العنصرية والمفارقة «3»

27/07/2021 0
فواز حمد الفواز

حرص كثير للتركيز مسبقا على العنصرية وبعض ملامحها والاعتماد في الحكم على النتائج دون التدقيق في المعطيات والتوجهات من طبيعة البشر لثلاثة أسباب: الأول: أن العواطف أقرب من العقل في قبول النتائج لأغلب الناس، والثاني: عدم قبول أن هناك أنواعا من العنصرية بعضها بسبب ميل البشر للمألوف وما يشابههم، والثالث: عدم تقدير المتغيرات والتوجهات وإن كانت بطيئة أحيانا. تجربة السود واليهود وغيرهم في أمريكا مع العنصرية مختلفة وانتهت بنتائج مختلفة لأسباب مختلفة وغير متوقعة أحيانا. مصادر نشأة وتطور المعتقدات العنصرية تتفاعل مع رياح التغيير باختلاف الطبيعة والمألوف والتنظيمات والسياسة والاقتصاد تتداخل باستمرار لحلحلة العنصرية والمفارقات بدرجات غير رتيبة.

تجربة السود مع الإسكان في هارلم أحد أحياء نيويورك وسان فرانسيسكو مختلفة لأسباب اقتصادية في الأساس. هجرة السود نحو هارلم خفض الإيجارات ما جعل المستثمرين يقلصون استثماراتهم وبالتالي انخفض مستوى الحي وانخفضت الضرائب وبالتالي جودة المكان وهجرة البيض منه، بينما ارتفاع الأسعار والإيجارات في سان فرانسيسكو قلص السود في المدينة ومدن أخرى في كاليفورنيا. لذلك لم تكن العنصرية البغيضة سببا في التغير السكاني بل الأسباب الاقتصادية. زاوية أخرى سكانية تظهر في الهجرة، فمثلا المهاجرون اليابانيون للبرازيل من مناطق مختلفة من اليابان تركزوا مع بعض واستمروا في التزاوج، وكذلك الألمان في أمريكا والمهاجرون اللبنانيون في إفريقيا، لذلك تستمر النماذج والعادات بعيدا عن ضغوط المجتمعات الأصلية. الهجرات الداخلية والخارجية تجد نماذج جديدة غالبا نحو ارتقاء السلم الاجتماعي الاقتصادي وإعادة فرز يناسب المرحلة والفرص والتكيف.

حرية الهجرة والحركة داخليا أو خارجيا والعوامل الاقتصادية تفرز الناس رغم أي عنصرية، فمثلا كانت هناك عنصرية ممنهجة أحيانا قانونيا في الولايات الجنوبية في أمريكا التي لم تكن موجودة في الولايات الشمالية رغم وجود العنصرية واقعيا ما جعل المدارس في الشمال أقل تفريقا، لكن مع تزايد هجرة السود شمالا ازدادت ظاهرة التفريق في المدارس حتى صدرت قوانين ضد التفريق، ما ينطبق على التعليم يحدث في الإسكان والتوظيف بدرجات مختلفة. خلط العنصرية بدرجاتها المختلفة والفروق في النتائج وعدم التركيز على عوامل وتوجهات الفرز يقود غالبا إلى إصدار أحكام وتنظيمات تقود غالبا إلى حلول مكلفة وخاطئة، لأنها مبنية على افتراضات وقراءات غير دقيقة. يذكر الكاتب أن الإشكالية في الطرح العام حول العنصرية والمفارقات تأتي غالبا بسبب سوء توظيف الإعلام والسياسيين للإحصاءات.

ويقول مارك توين: هناك ثلاثة أنواع من الكذب، هناك كذب وهناك كذب بغيض وهناك إحصائيات. فمثلا حسابات الدخل أحيانا لا تفرق بين الدخل والثروة، فاختلاف بسيط في الدخل والتوفير يقود إلى اختلاف في الثروة والدخل لاحقا، وهذا بدوره أحد أوجه العادات والسلوك والخلفية المجتمعية والفردية، كما أن الفروق في الدخل في فترة زمنية أخرى لا يعني أن الحياة المادية والرفاهية لم ترتق للأغلبية، خاصة لمن هم في أدنى سلم الدخل. يحذر الكاتب من مغبة تصديق كل ما يقول الإعلام والسياسيون الذين يسعون للمساواة لأنها غير ممكنة عمليا، لكن أيضا السعي لها يعوق المجتمع عن السعي لرفع الفاعلية، وبالتالي يعوق قدرة المجتمع عن تكبير القرص كي يستفيد أكبر عدد ممكن ويستمر الحراك المجتمعي لارتقاء السلم واستمرار عملية الفرز الطبيعية. في الأسبوع المقبل نناقش خاتمة الكتاب.

 

نقلا عن الاقتصادية