ما سر زخم الإقبال على شراء عقود التأمين ضد السندات السعودية ؟

06/09/2016 4
محمد الليثي

منذ أيام قليلة، نشرت وكالة أنباء " بلومبرغ " خبر يفيد أن إجمالي حصيلة مشتريات المستثمرين لعقود مبادلة مخاطر الائتمان السعودية ( SAUDI CDS ) ارتفعت إلى أعلى مستوى لها منذ 5 سنوات، وأفادت الوكالة الأمريكية أن الحصيلة الإجمالية بلغت 1.1 مليار دولار، وذلك قبل عزم الحكومة السعودية بطرح سندات بقيمة تتراوح بين 10 و 15 مليار دولار مع مطلع شهر أكتوبر القادم.

وتعتبر عقود التأمين " CDS - Credit Default Swaps "، أداة تحوط ضمن أدوات المشتقات المالية " Credit Derivatives " تندرج ضمن عقود المبادلة، وهي بمثابة وثائق تأمين يلجأ إليها بعض المستثمرين كدرع للحماية من احتمالية مخاطر عدم السداد قد تحدث في المستقبل أو في وقت الأزمات، مثل مخاطر تعثر مُصدري السندات عن سداد قيمة السندات المصدرة مثلما حدث وقت أزمة اليونان آنذاك.

ويشير إقبال المستثمرين على شراء عقود التأمين ضد السندات السعودية المزمع إصدارها، إلى زيادة عمليات الشراء المتوقعة على تلك السندات في عمليات الاستثمار والتحوط، هذا بالإضافة إلى محاولة الضغط لرفع العوائد.

ومع صعود أسعار عقود التأمين ضد السعودية، تزايدت التكهنات السلبية  التي توجه الرؤية إلى احتمالية تعثر دول منطقة الخليج في سداد ديونها في ظل زمن النفط الرخيص منذ منتصف عام 2014 إلى الآن.

وبطبيعة الحال، ليس هناك ما يمنع أن  تعلن دولة عن تخلفها عن سداد ديونها، ولكن من الصعب القول أن دول المنطقة مهددة بشبح تعثر السداد على الأقل في الوقت الراهن، نظرًا لعدة أسباب، أهمها مؤشر الدين العام إلى الناتج المحلي الاجمالي، وهو مؤشر اقتصادي يهتم به الكثيرون لمعرفة نسبة الديون إلى الناتج المحلي الاجمالي، كما هو أداة تستخدم لجذب الاستثمارات لشراء السندات الحكومية.

وتبلغ نسبة الدين العام لإجمالي الناتج المحلي للسعودية 5.9% بنهاية عام 2015، هو الأقل معدل بين دول المنطقة، ويوضح الجدول التالي نسب الدين العام إلى معدل الناتج المحلي الاجمالي لدول مجلس التعاون الخليجي بنهاية عام 2015:

والجدير بالذكر، أن دول المنطقة تشهد عمليات إعادة تقييم من حيث السمات التي تمتاز بها عن باقي دول الأسواق الناشئة، وتأتي السعودية محط جميع الأنظار، باعتبارها أكبر مصدري النفط في العالم، نتيجة التحديات التي تعوق منحنى الإيرادات بعد السقوط الحر لأسعار النفط.

ومع تهاوي أسعار النفط إلى قيعان تاريخية، واصلت الموازنة السعودية تسجيلها عجزًا ماليًا للسنة الثانية على التوالي بنهاية عام 2015، نتيجة استئناف المملكة بداية مرحلة العجاف بعد 5 سنوات متتالية من الرخاء، وتحاول المملكة جاهدة البحث عن بدائل للتصدي المعوقات الحالية، واثبات الذات أمام العالم بأنها قادره على تخطى الصعاب رغم اعتمادها على الإيرادات النفطية بشكل رئيسي.

ومنذ مطلع العام الحالي، تتوجه أنظار الحكومة السعودية للتركيز على تطوير الإيرادات الغير نفطية لكي تصل إلى أكثر من تريليون ريال بحلول عام 2030، مع مراجعة مستويات تكاليف الخدمات الحكومية الحالية، واستحداث رسوم جديدة، حيث قامت فعليًا باتخاذ أولى خطواتها بتخفيض الدعم الحكومي على المنتجات البترولية والمياه والكهرباء، وإعادة تسعيرها بصورة تدريجية خلال 5 سنوات. 

وقد أعطت الإجراءات السابقة فضلًا عن انخفاض أسعار البترول، انطباعات غير إيجابية للمستثمر الدولي الراغب في الاستثمار في أدوات الدين السعودية. 

وبدأت عقود التأمين تتصاعد بوتيرة عالية، مسجلة أعلى مستوى لها على الإطلاق خلال شهر يناير 2016، تزامنًا مع تراجع أسعار النفط إلى أدنى مستوياته منذ عام 2003، في حين أنها ارتفعت من 50 نقطة أساس في منتصف عام 2014 إلى 155 نقطة أساس في أغسطس 2016.

وبطبيعة الحال ترتبط عقود التأمين على الانكشاف المالي بعلاقة عكسية مع الأصل المؤمن عليه. فمع هبوط النفط، ترتفع بالضرورة أسعار عقود التأمين ضد السندات، وهذا ما يوضحه الرسم البياني التالي لعلاقة أسعار النفط وأسعار الـ SAUDI CDS خلال الـ 5 سنوات السابقة:

وعلى صعيد أخر، شهد شهر إبريل السابق لجأت السعودية إلى الاستدانة لأول مرة منذ عام 2007 بقيمة 10 مليارات دولار، بالإضافة إلى السحب من الاحتياطيات الأجنبية كأحد الحلول المؤقتة السريعة في سد عجز الموازنة، ما أدى إلى تراجع احتياطي النقد الأجنبي إلى حوالي 615 مليار دولار بنهاية عام 2015، مقارنة بـ 732 مليار دولار بنهاية 2014.

ومع اعتماد الحكومة السعودية للاقتراض من البنوك المحلية، تأثرت نسب السيولة لدى البنوك، وهذا مأ أظهره تقرير نشره موقع "أرقام" الأسبوع الماضي، الذي أفاد بتراجع صافي الموجودات السائلة بـ 20% بنهاية النصف الأول 2016، وارتفاع معدلات القروض الممنوحة للمؤسسات الحكومية لتصل إلى 1439 مليار ريال بنهاية شهر يونيو 2016، مقارنة بـ 1331 مليار ريال عن الفترة المقابلة من العام السابق.

وفي ظل تنامي مشكلة السيولة لدى البنوك، تحاول مؤسسة النقد السعودي ضخ المزيد من السيولة لتعزيز الموقف المالي للقطاع البنكي.

وعلى الجانب الآخر، تصاعدت معدلات الفائدة بين البنوك والتي تعرف باسم " Interbank Rate" أو بالـ " سايبور "، بأكثر من 50% منذ بداية العام، حيث سجلت أسعار الفائدة لفترة الـ 3 أشهر أعلى مستوى لها على الإطلاق عند 2.308%.

ورغم تلك التحديات التي قد تعوق نهج التغيير وتنويع مصادر الدخل وتطور البنية التحتية، إلا أن السعودية تمتاز بالمتانة النسبية لمواجهة صعوبات مالية قد تحدث مستقبلاً.

وفي ضوء برنامج " رؤية 2030 "، تحرص الحكومة السعودية على اتباع أساليب فعالة لترسيخ أساسيات البرنامج، لكي يثبت للجميع مصداقيته، وهو ما نثق في حدوثه بالقريب العاجل.

خاص_الفابيتا