هل لديك تصور عام ؟

30/10/2016 4
فواز حمد الفواز

اتسمت التجربه الماضيه بعدة صفات منها ان الكثير من الافراد استطاعوا تحقيق ثروات نظرا لما وصل المملكه من اموال ولكن "الحكومه" لن تنتهي بمستوى ثروه مماثل او بمستوى دخل مستقر بما يتضمن ذلك من فقر مؤسساتي.

التصور الجديد يطمح لاعاده تكوين وتركيز وتوزيع الثروه و أسس ومصادر الدخل. تعلم كليات ادارة الاعمال ان " الرؤية " تعبير قصير عن الطموح والرغبة في الوصول الى مستوى معين ماديا ومعنويا في افق مستقبلي منظور- كيف ترى نفسك في المستقبل، بينما الرسالة تعبيرعن اسلوب الوصول الى ذلك المستقبل، وأخيرا الاستراتيجية او خطة العمل كخطوات عملية للوصول الى تحقيق "الرؤية". هذا الإطار العام يوظف للشركات في الاساس لان علم الادارة الحديث ولد في امريكا حيث دور الشركات والاعمال الخاصة في امريكا كان ملازما لتكوين الدولة.

تدريجيا وبمساعدة الاكادميين والشركات الاستشاريه امتد هذا الإطار الي الشركات الغير ربحية والمؤسسات العامه والحكومات.

كثيرا ما كتبت عن عدة نواحي عن التحديات التنموية و الاقتصادية التي تواجه المملكه و حتى بعض الجوانب الثقافية وتجارب بعض الدول في المنطقة ولذلك تبادر الى ذهني " تجميع " الخلاصة تحت هذا الإطار ليكون محاوله فكرية بسيطة لمواضيع معقدة. الهدف ان نرسم معالم طريق جديد. لعل هذا الإطار يرشدنا الى انسب النماذج في محاولة تلمس الطريق الأمثل بما يتماشى مع  طموحنا وإمكانياتنا.

الدول ليست مؤسسات ربحية و لكنها أيضا لا تقوم لها قائمة دون اقتصاد قادر على العطاء و التجدد و الكسب ولايمكن ان تستمر دون اداء مقارن مقبول لان المنافسة جزء من طبيعة البشر فرديا وجماعيا. و أخيرا العمل من سنه الحياة وطبيعة التطور الإنساني والمسؤولية الأخلاقية في البحث عن الافضل والمساهمة في التطور الحضاري.

كما ان الإطار لابد ان يكون عام وشامل ومرن لكي يكون مناسب لاغلب الظروف ومفهوم للاغلبية الواضحة ولكنه في الاخيرلابد ان يتضمن امكانية المنال معنويا والتحقيق عمليا من ناحية وحالة من الإجماع قابلة للحشد والتجييش ماديا وعاطفيا لان الطريق طويل ومتعرج ومتجدد التحديات والصعوبات. يتجسد التصور من

خلال هذا الاطار الثلاثي كالتالي:

الرؤية: ان تصبح المملكه من اكثر 20 دولة تقدم اقتصاديا وتنمويا  في العالم في 2040. 

الرسالة: ان يتمكن المواطن السعودي فرديا وجامعيا من ان يكون مساهما فاعلا في تكوين القيمة المضافة معنويا وماديا بالوسائل العلمية والاقتصادية.

التشديد على الفردي والجمعي والقيمة المضافة والنواحي العلمية والاقتصادية والتنمويه سوف ينقلنا الى الأصعب: الاستراتيجيات والخطط والتي بطبعها سوف تواجه أفكار مسبقة لدى البعض و مصالح عند بعض اخر وتحجر فكري عند بعض اخر واخيرا محدودية الأجهزة والكوادر وطبيعة التجارب وانسجام النخب المعاصرة.

