يبدو أن قرار «أوبك» في الجزائر المتعلق بتثبيت إنتاج الدول الأعضاء منح سوق النفط زخماً مكن من رفع الأسعار في صورة معتدلة. وربما يؤدي هذا الزخم، وعوامل أخرى تتعلق بالطلب والعرض، إلى تجاوز خامي «برنت» وغرب تكساس حاجز 50 دولاراً للبرميل في شكل مستدام.
لكن هل استوعبت أسواق النفط تخمة الإمدادات التي أدت إلى التراجع الكبير في الأسعار منذ منتصف عام 2014؟ وهل أصبح الاقتصاد العالمي متحرراً من الأزمات المالية ثم الاقتصادية ليتعزز الطلب على النفط خلال الشهور المقبلة؟ يرى مراقبون أن الطلب أصبح أكثر استقراراً، كما بلغ إنتاج «أوبك» مستويات قياسية لا يمكن تجاوزها، ليس بفعل القرارات لكن نتيجة الإمكانيات التقنية في حقول النفط والقدرات الإنتاجية الاعتيادية.
وثمة من يتوقع أن يتجاوز سعر البرميل 60 دولاراً عام 2018، لكن هذه التوقعات تظل مرهونة بمتغيرات مهمة في جانب العرض وتحسن عافية الاقتصاد العالمي. وما يحد من هذه التوقعات المتفائلة هو استمرار حال الركود في الاقتصاد الأوروبي والقلق على عافية الاقتصاد الصيني واستمرار الركود المزمن في الاقتصاد الياباني على رغم السياسات المالية المحفزة المتخذة في طوكيو.
في جانب العرض انخفض إنتاج الولايات المتحدة بنسبة 12 في المئة عنه عام 2015 إلى 8.5 مليون برميل يومياً. وثمة مؤشرات إلى أن إنتاج النفط الصخري أصبح أكثر تنافسية بحيث يمكن أن لا تزيد كلفة إنتاج البرميل من هذا النفط على 50 دولاراً، ما يعني أن إنتاج النفط الصخري في الولايات المتحدة وغيرها قد يزيد بما يعزز الإمدادات ويضغط على الأسعار.
أما إنتاج «أوبك»، الذي يمثل 37 في المئة من الإنتاج العالمي، فبلغ 33.4 مليون برميل يومياً بعدما زاد إنتاج العراق وإيران خلال الأشهر الماضية. وهناك فرص لزيادة الإنتاج في عدد من بلدان «أوبك» - إيران والعراق وليبيا ونيجيريا وفنزويلا - إذا توافرت استثمارات ملائمة وتحسنت الإمكانات التقنية أو تعززت الأوضاع الأمنية.
وتعاني غالبية بلدان «أوبك»، إن لم يكن كلها، مشاكل في تمويل الإنفاق العام، الجاري والرأسمالي، وهي تأمل في الحصول على إيرادات متزايدة لمواجهة التزاماتها ولذلك ليس مستغرباً أن تعمد هذه البلدان إلى زيادة الإمدادات كلما كان ذلك ممكناً خلال الشهور المقبلة. ولا بد من أن يحد هذا من ارتفاع الأسعار بمعدلات عالية.
في المقابل، يقدر الطلب الفعلي على النفط بـ 95 مليون برميل يومياً في حين يقدر الإنتاج بـ 96 مليوناً. وتظل الولايات المتحدة أهم البلدان المستهلكة للنفط (19.4 مليون برميل يومياً)، وتأتي الصين في المرتبة الثانية (12 مليوناً)، وتليها الهند واليابان (4.2 مليون لكل منهما). وتحتل السعودية (3.9 مليون) الترتيب الخامس. وإذا استمرت الأنماط الاستهلاكية القائمة في البلدان المستهلكة يمكن توقع ارتفاع الطلب على النفط خلال السنوات المقبلة نتيجة لارتفاع أعداد السكان.
هل يمكن أن ترشّد البلدان المستهلكة الاستهلاك في ظل الأزمات الاقتصادية التي تعانيها؟ إلى حد ما، ربما، ما لم تحدث ثورة في تكنولوجيا المواصلات تقلص استهلاك المركبات. وستعمل قدرة عدد من البلدان على تحويل محطات توليد الطاقة الكهربائية من الوقود الأحفوري إلى أنواع أخرى من الوقود، قد تكون صديقة للبيئة، للحد من استهلاك النفط. كل هذه الاحتمالات تظل قائمة ويتعين على مصدري النفط أخذها في الاعتبار.
لا شك في أن المعضلة الأساسية في البلدان المنتجة، خصوصاً بلدان «أوبك»، تكمن في أنها أصبحت تعتمد وفي شكل أساسي، وربما تام، على إيراداتها من تصدير النفط. إذاً فالمنتظر من هذه البلدان أن تحد من مستويات الإنفاق الحكومي وتصلح بنيتها الاقتصادية بما يؤدي إلى خفض نسبة إيرادات النفط في إجمالي حصيلتها من إيرادات التجارة الخارجية. يضاف إلى ذلك أن البلدان المنتجة يجب أن ترشد الاستهلاك المحلي من النفط والذي يصل في عدد منها، مثل السعودية، إلى 30 في المئة من الإنتاج.
لن تكون مرحلة التحول إلى قاعدة اقتصادية متنوعة في البلدان المنتجة سهلة أو سلسة فهي تتطلب معالجات عدة ومعقدة للأنماط الاقتصادية القائمة.
وغني عن البيان أن بلدان الخليج العربي عليها مسؤوليات جسام في الجهود الهادفة إلى استقرار سوق النفط فهي تمثل نسبة مهمة في إنتاج نفط «أوبك». بيد أن هذه البلدان إذا وُفّقت إلى الحد من الإنفاق العام وتحديد نموه السنوي في شكل عقلاني يمكن لها أن ترفع درجة تحكمها في مجريات سوق النفط في الأجلين المنظور والبعيد.
وستظل سوق النفط خاضعة للمتغيرات الاقتصادية لكن تلك المتغيرات يجب أن تكون محكومة في شكل رشيد، وهذا يتطلب قدرة لدى المنتجين على خفض مستويات الإنفاق من دون تعريض معدلات النمو الاقتصادي لأخطار.
نقلا عن الحياة