في عام 2008، فتحت لجنة الرعاية الطبية البريطانية تحقيقا بعد ملاحظة ارتفاع معدل الوفيات في مستشفى ستافورد عن المستوى الطبيعي. وبحسب الشهود، كان الوضع مأساويا. إذ كان الماء يقدم للمرضى أحيانا في مزهريات الورد، وكانوا ينامون على أسرة غير صالحة للاستخدام. كما كان الطاقم الطبي لا يقوم بتقديم العلاج اللازم للمرضى، فيما كان هناك نقص في الكوادر الطبية والتدريب. نتج عن تلك الممارسات 1200 حالة وفاة "غير ضرورية".
لم تكتف الحكومة بتقرير اللجنة، ففي عام 2009، فتحت الحكومة تحقيقا جديدا عبر لجنة مستقلة، والتي خلصت إلى أن الإدارة كانت مهوسة بتحقيق المستهدف من مؤشرات الأداء (KPIs)، خصوصا المتعلقة بخفض التكاليف. أي أن هوس الموظفين المدفوع بضغط الإدارة العليا، نتج عنه إهمال الجوانب الإنسانية والطبية التي لم تشملها المؤشرات. كما خلص التقرير إلى توصيات لتفادي وقوع المشكلة، منها (المريض أولا) و(تحسين آلية استقبال الشكاوى). انتهت القضية بحل المنظمة المسؤولة عن المستشفى ومعاقبة المتسببين بالكارثة، وفتح تحقيق يشمل جميع المستشفيات البريطانية لتفادي وقوع كوارث أخرى.
مع إطلاق رؤية 2030، تتجه الحكومة لاستخدام معايير قياس الأداء (KPIs)، وذلك لتقييم أداء أجهزة الدولة. إذ أشارت الرؤية إلى أن الحكومة ستعتمد على برنامج لقياس الأداء للتأكد من تحقيق الأهداف، وتُوجت هذه الفكرة بقرار من مجلس الوزراء ينص على تنظيم المركز الوطني لقياس أداء الأجهزة العامة.
لا شك أن هذا التوجه، هو وسيلة علاجية مهمة لإحدى المشكلات السابقة والتي تتمثل في وجود أهداف غير قابلة للقياس وعدم وجود مقاييس للأهداف.
إلا أن الداعي لذكر قضية ستافورد، هو القلق من الآثار السلبية التي قد تصاحب مؤشرات قياس الأداء، إذا ما أسيء استخدامها. إذ يعاب على مؤشرات قياس الأداء عدم قدرتها على قياس بعض المناحي الإنسانية والسلوكية. بالإضافة إلى كونها تدفع جميع موارد المنشأة، وعلى رأسها المورد البشري، نحو تحقيق أرقام محددة، مما قد يدفعهم إلى إهمال الجوانب الأخرى التي لم تشملها المقاييس، خصوصا إذا ما تعاظمت الضغوط على المرؤوسين وأُغلقت عليهم أبواب رؤسائهم.
اليوم، تُشكّل مشكلة عجز الموازنة ضغطا ً كبيرا على صُنّاع القرار في الدولة. إذ تسعى الدولة إلى تمكين وزارة المالية من إحكام السيطرة على نفقات الدولة، وذلك للحفاظ على صحّة المركز المالي للدولة، عبر حث الوزارات والجهات الحكومية على السيطرة على معدلات وكفاءة الإنفاق. ومع هذه الضغوط يزداد القلق.
ولتوضيح المقصود، أحاول تسليط الضوء على (بعض) المؤشرات التي ربما تُشكّل حافزا لبعض الممارسات السلبية. فعلى سبيل المثال، حدد برنامج التحول الوطني 16 مؤشر قياس لأداء وزارة الصحة، ومنها بعض المؤشرات التي يمكن أن تنحرف عما وضعت له.
إذا ينص مؤشر الأداء الثاني للوزارة على تثبيت النفقات التشغيلية للسرير الواحد عند مستوى 33 ألف ريال. وعند أخذ معدلات التضخم السنوي بعين الاعتبار، فإن تثبيت التكلفة لمدة 5 سنوات يعني فعلياً تخفيضاً للنفقات التشغيلية. فبالإضافة إلى التضخم السنوي الاعتيادي، فإن منشآت الوزارة ستتحمل ضريبة القيمة المضافة المزمع تطبيقها، كما ستتحمل الزيادات القادمة في تكلفة الكهرباء والمياه، مما قد يدفع بالخفض الفعلي لتكلفة الحالة السريرية إلى مستوى 15% بحلول 2020.
