبر الافات في المجتمعات العربية .... لا يوجد آلية واضحة لمحاربة المحسوبية والفساد الاداري .... لذلك مهما نسخنا من الغرب فلن نصل لهم ... علينا كما قام اليابانيين بإخراج جيل جديد يتم تربيته منذ اليوم الاول على عادات وتقاليد وانظمة مختلفة تماما عن الحالية ... ثم يتم اعطاء هذا الجيل القيادة والادارة ليخرج الدولة من عثرتها .... بخلاف هذا فهمها كانت الخطط حالمة ... سيأتي أشباح الفساد والمحسوبية والقبلية لتسحق كل آمالنا لإن البيئة العربية تزرع هذه الاشباح بقوة تتفوق حتى على الوازع الديني في يقين أبناءنا
التوطين صعب !!!
اصاب المقال في طرح حلول منطقية تتطلب قرار سيادي وهي حل كبير لمشاكل الاستشارات الفنية والادارية التى ستكون نواة لبناء كيانات استشارية محلية منافسة على الاقل في المحيط الاقليمي. والجامعات هي افضل بيئة تحتضن مثل هذه المبادرات.
هذا ليس مقال .. بل مؤتمر بتوصيات ماشاء الله
نصهم حقين ماكنزي
الزبدة هي توطين الموظفين في شركات الإستشارات الكبرى بقدر الإمكان وهو الخيار الصحيح والمتاح والقابل للتطبيق بسهولة. أما من يقترح إنشاء شركات إستشارية لتحل محل الشركات العالمية فأظنه إما واهم أو يحاول تسطيح المشكلة. كما ذكر الكاتب قوة الشركات الإستشارية بجانب إسمها هو تطبيقاتها وإجراءتها التي بنتها مع الزمن. وأُ ضيف قدرتها على تسويق الحلول التي تأتي بها وإقناع صاحب القرار بها (غالباً هم أساساً لا يأتون لإيجاد حل ولكن لإيجاد إثباتات لصحة الحل الذي يريد تطبيقه صاحب القرار).
توطين صناعة الاستشارات