ميزانية الدولة والشاي الأخضر

03/01/2017 0
عائذ بن ابراهيم المبارك

ليس من المبالغة القول، بأن موضوع الحفاظ على الصحة وتخفيف الوزن ربما يكون على رأس قائمة المواضيع التي نتحدث فيها بعد ولائم المناسبات الاجتماعية. إذ تبدأ المناسبة بتداول الأحاديث العامة، تناول الطعام، ثم الشاي الأخضر !

فقرة الشاي الأخضر هي محاولة للسيطرة على تبعات فعالية الطعام. إذ تكون الأحاديث على نحو "أبدا ً، الأكل الطبيعي ما يضرك" ، أو "تمشي لك 10 دقايق كل يوم، وزنك يروح"، أو "يجيك اللحين الشاي الأخضر !"

وقد يصاب المرء بمتلازمة الشاي الأخضر في المنزل أو في الدعوات الاجتماعية. ففي المنزل، يعمل الشاي الأخضر على تخفيف تأنيب الضمير الناتج من معرفة مضار السمنة، وسياسة عدم ضبط النفس أمام الطعام. أما في الدعوات، فالشاي الأخضر يساعد الكريم على تخطي الأزمة التي يقع فيها. ففي حين يعلم نتائج السمنة، فإنه يريد إكرام ضيفه.

فقرة الشاي الأخضر هي ظاهرة هروب جماعي من الواقع لدوافع نبيلة او شخصية. فكل من يلجأ إليه، يعلم أن الحل ليس في الشاي، بل في الرياضة والسيطرة على نوعية وكمية الطعام. ولذلك، فإن خطورة الشاي الأخضر تكمن في الرضا المؤقت الذي يمنحنا إياه والذي يؤخر التحرك نحو الحلول الواقعية.

لا تخفى على المتابع ضخامة عجوزات الدولة في العاميين الماضيين. إذ بلغ العجز "النقدي"  366 مليار ريال في عام 2015م، و 402 مليار ريال في عام 2016م. وكما هي الدهون، فإن تبعات تراكم العجز لا تبدأ في الظهور إلا بمرور الزمن، مما قد يقود الدولة إلى نفق مظلم إذا ما استمر العجز بذات النسق.

حل العجز لا يقل وضوحا ً. فعندما تصرف أكثر من دخلك، ليس أمامك إلا خفض إنفاقك أو زيادة إيراداتك. بلا شك، فإن زيادة الدخل يعتبر الحل الأمثل إلا أنه يحتاج إلى مدى زمني طويل حتى تتمكن من إيجاد عمل إضافي أو استثمار مدخراتك بشكل جيد. ولذلك، فإنه ليس من الحكمة، أن تستمر على وتيرة الإنفاق عبر الاستدانة والسحب من المدخرات على أمل أن تمطر السماء ذهبا. هذه السياسة غير قابلة للاستمرار كما أنها تُضعف من القدرة على توليد إيرادات جديدة بسبب انها تقود إلى تبخر المدخرات وإضعاف القدرة على الإقتراض.

ولذلك، ركزت الحكومة على كبح النفقات وازالة الدعم، بأقصى سرعة ممكنة وقابلة للتمرير. إلا أن هناك أصوات معارضة. إذ يرى البعض، أنه من الأنسب الاستمرار على وتيرة الإنفاق وذلك لدفع عجلة الاقتصاد والمحافظة على المستوى المعيشي للمواطنين وحياة بعض المنشآت الاقتصادية. وهذا الرأي – في ظني – قريب من فكرة الشاي الأخضر: رضى مؤقت حتى الاصطدام بالواقع.

يستند أصحاب هذا الرأي، على أفكار كينز الاقتصادية، والتي تشير إلى أن زيادة الإنفاق حتى بالاقتراض هي العلاج الأمثل عند انخفاض معدلات النمو الاقتصادي. ذلك بسبب أن زيادة الإنفاق تدفع الاقتصاد إلى النمو وبالتالي زيادة إيرادات الدولة. والذي يُغفله من يقدم هذا الرأي لسياقنا المحلي، أن هذا النموذج قابل للتطبيق في الدول ذات الضريبة المرتفعة. ففكرة كينز قائمة على أن النمو الاقتصادي يوسَع القاعدة الضريبية، والذي سيصب في خزينة الدولة عبر الضرائب، مما يمكنها من سداد الديون لاحقا ً.

كما أن هذا الرأي يُغفل منحى آخر، حيث موَّلت وزارة المالية ما يقارب 37% من مصاريف عام 2015م عبر الاقتراض والسحب من الاحتياطيات، وحوالي 43% من مصاريف 2016م النقدية. مما يعني أن الوزارة ليس لديها فسحة جيدة للتوسع في الإنفاق، وأنه ليس أمامها سوى التقشف – على المدى القريب على الأقل.

وأستدرك بالقول، أن هذا الرأي، يمكن أن يكون صوابا إذا ما وجّهت الدولة الإنفاق نحو الإستثمار المحلي المدر لتحقق هدفيّ تعزيز الإيرادات وتنشيط الدورة الاقتصادية. وليتحقق ذلك، تحتاج الحكومة إلى الوقت، بالإضافة الى المحافظة على مستوى جيد من الإحتياطيات والقدرة على الإقتراض حتى تتمكن من ضخ هذه الإستثمارات متى ما توفرت الفرصة المناسبة.

ختاما ً، إن الدور المناط بمن لهم تأثير على الرأي العام هو إيضاح ضرورة السياسة التقشفية، إلا أن يروا بديلا ٌ واقعيا ً.

أما الإضافة الحقيقية لصانع القرار، فهي نقاش السياسة التقشفية من حيث الآليات والأولويات وسرعة التطبيق. فبالرغم من القناعة بأهمية السياسات التقشفية، إلا أنها قابلة للخطأ والنقد. وذلك على نحو "ربما تكون محاربة الفساد أداة قوية ليس فقط لضبط الموازنة، بل أيضا لقبول السياسات التقشفية"

خاص_الفابيتا