في ظل الأزمات الجيوسياسية تأخذ المسائل الاقتصادية مهما كانت ملحة دورا ثانويا في الطرح العام لأن الأخطار المحدقة واضحه للعيان، لكن هذا لا يعني أن عدم الاهتمام الإعلامي والفكري أبعد الأخطار لكن بالعكس لأن تراكماتها مزعجة وأخطارها زادت مع الوقت خاصة أن أحد مسببات الأزمات الجيوسياسية التنافس الاقتصادي والتزاحم المالي. في هذا الصدد لفت نظري فصل من تقرير واسع لصندوق النقد الدولي عن الديون العامة عالميا، عنوانه "putting a lid on public debt" - وضع حد (غطاء) على الدين العام، يتناول الفصل القلق المتزايد بشأن الديون الوطنية وآثارها على الاقتصاد والمجتمع. يبدأ الفصل بإبراز كيف بلغت الديون العامة مستويات غير مسبوقة في عديد من الدول، ما أثار القلق بين الاقتصاديين وصانعي السياسات. يذكر التقرير بأنه في حين أن بعض مستويات الديون يمكن أن تكون ضرورية لتمويل إنفاق العام للحكومات، خاصةً خلال الأزمات مثل الركود أو الأوبئة، فإن تراكم الديون بلا ضوابط يشكل أخطارا كبيرة.
ربما أهم فكرة يناقشها الفصل العلاقة بين الأخطار والدين من خلال ما يسمى - إطار المخاطرة في الدين - debt at risk، ربما على نمط الأخطار في النمو و القيمة في الأخطار كمحاولات لرصد العلاقة على سلم تقيمي و محاولة ترجمة العلاقة إلى معادلة رياضية بناء على توزيع الأخطار و الديون بأنواعها و أغراضها و توزيعها من خلال تجارب دول كثيرة. محاولة أيضا لتوسيع دائرة التحليل بأوسع من الأدوات المعتادة مثل العلاقة بين نسبة الفائدة و النمو الاقتصادي، و التوازن الأساسي في المالية العامة للدولة، و حالة الإجهاد في المنظومة المالية و الاقتصادية. كذلك يحاول تقدير التأثير الخطي و خاصة غير الخطي على الاقتصاد من ارتفاع الدين لأن المشاكل عادة تبدأ في نواحي و زوايا معينة في الاقتصاد. المعيار في أغلبه مستقبلي فمثلا تشير الدراسة إلى أن مستوى الدين للكل القومي الإجمالي GDP ستصل 134% من GDP للدول المتقدمة و 88% للدول النامية.
يطرح التحليل أيضا ظاهرة "الدين غير المحدد" الذي يصل تاريخيا في المتوسط الى 1-1.5% من GDP في الدول النامية مصدره عادة من حالة إجهاد مالي يقود إلى إنفاق إعلى من المرصود للميزانيات وضمانات غير معلنة و تمويل تغيرات مؤسساتية طارئة و تسديد التزامات متأخرة. الإشكالية أن هذا متوسط لذلك أحيانا يكون حجمة مؤثرا، أحد أوجه إشكالية هذا النوع من الدين أنه يشوه الحلول التي مصدرها لابد أن يكون في المالية العامة. هنا التركيز أكثر على الدول النامية حيث مصادر الدين عادة 3 إما الفجوة بين الموارد و الاستهلاك أو رفع الاستثمارات أو عدم الكفاءة في إدارة الموارد. تجتمع هذه المصادر في إدارة المالية العامة. هذا يقود لتوصية البحث للحكومات من خلال 3 خطوات. الأولى مدى حجم الهيكلة المالية بغرض السيطرة على استقرار الدين بما يتماشى مع سعة الاقتصاد وأهدافه، و الثانية محاولة تفادي التأثيرات السلبية في الإنتاج والمساوات في المجتمع. والثالثة، السيطرة و تقليل الدين غير المحدد لتقليل الأخطار المفاجئة و رفع درجة الحوكمة في المالية العامة.
يطرح البحث نموذج للسيطرة على الدين، فمثلا يذكر أن تعديل مالي تراكمي 1% من GDP في المالية العامة على مدى 5 سنوات ينتج عنه 60% احتمال السيطرة على استقرار الدين أو انخفاضه بعد 5 سنوات. في الأخير هذا النموذج أو غيره يخضع لعدة عناصر تعتمد على ظروف موضوعيه عدة و عزيمة الإدارة و الحوكمة الفاعلة و القدرة الاستيعابية على النمو. تحليل و طرح تحتاجة كل الدول بدرجات ضغط مختلفه لا يفرق بينها إلا سلم الزمن.
ينتهي الفصل بالتذكير بأخطار تنامي الدين العام المعروفة التي لا تحتاج إعادة ذكر و لذلك تاتي التوصية بالعمل آنيا على تعديل مالي بحجم يهدف إلى السيطرة على الدين في جدول زمني معقول يستطيع المحافظة على الجسم الاقتصادي و التوازن الضروري لتفادي التوترات بين الاحتياجات الضرورية و الصحة المالية. عمليا لابد من الشفافية في الإنفاق العام و وعي الفعاليات الاقتصادية ومناقشة سياسات مالية واقتصادية موضوعيا وعقلانيا.
نقلا عن الاقتصادية
التوازن جميل في كل شيء والله اعلى واعلم...
اشكرك صحيح، و لكن في الاقتصاد هناك اكثر من "توازن" الفرق بينهم في درجة الفعالية. لذلك على المختص ايجاد اعلى توازن ممكن.
البحث في سلسلة الاقراض مهم اذ ليس كل الدول تخسر كليا في عملية الاقراض (الدول الصناعية). بنهاية العام 23 بلغ مستوى الدين العالمي 97 ت/د والناتج المحلي الاجمالي العالمي 105 ت/د. الدول الصناعية المقرضة الرئيسية يعود الى اقتصادها جزء كبير من تلك القروض من خلال مايملكه القطاع الخاص من القدرات (الهندسية والانشائية و التقنية و الخدمات الاستشارية بانواعها وقطع الغيار). مؤشر احتساب الدين السيادي الى الناتج المحلي الاجمالي يساعد في زيادة الاقتراض بسبب ان الناتج المحلي الاجمالي في اغلب الدول يمثله القطاع الخاص وليس الجزء المتعلق بالسيادي (الجزء السيادي 20-30 % في الاغلب).