ماذا يحدث لسوق الأسهم؟

11/10/2016 6
عائذ بن ابراهيم المبارك

منذ بداية 2016م، انخفض مؤشر سوق الأسهم السعودي من مستوى 6900 نقطة إلى ما دون 5500 نقطة بانخفاض يتجاوز 20%. لماذا ؟ إذا كان سعر النفط، العنصر الأهم في دفع عجلة الاقتصاد، لم تنخفض أسعاره خلال هذه الفترة، أي منذ بداية  2016، بل شهدت تحسن ملحوظ. 

أظن أنه يمكننا محاولة البحث عن الإجابة في برنامج التحول الوطني (2020م)، والاضطرابات السياسية المحيطة. 

كيف يتم تسعير الأصول؟

وقبل محاولة البحث عن الإجابة، أذكر القارئ الكريم بأن نظريات تسعير الأصول (Assets Pricing Theories)، تشير إلى أن سعر أصل ما يعتمد على عنصرين رئيسيين:

1)التدفقات النقدية المستقبلية لهذا الأصل (Future Cash Flows)

وهي الأرباح المتوقع تحقيقها بشكل نقدي في المستقبل.

2)مستوى المخاطر المرتبطة بتحقق هذه التدفقات النقدية ((Cash Flows Risks

وهي المخاطر المرتبطة بتحقق التدفقات النقدية، أي مدى تأكدنا من تحققها. وتنقسم إلى  مخاطر السوق ككل (Systematic Risks) ومخاطر الأصل محل التقييم (Unsystematic Risks).

هذه العناصر هي المحدد الرئيسي لسعر الأصل لدى المستثمر الرشيد في السوق الكفؤ، إلا أنها يمكن أن يتأثر سعر الأصل على المدى القصير بالعوامل النفسية للمتعاملين وانخفاض كفاءة السوق. 

برنامج التحول الوطني 2020 م، وقطاعات السوق.

يحتوي برنامج التحول الوطني على مبادرات من شأنها التأثير على التدفقات النقدية للشركات، من ضمنها خفض الرواتب ورفع الدعم عن الطاقة وزيادة الرسوم البلدية. وأحاول سرد بعض الأمثلة على هذا التأثير من خلال النظر إلى بعض القطاعات.

ففي قطاع التجزئة، القدرة الشرائية للمواطن ستقع بين مطرقة خفض الأجور  وسندان الرسوم والضرائب ورفع الدعم. ومما لاشك فيه، أن هذا الانخفاض سينعكس سلبا على مبيعات الكثير من الشركات التي تعتمد على انفاق المستهلك المحلي. وكلما كانت هذه التدفقات تعتمد على الاستهلاك الرفاهي للمواطن، أي على سلع عالية المرونة، فإن حساسيتها تجاه انخفاض القدرة الشرائية ستكون بشكل أكبر. أما فيما يخص تكاليف هذه الشركات التشغيلية، فإنها تواجه الارتفاعات الأخيرة في الرسوم البلدية، وتكاليف الطاقة. بالإضافة إلى احتمالية ارتفاع حدة المنافسة بعد إعلان الحكومة عن عزمها على السماح للشركات الأجنبية بالمنافسة في السوق.

كما تأثرت البنوك من اجراءات خفض المرتبات، فقد ألزمت مؤسسة النقد البنوك المحلية على اعادة جدولة قروض موظفي الدولة، والتعامل مع الخفض الجديد الناتج من تغيير صرف الرواتب إلى التقويم الميلادي. إن من شأن هذه الإجراءات تأخير متحصلات البنوك من قطاع الأفراد، وبالتالي اعاقة قدرتها على اعادة الإقراض للاستفادة من أسعار الفوائد الحالية المرتفعة. كما أن الإصلاحات الهيكلية للاقتصاد، قد تدفع بالشركات التي تعتمد على الدعم الحكومي في توليد أرباحها إلى مواجهة العجز عن سداد القروض في حالة رفع الدعم بشكل كامل. وبالرغم من ارتفاع مخصصات القروض المتعثرة لدى البنوك، إلا أن كفاية المخصصات لا تعني تحقق العجز عن السداد. 

كما ستتأثر شركات الفندقة والوحدات السكنية  بالرسوم البلدية الأخيرة التي تنص على الحد الأعلى لرسوم اصدار الرخصة التي تصل إلى 12,000 ريال سنويا لكل وحدة سكنية ، و 500 ريال سنويا عن جمع النفايات لكل وحدة سنويا، ورسوم اشغال تصل إلى 10% من أجرة الوحدة السكنية. بالإضافة إلى ارتفاعات أسعار الكهرباء. كم من هذه الرسوم يمكن للشركات تمريره إلى المستهلك دون خسارة نسب اشغال إضافية؟ وما هو معدل انخفاض نسب الإشغال بسبب انخفاض الرواتب والأجور وتخفيض الانفاق في القطاعين الحكومي والخاص؟ تجدر الإشارة إلى أن هذه الشركات لم تقم بعد بتقديم تقديراتها عن أثر هذه القرارات على نتائجها.

