ما الذي يحدث لليرة التركية؟

08/01/2017 3
خالد أبو شادي

استقبلت الليرة التركية العام الجديد بمزيد من التراجع نحو مستويات قياسية لم تشهدها من قبل مع تواصل التطور المتسارع للتداعيات الجيوسياسة بالمنطقة، بعد تراجع أفقدها قرابة 17.5% عام 2016 لتكون بين أعلى العملات هبوطا.

وهو ما انعكس سلباً على بيانات التضخم ارتفع إلى 8.5% العام الماضي، بينما كانت توقعات البنك المركزي ألا يتجاوز 7.5%، فمن يتحمل تلك الفاتورة؟ بالطبع الليرة ترجمتها يوم الثالث من يناير/كانون الثاني وهبطت إلى3.60 أمام الدولار، وتجاوزته لاحقا لمستويات أقل.

الرسالة كانت واضحة بعد تفجير الملهى الليلي في اسطنبول والواقع على خليج البوسفور مع استقبال العام الجديد، والذي يفصل أوروبا عن آسيا والتقى فيه سكان محليون مع أجانب، فكما كانت هناك تفجيرات في 2016، فمن الواضح أنها ستتواصل مع العام الجديد.

وبغض النظر عن الصراع القائم منذ زمن مع الأكراد وحزب العمال الكردستاني تحديدا، فإن تطور الوضع بتدخل تركيا في سوريا والعراق أضاف بعدا جديدا على تعقيد المشهد قبل انتهاء 2016 جنبا إلى جنب مع حضور "داعش" في المواجهة أيضا.

هذا "المستتنقع" في سوريا والعراق الذي دخلته تركيا تحت مبرر "اردوغاني" بحماية البلاد من التداعيات والتطورات الحاصلة في البلدين من باب السياسة ثم التحرك العسكري تجني البلاد نتائجه ومن ثم الاقتصاد.

وهنا التشابك الذي يبقى من الصعب فصل نتائجه بين السياسة والاقتصاد، حيث تبقى زعزعة تركيا كبلد اسلامي واضعاف اقتصادها مكسباً مربحاً لايران الفارسية الشيعية والكيان الصهيوني رغم علاقاته مع تركيا ذاتها.

ورغم أهمية هذا المثلث "تركيا-ايران-الكيان الصهيوني" في معادلة الشرق الأوسط، فإن اضعاف الضلع الأول لصالح توجهات الاثنين الآخرين رغم اختلافهما الظاهري حيناً واتفاقهما حيناً.

"اردوغان" بحد ذاته يمثل ظاهرة تستدعي الدراسة وبان أقوى من اقتصاد بلاده، فالرجل تمكن ليس فقط من الفوز في كل الانتخابات منذ عام 2002، بل والأهم فقد أثبت بسياسته على التوازي تحقيق نتائج ملموسة على الأرض تمثلت في مضاعفة النتائج الإجمالي المحلي للبلاد خلال تلك الفترة من 231 مليار دولار إلى أكثر من 717 مليار دولار عام 2015.

وبحسب بيانات البنك الدولي فقد حل الاقتصاد التركي في المرتبة الثامنة عشرة في العام قبل الماضي بين أكبر اقتصادات العالم بعد هولندا، وقبل سويسرا في المرتبة التاسعة عشرة والسعودية في المرتبة العشرين عند 646 مليار دولار.

وما يؤكد شعبيته، الدعم الكبير للوقوف ضد محاولة الانقلاب في منتصف يوليو/تموز الماضي، لكن يبرز هنا تساؤل هام، حال "احتمال" نجاح الاطاحة بالرجل أو تصفيته، هل هناك من يحمل الراية ويكمل المسيرة؟ لم يبرز حتى الآن-على الساحة- "خليفة" قوي يقوم بهذا الدور للقوة المفرطة التي يتمتع بها ويجمعها هو بنفسه، لكن حزبه بحاجة لهذا الرجل "الخلفية" لمواصلة مسيرة النجاح التي ضربتها رياح الخريف العاتية التي تجتاح المنطقة.

الليرة التركية لديها اقتصادا قويا، لكن هبوطها يترجم وضعا على الأرض يؤثر على هذا الاقتصاد يتمثل في انفجارات عدة شهدها عام 2016، واستقبلها عام 2017 في أول لياليه، وتداعياته السلبية على قطاع السياحة، بجانب الانعكاسبات السلبية للتدخل في سوريا والعراق.

وسبق ذلك مقتل السفير الروسي، وهي دلالة أخرى واضحة، خصوصا بعدما تابع العالم فيديو اطلاق الرصاص عليه، وهتافات "الشرطي" الذي قام بذلك، لتعود مجددا حملات "تطهير" الشرطة، والجيش والقضاء من شخصيات تحمل فكر "فتح الله جولن"، بجانب مد حالة الطواريء 3 أشهر أخرى.

فإن يجد الشخص نفسه بلا وظيفة بشكل فجائي، دون حتى تحقيق أو محاكمة، سيرفع احتمال "تطرفه" فكريا، ومن ثم معاداة مجتمعه.

ويمكن اضافة "إحتمالية" تحرك رؤوس الأموال من الأسواق الناشئة باتجاه أمريكا مع رفع الفائدة وتوجهات "ترامب" لإنفاق ضخم على البنية التحتية وبالطبع سيرفع التضخم، ومن ثم الفائدة مجددا.

وبغض النظر عن التشابك السياسي، فإن للخليج مصالح واستثمارات داخل تركيا، حيث بلغت الاستثمارات السعودية على سبيل المثال على بداية العام الماضي 11 مليار دولار من خلال شركات تعمل في مجال الاتصالات والعقارات والطاقة.

وتوجد أرقام كثيرة عن عام 2015 لكن ذكرها لن يكون مفيدا، لعدم توافر نظيرتها في 2016 بعد خصوصا وأنها شهدت كثيرا من التطورات السياسية وانعكاسها على الاقتصاد، لذا علينا الانتظار قليلا حتى لا يكون "الكلام عاطفيا" أكثر منه عمليا.

وتبقى الاشارة في كل الأحوال إلى قوة الاقتصاد التركي لكنه يقترب من نقطة "مفترق الطرق"، حيث أن التراجع الذي تترجمه الليرة حاليا يظهر خللاً يجب السيطرة عليه، هذا الخلل لن تحله نداءات للمواطنين ببيع العملات الأجنبية وشراء العملة المحلية، كما دعى "اردوغان" لذلك في يسمبر/كانون الأول فتأثير ذلك وقتياً وليس ممتدا، وهو ما حدث بالفعل مع الهبوط القياسي للعملة مؤخرا.

تعقيد المشهد التركي يستدعي "اصطفاف" السياسة وتطويعها لدعم استمرار نجاح الاقتصاد الذي يعد تجربة مميزة، لكن هذا لا يلوح في الأفق القريب مع الأوضاع الجيوسياسية المضطربة، مما قد يعني مزيدا من هبوط الليرة.

ويبقى البنك المركزي بين مطرقة التضخم المرتفع التي تدفعه لرفع الفائدة ودعم العملة، وسندان دعم الاقتصاد ذاته وترك الفائدة دون تغيير إن لم نقل خفضها، هذا تزامنا مع تربص وكالات التصنيف لخفض الجدارة الإئتمانية للبلاد ومن ثم إضافة مزيدا من الضغوط على الاقتصاد.

خاص_الفابيتا