ويكمن الخطر في إفراط التركيز على الترشيد، دون مراقبة تبعاته على جودة الخدمة والبيئة الطبية. فمن الممكن – إذا ما تعاظمت الضغوط- أن يجد الكادر الطبي نفسه مجبرا على عدم تقديم الخدمة بالشكل المطلوب وذلك لتحقيق الوفر المالي. في حين أن الهدف هو السيطرة على الهدر دون المساس بالجودة، حتى لو كان ذلك على حساب عدم تحقيق الخفض المستهدف في برنامج التحول الوطني.
الخطر الآخر يأتي من مؤشرين آخرين. إذ ينص المؤشر السادس على رفع "نسبة المرضى الذين تنتهي رعايتهم الطبية (تنويم/ نقل/ خروج من المستشفى) خلال 4 ساعات" من 40% إلى 75%، في حين يشير مؤشر الأداء التاسع إلى رفع "نسبة الحصول على موعد طبي في التخصص المطلوب خلال 4 أسابيع"، من أقل من 40% إلى 70%.
وبالرغم من أن المؤشرين يهدفان إلى إنهاء معاناة المراجعين والمرضى من تأخر حصولهم على المواعيد الطبية وتلقيهم للعلاج، فإنه من الممكن أن يشكل ذلك ضغوطات تدفع الكادر الطبي إلى خفض مستوى الرعاية الطبية، إذا لم تكن هناك معايير صارمة للجودة.
وعليه، قد ترى وزارة الصحة (والوزارات الأخرى) أخذ الإجراءات اللازمة لتحديد المؤشرات التي ترتفع فيها احتمالية خطر الانحراف عن مقصدها النبيل، والعمل على تفاديها عبر عدة وسائل، منها استحداث مؤشرات لقياس معدل الرضى لأهم أصحاب المصالح: المرضى، والكادر الطبي. كما يجب على الوزارة العمل على تطوير نظام لاستقبال الشكاوى وآليات واضحة للتعامل معها ومتابعتها.
ختاما، بالرغم من أهمية وجود مؤشرات قياس الأداء، فإن إفراط التركيز عليها قد تنتج عنه عواقب وخيمة. ونحن على ثقة بأن الوزارات قادرة بعون الله ودعم القيادة على الاستفادة من إيجابيات المؤشرات وتجاوز سلبياتها.
نقلا عن الوطن
ياليت قومى يعلمون.
هذه لم ولن تمر على أصحاب القص واللصق !!! فضلاً عن أنهم قادرون على إستيعابها فالوظيفة والمنصب أولى وأهم !!! والحياة ليس فيها سعة لهذه الهموم والقلق الغير مجدي (في نظرهم طبعاً).
انتهت القضية بحل المنظمة المسؤولة عن المستشفى ومعاقبة المتسببين بالكارثة، وفتح تحقيق يشمل جميع المستشفيات البريطانية لتفادي وقوع كوارث أخرى. كلام جميل .... طيب وحنا؟
حنا ما بعد بدينا يا الحبيب وهو يحذر من إتباع نفس الاسلوب في مستشفياتنا حسب رؤية ٢٠٣٠ !! المشكلة أخي العزيز الاخطاء تحصل في كل مكان حول العالم ويتم اكتشافها عبر منظمات متخصصة أو ممثلين الشعب ومن ثم يتم معالجتها !!! بينما لدينا يتم التكتم على هذه المواضيع ومضايقة أو فصل أي موظف يكتشف الخلل وخصوصاً من أصحاب القص واللزق الذين يرون أنهم هم الاصح حتى ولو أنهم لم يقرأوا أو يفهموا أساس هذا التطبيق وكيفية تصحيح الخطأ لأنهم أصلاً وضعوا بالخطأ في هذه المناصب عن طريق الواسطة !!!
فشل التطبيق أخي الكريم وعدم الاستخدام الأمثل للمعايير والمحددات لا يعني عدم الأخذ بالنظريات العلمية ومؤشرات القياس وضرورة ضبط الأداء يجب أن يكون هنالك حوكمة شديدة لتلك المؤشرات ومتابعة الأداء بشكل دائم ومستمر وتصحيح الانحرافات واخذ الانطباعات والا يترك الأمر لمجرد وضع النتائج الوهمية لتحقيق اّلأهداف حفظ الله وطننا العزيز من كل متربص ومن كل متساهل ومتهاون في حب وطنه