أما شركات الاستهلاك الكثيف للطاقة، كالإسمنت والبتروكيماويات والزراعة، فقد تأثرت تدفقاتها النقدية بشكل واضح بسبب الرفع الجزئي عند دعم الطاقة. على سبيل المثال، اشارت شركة سابك إلى أنها تقدر أثر الزيادة الأخيرة في أسعار الطاقة بما يقارب 25% من صافي الأرباح (5% من تكلفة المبيعات).  كما أشار د. سليمان الخطاف بمقاله بجريدة اليوم بتاريخ 18/1/2016م، إلى أن زيادة أسعار الوقود الأخير رفعت تكلفة زيت الوقود من 2.55 دولار للبرميل إلى 4.4 دولار للبرميل، مقارنة بمعدل الأسعار العالمي البالغ 47 دولار للبرميل الواحد ! وقد نتج عن هذه الزيادة الطفيفة، انخفاض في الارباح بمعدلات تتراوح بين 5-18%. 

واذا كان هذا الأثر بسبب الرفع الجزئي للدعم، فكيف ستكون نتائج هذه الشركات عندما يتم الرفع الكلي للدعم عن الطاقة والمياه؟ اذ تستهدف وزارة الاقتصاد والتخطيط خفض دعم فاتورة الطاقة والمياه بمقدار 200 مليار ريال كما ورد في برنامج التحول الوطني 2020م. وكيف يمكن للتدفقات النقدية للشركات أن تتأثر بفرض ضريبة القيمة المضافة المزمع تطبيقها في 2018م؟ وكيف يمكن للشركات أن تتأثر بعد أن تبدأ تخفيضات المرتبات وزيادة الرسوم بالانعكاس على القدرة الشرائية للمواطنين؟ 

الاضطرابات السياسية

كما أنه لابد من الإشارة إلى أن الاضطرابات السياسية المحيطة ما زالت تلقي بضلالها على السوق، عبر رفع مستوى المخاطرة في السوق ككل (Systematic Risks). إذ ما زالت تتصاعد وتيرة العنف في المنطقة دون ظهور بوادر لحلول في الأفق، بالإضافة إلى تمرير قانون جستا الذي يمكن أن يؤثر على وضع احتياطاتنا الخارجية. كما أن الصورة الضبابية لآليات برنامج التحول الوطني ومواعيد تنفيذها تزيد من حالة عدم التأكد التي يعكسها المستثمرون في أسعار الشركات. 

ولذلك، أرى أن الانخفاضات الأخيرة لسوق الأسهم ليست مدفوعة بمعدلات عجز الميزانية بشكل كامل (والمرتبطة بسعر النفط  بدرجة  كبيرة)، بل هي محاولة من المتعاملين في السوق لتقدير أثر التغيرات الهيكلية للاقتصاد على التدفقات النقدية المستقبلية لشركاتهم، وانعكاس لارتفاع مستوى المخاطر للسوق ككل.

نحن على يقين بأننا  بعون الله قادرون على تجاوز هذه الأزمة الاقتصادية، كما فعلنا في أوقات سابقة. إلا أن تجاوز الأزمة وعودة  النفط لمستويات مريحة، وانخفاض معدل المخاطر المرتبط بالسوق حاليا، لن يعيد الأمور إلى ما كانت عليه في السابق. إذ يبدو أن الحكومة عازمة على الاصلاح الهيكلي للاقتصاد، وأن هذه الإجراءات تأتي في سياق الإصلاح الجذري وليس فقط التقشف المرحلي. 

وإذا نجحت الإصلاحات الهيكلية للاقتصاد المزمع الانتهاء من تنفيذها بحلول 2020م، فإن الشركات التي تعتمد في أرباحها على الدعم الحكومي قد تجد نفسها أمام خيارين: انكماش الأرباح بشكل كبير، أو الإصلاح الهيكلي وتغير استراتيجياتها بشكل جذري. كما أن شكل أي نمو للاقتصاد الوطني قد يكون مختلفا عما شهدناه في العقود الماضية.

ولأنني أظن أن صُناع القرار في الدولة لا يغفلون عن آثار القرارات الأخيرة،  فإنني أرى أن برنامج التحول الوطني، يهدف إلى التدمير الخلاق للاقتصاد الوطني Creative Destruction. والذي سينتج عنه خروج الشركات الضعيفة من السوق، على أمل استبدالها بشركات أكثر قوة ونشاط تستمد مكاسبها من القيمة المضافة التي تقدمها  بدلا عن الدعم الحكومي الذي تحصل عليه، وتستطيع المنافسة في بيئات تجارية أكثر قوة. 

ختاما ً، كل الأمل، ألا ننجح في التدمير، ونفشل في البناء !