المواطن لا المقيم هو من سيدفع التكلفة

25/12/2016 7
خالد أبو شادي

تستهدف السعودية من خلال الرؤية الجديدة الوصول لميزانية متوازنة عام 2020 ولتحقيق ذلك لابد من النظر في زيادة الايرادات بعيدا عن النفط الذي تمثل صادراته مصدر الدخل الأساسي للدولة.

ونوه برنامج تحقيق التوازن المالي للسعودية إلى فرض رسوم على الأفراد المرافقين للوافدين للعمل اعتبارا من يوليو/تموز 2017 مع رفعها تدريجيا في 2018 و2019 وكذلك 2020، في خطوة يُتوقع أن تشجع الشركات للإتجاه لتوظيف المواطنين بدلا من الوافدين الذين ترتفع وسترتفع تكلفة تواجدهم بالمملكة.

ووفقا لبيانات الهيئة العامة للإحصاء فإن عدد غير السعوديين بالمملكة ناهز 11.7 مليون مقابل 20.1 مليون مواطن سعودي حتى النصف الأول من عام 2016، أى أن نسبة غير السعوديين تزيد عن الثلث من إجمالي عدد السكان البالغ 31.74 مليون نسمة.

وخلال الأشهر السبعة الأولى من العام الحالي قام هؤلاء الأجانب بتحويل قرابة 90 مليار ريال بالمقارنة مع 94 مليار ريال لنفس الفترة عام 2015 والذي بلغت التحويلات الكلية للأجانب خلاله مستوى قياسيا ناهز 157 مليار ريال تقريبا.

ومع رفع المقابل المادي الذي تدفعه شركات القطاع الخاص عن كل عامل وافد يزيد عن عدد السعوديين العاملين لديها"200 ريال حاليا" سترتفع الرسوم التي تحصل عليها الدولة، ومن ثم ترتفع ايراداتها غير النفطية، وهو اتجاه جيد للاقتصاد ولكن!

معظم دول العالم المتقدم تعتمد الحكومة في ايراداتها على الرسوم والضرائب (شمل برنامج تحقيق التوازن المالي مقارنة بين السعودية ودول مجموعة العشرين التي تشمل كبريات اقتصادات العالم من حيث نسبة الايرادات).

وأظهرت المقارنة أن نسبة ايرادات الحكومة "غير النفطية" من المصروفات للسعودية لا تمثل سوى 17% فقط بالمقارنة مع 90% لروسيا التي تعتمد بشكل أساسي على النفط الغاز في ايراداتها، و85% للمكسيك، و97% لتركيا، و90% للولايات المتحدة.

ربما تكون المقارنة غير واقعية بعض الشيء لأن كل اقتصادات الدول المتقدمة لديها مرونة عالية وبنية متنوعة خصوصا للقطاعين الصناعي والخدمي، حيث يستحوذ الأخير على نسبة الكبرى في غالبية هذه الاقتصادات المتقدمة على خلاف غيرها الناشئة أو الضعيفة.

ويعد هذا السر في قدرة هذه الاقتصادات للتكيف مع الصدمات التي تتعرض لها سواء محليا أو خارجيا، فالتنوع الحقيقي يضمن أقدام راسخة للاقتصاد.

ولأن اقتصاد السعودية يعتمد أساسا حتى الآن وبنسبة كبيرة على سلعة واحدة، فإن رفع الضرائب لا يناسبه رغم اختلاف هيكلية تطبيق ضريبة القيمة المضافة المزمع تطبيقها في 2018 على سبيل المثال عند مقارنتها بالدول الأخرى.

صحيح أن الدولة سترفع ايراداتها غير النفطية من زيادة الرسوم على الوافدين الذين يناهز عددهم تسعة ملايين موظف وعامل.

لكن الإشكالية تتمثل في تمرير زيادة الرسوم سواء القديمة أو التي تستجد على الخدمات المقدمة للمواطنين من قبل القطاع الخاص ومن ثم المواطن في النهاية، والذي عليه دفع تكلفة ذلك.

هذا التوجه نحو الرفع التصاعدي للرسوم المقررة والذي سيضغط على الشركات للتخلي عن الوافدين، كان من المفترض أن يتوازى معه تقديم حوافز واقعية لتشجيع توظيف السعوديين، والأهم تغيير "ثقافة المجتمع" لأن معظم الوظائف المتوقع تضررها بشكل سريع يأنف المواطنين العمل بها.

وحتى بفرض سير عملية توظيف سعوديين بسلاسة دون فجوات أو خلل، فإن التكلفة سترتفع لطلبهم رواتب أعلى ومن ثم سترتفع تكلفة الخدمة المقدمة في النهاية، وهذا "ألم" يجب على الجميع تحمله مع تعديل المسار الذي تستهدفه المملكة في هذه المرحلة.

وفي رأيي فإنه يجب اعادة النظر في "تساوي" فرض الرسوم على الوافدين دون النظر لسلم الرواتب، فالمنطقي أن تكون الرسوم تصاعدية مع الشرائح المختلفة، فمن غير المنطقي أن يتساوي صاحب راتب 2,000 ريال مع 20,000 ريال مثلا في دفع نفس القيمة التي يجب أن تكون أقل للأول وأعلى للثاني.

هذا سيكون أكثر نفعاً للإيرادات الحكومية من الرسوم والضرائب، والذي يجب أن يتوازي معه الضرب بيد من حديد على المتلاعبين في العقود ومواجهة "الفساد" ليس فقط في هذه الجزئية بكل في كافة الجزئيات الادارية للدولة.

حيث أن محاربة الفساد ووقف الهدر تمثل رافدا قوياً لتوفير النفقات للحكومة دون تكبد تدبير مخصصات جديدة، هذا فضلا عن رفع كفاءة التشغيل أيضا.

وهناك خيار آخر يتمثل في فرض رسوم على التحويلات للخارج، مع تقديم حوافز للوافدين الذين يستثمرون مدخراتهم في مشروعات محلية بالمملكة.

وتبقى الاشارة إلى أن فترات التحول وتعديل المسار يصاحبها "ألم" لا مفر منه كما أشرت وعلى الجميع تحمل مسؤولياته وتضمين المصلحة الخاصة ضمن اطار المصلحة العامة ليتحقق الرخاء لهذا البلد الأمين.

كما أن عملية المراجعة والتنقيح للقرارات الصادرة ضرورية بالتوازي كي يشعر بأثرها الايجابي المواطن البسيط الذي سيتحمل جانبا لا يستهان به من "ألم" تعديل المسار.

خاص_الفابيتا