5 نصائح لتأسيس الصندوق السيادي السعودي

17/08/2016 0
عيد ناصر الشهري

توالت الأخبار والتوقعات بشأن تأسيس اكبر صندوق سيادي في العالم في السعودية. وصرح الأمير محمد بن سلمان رئيس مجلس الشؤون الاقتصادية السعودي بأنه سيتم تأسيس صندوق الاستثمارات العامة، لاستثمار عوائد بيع اسهم شركة ارامكو. ومن خلال عملي لمدة 10 سنوات في الهيئة العامة للاستثمار، ثم مدة 5 سنوات مع شركة استثمارية خاصة، تبينت فروقات مهمة بين الهيئات السيادية والشركات الخاصة، لذلك من المفيد مقارنة بيئة العمل بين الهيئات السيادية لوضع هيكل اداري قوي ومناسب للصندوق الأضخم من نوعه في العالم.

احتكار المروجين

يعتقد كثير من الموظفين بأن مؤسستهم السيادية هي المؤسسة الوحيدة في العالم التي تملك الأموال، لذلك لا يعملون على البحث عن الفرص الاستثمارية الموجودة، بل ينتظرون في مكاتبهم حتى يأتيهم المروجون الذين يقبضون عمولة لتسويق تلك الفرص الاستثمارية.

وبطبيعة الحال، الشركات الممتازة التي تسعى للتمويل، ويكون عليها طلب عالٍ لا تدفع عمولة التسويق، بسبب وضوح الفرصة الاستثمارية، او قد يدفعون عمولة اقل من غيرهم، لكن المروّجين Placement Agent يسعون فقط لتسويق المنتج الذي يدفع لهم أكبر عمولة.

ومع الوقت، يقوم الموظفون بالاستثمار بالفرص الاستثمارية التي يتم تسويقها فقط، ولا يستثمرون بالفرص الاخرى التي لا يوجد لها مروّج، لذلك يكون هناك اختيار طبيعي للفرص السيئة، ويقل اداء الادارة المعنية عن الأداء المشابه في صناديق سيادية اخرى، والأفضل ان يقوم الموظفون بالتوضيح للإدارة العليا من هو المروّج الذي يقوم بالتسويق، وأي فرص اخرى تم الاستثمار بها عن طريق نفس المروّج، ويجب عرض جميع الفرص المشابهة والمتوافرة بالسوق حتى لو لم تعرض على الصندوق السيادي.

وهناك شركات ممتازة ترغب في ان تستثمر المؤسسات السيادية معها، ولا تتعامل مع مروّجين، ويقوم المروّجون في بث معلومات خاطئة عن الصندوق السيادي لتلك الشركات المميزة، حتى لا تنافس الشركات التي تدفع عمولات عالية، وهناك بالفعل عدد محدود من المروجين المقربين من موظفي الصناديق السيادية، مما قد يخلق بيئة مناسبة للفساد، وتبادل المصالح بين المروج والموظف، ويقوم هؤلاء المروجون بفلترة الفرص قبل وصولها الى المؤسسة السيادية، بحسب العمولات المُحتملة.

تعيين المقربين

يقوم مديرو الصناديق السيادية باختيار موظفين قريبين منهم للعمل في إدارتهم بدون الاهتمام لكفاءة الشخص، وتكون عملية التعيين عن طريق التنسيق مع الشخص المقرب ومعرفة مؤهلاته، ثم يتم نشر إعلان أو الطلب من مؤسسات البحث عن موظفين تطابق مواصفات الشخص المذكور، وبعدها يقدم الكثير من الراغبين في العمل، وتتم المقابلات الصورية، ويتم اختيار الشخص المقرب بالنهاية.

وهذه العملية تهز الثقة في الصناديق السيادية، لكن الاخطر هو عدم اختيار الموظفين حسب الكفاءة او حسب الخبرة، وتكون عمليات اختيار الموظفين المقربين سببا رئيسيا في تردي الكفاءات داخل الصناديق السيادية، والحل هنا يكون عبر اشتراط مقابلة جميع موظفي الادارة للموظف الجديد، وليس المدير فقط، وإشراك جميع أفراد فريق العمل بقرار التعيين لأنهم سوف يعملون مع هذا الشخص.

عدم قياس الأداء

لا يقوم المديرون بتحديد معايير النجاح او الإنجاز للحصول على المكافأة، سواء لهم او لموظفيهم، وهناك بعض الحالات التي يتحجج فيها المديرون بعدم وجود مؤشر مناسب لقياس الأداء، ولا يكون هناك مؤشر محدد لقياس اداء المدير المذكور، اذا انه ليس من مصلحته قياس أدائه، لانه يرغب في تحصيل المكافأة بكل الأحوال، وعند غياب معيار الأداء يركز المديرون على معيار الحضور والانصراف لتوزيع المكافآت.