من سخرية الأقدار ان الكثير من هذه الخطط ليس جديد بل ان الحكومه أخذت بالبعض منها جزئيا احيانا وفي مراحل مختلفة احيانا اخرى ولكن دون جهد منظم طويل الاجل. هناك حاله من الارهاق والشك في دور التخطيط وخاصه في الثلاث عقود الماضيه. لذلك هناك حاجه للموازنه بين التبسيط والنفاذ.

تاريخ وتكوين المملكه مرتبط بالتكوين السياسي والإيدولوجي المعروف وهذا حجر الزاوية للدولة وأتى نظام الحكم ليؤسس لهذه المرجعية وقبولها المجتمعي، الشق الثاني هو ارتباط تكوين الدولة الحديثة بتوظيف الثروة النفطية، ليس هناك خلاف حول هذه الأقطاب، ميدان  العمل الحقيقي هو ما بينهما. استراتيجية الدولة لابد ان تكون ذات شقين  فكري/ معنوي ومادي.

عمليا لابد للاستراتيجية من عدة عناصر يكون بينهم درجة من التفاعل والتنسيق والتزامن ليكون المفعول لة اهمية حجما وتوجها ويتضمن درجة من القياس مقبوله مجتمعيا نحو " الرؤية "  والربط مع " الرساله".

عناصرالاستراتجية في البداية تكون تحت عنوانين قليلة و لكنها غنية بالتفاصيل تدريجيا لكي تتكون أرضية جديدة ونسيجا يربط العناصر بعضها ببعض. الأرضيه الجديدة هي التحول الوطني. أدبيات اقتصاديات التنمية مليئة بالتجارب والنصائح ولكن لن تجد تجربة مثل اخرى ولن تجد ما يشابه تجربة المملكه تاريخيا بما يجعل الاستعارة عمليا محدودة الفائدة  ولكن هذا لن يمنع من الاستفاده من تجارب الاخرين من خلال النصائح او من خلال الاستشارات المدفوعة.

ولكن تجربة المملكه في العشر سنوات الماضيه وحتى الان تقول اننا بالغنا كثيرا في المقارنات السطحيه والندوات والزيارات الغير مفيده والاستشارات المكلفه. تحدث كتاب: لماذا تفشل الامم والذي سبق ان كتبت مراجعه عنه - توصي التجارب المستوحاه من الكتاب بضرورة التوصل الى توافق مصلحي جامع - في الاخير لكل مجتمع حل خاص فيه.

الحل الخاص لن يخرج بين تجربة الصينيين بالعمل المادي المباشر و بناء المؤسسات لاحقا او كما في الدول الاسكدنافيه من بناء المؤسسات و الارتقاء المادي تدريجيا. الواضح ان نموذج الدول الاسكندنافيه يتطلب وقت طويل لا يتماشى مع الدوره النفطيه. المهم قراءة القواعد المعنوية والمادية ومن ثم وضوح الخيارات  لدى النخب. على النخب مسؤولية خاصة في التوصل الى المعادلة الصعبة في الوقت المناسب تاريخيا.

اغلب عناصر الاستراتجية لن تكون غريبة على الكثير ولكن ما يشكلها مدى الاستعداد للتحول من اقتصاد ريعي الى اقتصاد مبني على التمويل من الضرائب. لا نعرف توقيت او زخم هذه النهاية المنطقية لهذا التحول ولكن الحياد عنه يحمل مخاطر اكثر من التمسك به.

سوف أتحدث عن العناصر حسب أهميتها. اول عنصر هو إعطاء السعوديين فرصة حقيقية لإدارة شؤونهم والتعلم منها إذ نتحدث كثيرا عن التوطين وكانه خيار بينما غيرنا يقوم بأغلب الاعمال لدينا بما في ذلك دور الشركات الاستشاريه المبالغ فيه.

الغريب اننا اخترعنا سياسة مكلفة نسميها التوطين. العنصر الثاني مدى استغلال عوائد الثروة الوطنية لتسهيل التحول الوطني (من منظار اقتصادي اخرهي محاولة لتوجيه الاقتصاد من الاستهلاك الى الاستثمار).

