تزايد الاهتمام بتطوير مبادرات اقتصادية جديدة وتحويلها إلى مشاريع صغيرة في العديد من البلدان العربية، خصوصاً البلدان الخليجية، وذلك في سعي إلى حفز الشباب على الاهتمام بالأعمال الخاصة والابتعاد عن الاتكال على الوظائف الحكومية.
ويظل هذا الاهتمام مستحقاً بعدما ارتفعت التزامات الحكومات تجاه توظيف المواطنين وبعد تزايد التدفق من هؤلاء المواطنين في كل عام في سوق العمل، من دون أن تتمكن البرامج الاقتصادية من تأمين فرص عمل لدى مؤسسات القطاع الخاص في شكل مناسب.
لا شك في أن مسألة التوظيف تعد من أهم سمات الاقتصاد الريعي في بلدان الخليج وغيرها من بلدان عربية. لكن كيف يمكن تجاوز هذه المعضلة في ظل الالتزامات الاجتماعية وتفادي المشكلات السياسية التي قد تنجم من ارتفاع معدلات البطالة؟
أسست حكومات في بلدان عربية صناديق مختصة لدعم المشاريع الصغيرة وتأمين التمويل الميسر لأصحاب هذه المشاريع، كي يؤسسوا حياةً عمليةً مستقلة ومتحررة من الاعتماد على الحكومة ووظائفها. وربما أصبحت هناك تجارب لهذه الصناديق، أو الشركات المختصة، يمكن الاعتماد عليها لقياس مستويات النجاح للعديد من المشاريع الصغيرة.
واعتمدت القمم العربية عدداً من السياسات الهادفة إلى دعم المشاريع الصغيرة في مختلف البلدان العربية، وخلال اجتماع وزراء المال والاقتصاد العرب في نواكشوط قبل انعقاد القمة العربية هناك، أوضح مشروع قرار للوزراء ان إجمالي المساهمات المتعهد بها لتنفيذ مبادرة المشاريع الصغيرة بلغت 1.3 بليون دولار، كما بلغ إجمالي القروض المعتمدة 1.1 بليون دولار لتنفيذ مشاريع في 12 بلداً عربياً.
ربما يمكن أن نزعم بأن هذه البيانات تشير إلى بداية جيدة لإنجاز المشاريع الصغيرة في البلدان العربية.
ويتعين على أصحاب الشأن تبيين نوعية المشاريع الصغيرة التي نالت تسهيلات ائتمانية ميسرة، إذ ثمة أهمية للتعرف إلى مدى جدوى هذه المشاريع وقدرتها على تحقيق قيم مضافة في الاقتصادات العربية، وكذلك قدرتها على خلق فرص عمل للشباب المتدفقين إلى سوق العمل.
ومثلت محاولات في بلدان مثل الكويت والسعودية توجهات مهمة من الحكومات لدعم أصحاب المشاريع الصغيرة، وأمنت لهم أموالاً طائلة ومؤسسات احتضان للمساعدة والتوجيه والرعاية. بيد أن عدداً من تلك المشاريع لم تستمر طويلاً بل وباء كثير منها بالفشل وافتقار الجدوى الاقتصادية.
الكويت، مثلاً، أسست في أواسط تسعينات القرن الماضي شركة مختصة للمساهمة والمشاركة في المشاريع الصغيرة وأمنت محافظ مالية، أنيطت بشركات استثمارية ومؤسسات مصرفية، لتقديم التمويل إلى تلك المشاريع. وعام 2013 أصدر مجلس الأمة قانوناً لصندوق المشاريع الصغيرة والمتوسطة، وحدد له رأس مال اسمياً مقداره بليونا دينار كويتي (6.6 بليون دولار). وبدأ هذا الصندوق أعماله هذا العام وحدد عدد من المشاريع المستحقة لدعمه وتمويلاته.
وأقيمت قبل ذلك مشاريع بتمويلات من الشركة المختصة السابق ذكرها وبتمويلات من المحافظ الحكومية، وتركزت تلك المشاريع في قطاعات خدمية مثل المطاعم والمقاهي وصالونات التجميل. وانتشرت تلك المؤسسات الخدمية في شكل واسع، ما أدى إلى التشبع وتراجع مستويات الجدوى.
يُخشى أن تكون سياسة دعم المشاريع الصغيرة بعيدةً من المعايير الفنية والاقتصادية وتهدف إلى كسب الولاء السياسي أو الترضيات الاجتماعية بما يؤدي إلى فشل العمل الاقتصادي وخسارة أموال عامة كبيرة. يجب أن لا ننسى أن الاقتصادات الرأسمالية الحديثة تعتمد على الأعمال الصغيرة والتي تمثل نتائج أعمالها نسبةً مهمة في الناتج المحلي الإجمالي في بلدانها. تلك المشاريع تعتمد على تمويلات من المصارف، ومن دون دعم حكومي يذكر، كما يؤدي أصحاب تلك المشاريع التزاماتهم الضريبية وفق القانون.
ربما تكون هناك مبررات للحكومات العربية لدعم المشاريع الصغيرة وحفز الشباب على المبادرة من أجل خفض موازنات الرواتب والأجور لدى الحكومات، لكن يجب ان تكون هذه السياسات من ضمن برامج إستراتيجية تهدف إلى تمكين تلك المشاريع من الاستقلال والاعتماد على إيراداتها والتمويلات التقليدية. كذلك، وهذا أمر مهم لبلدان الخليج في صورة خاصة، يجب أن يعمل أصحاب المشاريع على توظيف المواطنين والابتعاد من توظيف العمال الوافدين.
لن تكون تجربة المشاريع الصغيرة أو المتوسطة مفيدةً، مهما توافر لها من أموال دعم، للاقتصادات العربية ما لم تتحول هذه الاقتصادات إلى اقتصادات عصرية وغير ريعية. ستكون هناك مصاعب عديدة وقد يفشل كثير من المشاريع وربما يعجز عن تحقيق الطموحات المنشودة، لكن يؤمل بأن تتطور فلسفة الدعم على أسس منهجية وتعتمد على التجارب الناجحة في بلدان متقدمة ونامية في هذا العالم.
فالاقتصادات العربية، وبعد الدمار الذي طاول بلداناً مثل سورية والعراق وليبيا واليمن والمصاعب التي تواجه الاقتصاد المصري، تتطلب عملية إنعاش طويلة الأجل. هذا الإنعاش يجب أن يمكن من بناء أوضاع اقتصادية طبيعية تمكن المبادرين وأصحاب الأعمال الصغيرة بعد الإقلاع بسنوات قليلة من النجاح الطبيعي من دون دعم حكومي.
نقلا عن الحياة
لن يحدث الا بقبول مزيدا من الهجرة الاقتصادية و بالتالي في تناقض مبدئ مع التوطين