ومع الوقت تتم مكافأة الأشخاص الملتزمين بالحضور والدوام بغض النظر عن إنتاجيتهم، وهذا النظام يدفع الموظفين المنتجين لمغادرة الصناديق السيادية، بسبب رغبتهم بالعمل لدى مؤسسات تكافئ الموظفين المميزين، لذلك يجب تحديد نظام مكافآت يربط الأداء بالمكافأة لجميع المديرين، وطلب مؤشرات القياس نفسها كل سنة مع توزيع المكافآت.

وتقوم شركة Temasek بدفع المكافآت على عدة سنوات، ويتم أيضاً خصم جزء من المكافآت التي تم اقرارها في حال تحققت الخسائر، وهذا ما يجعل تلك الشركة لديها افضل اداء بيت الصناديق السيادية، ومن المفيد أيضاً وضع نظام يتم فيه تقييم المدير من قبل الموظفين الذين يعملون تحته، ويسمى هذا تقييم 360، وهنا تتوافر معلومات افضل للإدارة العليا عن كفاءة المديرين.

هيمنة المستشارين

يعتبر الاعتماد على المستشارين من الآفات التي تقضي على تطوير المواهب في المؤسسات الخاصة، حيث ان المستشارين لا يخضعون للمساءلة، لان القرار بيد الموظف او الادارة المعنية، حيث يقوم المستشار بعمل توصيات متفرقة لارضاء مدير الادارة وتكييفها حسب مصلحة المدير، ولا يقوم المدير بالاعتماد على موظفيه الذين لا يملكون خبرة المستشار. ومع الوقت لا يتسلم الموظفون اي اعمال مهمة، ولا يكتسبون الخبرة اللازمة، ثم يقوم المدير بعرض توصية المستشارين على الادارة العليا وتوضيح ان هذا هو رأي المستشار الخبير، وللمستشارين مصلحة بعدم تعليم الموظفين اسرار عملهم حتى تكون المؤسسة بحاجة لهم باستمرار.

وفي حالة تبيّن خطأ هذا القرار، يلقى باللوم على المستشار، وقد يتم تغييره، ولا يتحمل ذلك المدير مسؤولية الخطأ، ويستمر بالعمل مع مستشار آخر. ومع مرور الوقت، يكثر في الصناديق السيادية هذا النوع من المديرين الذين يستمرون بعملهم بالرغم من الأخطاء السابقة، ويكون لديهم مهارة التنصل من مسؤولياتهم. وهناك حالات اصبح المستشار فيها يدير أموالا للصناديق السيادية بدون خبرة سابقة، وقدم أحد المستشارين لدى صندوق سيادي توصية بتعيين مديرين من الخارج، ثم انه استحوذ هو نفسه على العمليات الاستثمارية مع عدم توافر اي خبرة استثمارية لديه، والحل يكون بعدم تعيين المستشارين او التعاقد معهم الا للجوانب الفنية المحدودة التي لا تكون متوافرة في الصناديق السيادية، مثل القانونيين او المحاسبين.

المكاتب الخارجية

كل ما سبق ذكره يحصل في مقار الصناديق السيادية الرئيسية في الدولة الام، ويقل الاحتكاك والمنافسة مع المؤسسات الاستثمارية الشبيهة في المراكز المالية العالمية، ويؤدي بالضرورة الى ضعف ادء الصناديق السيادية، ويكون اقل من المؤسسات الشبيهة، مما يسبب ضياع الفرص وانخفاض الأرباح بشكل مستمر.

هذه الممارسات الخاطئة تبدأ بشكل محدود، ثم تستمر، ثم تستحوذ على كل أوجه العمل في الصناديق السيادية، لذلك يجب عمل هيكل اداري واضح وشامل يقوم بالاعتماد على شبكة مكاتب خارجية، ويكون من المناسب توزيع المسؤوليات والصلاحيات على المكاتب الخارجية واقتصار دور المكتب الرئيسي على المحاسبة والمتابعة وتوزيع الاصول بين المكاتب الخارجية بطريقة منظمة، نقل مسؤوليات الاستثمار للمكاتب الخارجية يقلل من الممارسات الخاطئة المذكورة سابقاً، مثل تعيين المقربين واستخدام المستشارين بسبب وجود الكفاءات في المراكز المالية العالمية.

وتوفر المكاتب الخارجية بيئة مناسبة لقياس الأداء والانتاجية بسبب تنافسهم مع المكاتب والمؤسسات الشبيهة التي تستخدم افضل الممارسات في قياس الادء.

وبالنهاية وجود المكاتب الخارجية اقرب للمراكز المالية العالمية يجعل التواصل مع الشركات والبنوك الاستثمارية اسهل ويقطع الطريق على المروجين.

ومن المناسب للصناديق السيادية الجديدة تأسيس مكاتب في الولايات المتحدة وبريطانيا وهونغ كونغ، اسوة بالمؤسسات الشبيهة للهيئة مثل GIC ومجموعة العليان، ومن المهم قيادة الثقافة من اعلى سلطة في المؤسسة والعمل بشكل مستمر على كل المستويات للتأكد من عدم وجود تلك الممارسات السيئة، حتى يتم ضمان جذب وتطوير والاحتفاظ بافضل المواهب المحلية والعالية للمصلحة العليا.

نقلا عن القبس