العنصر الثالث يتحدد في مدى قدرتنا على الخروج من مأزق النظرة البدائية للتعليم، تقوم النظرة البدائية على ناحيتين الاولى اننا نرى التعليم من ناحية شكلية في الحصول على الشهادة او توظيف التعليم للوظيفة العامه، الناحية الثانية اننا نرى التعليم منفصلا عن دوره كمدخل للعملية الاقتصادية. فيصبح التعليم دون دور فكري نافذ وقاصر الدور اقتصاديا على المستوى الجمعي او كليهما.

المحصلة في الاخير ان النظرة للتعليم لدى الاغلبية انه  وسيلة عملية وليس منهج فكري وبذلك تصبح النظرة للتعليم نفعية فقط، و بالتالي تضيع البوصلة و يضعف التعليم. العنصر الرابع يتمخض في مدى استعداد النخبة ان تكون قدوة وان تأخذ الرؤية و الرسالة وتنفيذ الخطط جديا بما لا يدع شك عند احد  ليس على المستوى العالي فقط و لكن بالنزول الى المدارات المنخفضة لمعرفة ما يدور في المجتمع.

يقال ان تعريف القيادة ان القائد هو ذلك المستعد لاخذ الناس الى "ارض جديدة " ويكون واعي ما يدور ولكنه لا يدخل في التفاصيل. الناحية الخامسة تاتي في مساله القياس والنقد من خلال مؤسسة فكرية على درجه عالية من الاستقلال حيث تنشر الأبحاث و الدراسات عن كل نواحي الحياة بما في ذلك قياس اداء الجهات العامه و الخاصة، القول ان هناك حاجة الى انتقال سياسي خطأ فادح قبل التحول العلمي والاقتصادي الفني خاصة اننا مجتمع لدية مرجعية مؤسساتية استطاعت تحقيق نجاحات متواصلة  و موروث يتضمن عناصر حية وفاعلة للتوظيف.

المخاطره المجتمعيه ان نتلاعب بالموروث وعناصره الاساسيه قبل تحقيق نجاحات اقتصاديه و علميه. يقول الاقتصاديون ان ما لا يقاس لا قيمه له. السادسة تفادي المبالغة في التخطيط ، فمثلا لابد من التعمق في الصناعة البتروكيماوية وخاصة في تلك التي تمس الطاقة والمياه والصناعات العسكرية ولكن تكاثر التوجهات التخطيطية يثقل الطاقات البشرية ويقلل فرص النجاح والمسالة.

الخطوط العريضة للاسترتاتيجيات ترسم معالم الطريق ولكنها لا تكفي عمليا، إذ لابد من الغوص في نواحيها التفصيلية وجزئيتها. كل عنصر يتطلب تحليل على اكثر من مدار بطريقه علمية في توفير المال والعدة ولكنها أيضاً تلامس تصرفات الناس و تسخير جهودهم وإعطائهم الفرصة للمساهمه. 

ميدان النجاح الحقيقي يتمخضع  في مدى القدرة على تغيير تصرفات الناس افراد و جماعيا. وهذا يبدأ بنقاش سريع لهذه الرؤية او الرساله والخطوط العريضة وتلقينها للجميع وجعلها مرجعية لكل ما نقوم به.

لن نعرف الميزات النسبية المستقبلية التي سوف ننتهي بها ولن نعرف تقلبات الحالة النفطية او المالية  ولن نعرف النتائج ولكن ما نعرف هو مدى الحاجة للسيطرة على انفسنا معنويا ومعرفيا وعمليا.

ما قامت  به مكاتب الاستشارات الاجنبية لن يضيع سدى اذا انتهى دورهم مع نهاية العام القادم وسلمت الملفات الى سعوديين، فبعد إرسال عشرات الآلاف من الطلاب الى جامعات العالم وتواصل مئات من السعوديين مع هؤلاء منذ اكثر من عقد حان وقت الحصاد والمسؤولية والمساله.

خاص_الفابيتا