الجواب في اعتقادي أنه في عصر التخلف وفي المجتمعات المتخلفة يَبرُزُ صاحب الفكر التطويري أو الابتكاري كمشعوذ أو مجنون فيُقتل أو يُحرق أو يسجن أو يُتهم باتهامات شتى تصرف المجتمع عنه فيموت فكره التطويري والابتكاري معه. فالمجتمعات التي عاشت ذلك العصر المريع، دفعها وضعها المخيف والمؤلم للنظر في أسباب حدوث ذلك لهم فعالجوها.
أما نحن المسلمين، فلم نعش هذا العصر فلم تدفعنا محفزات، للتفكر في أسبابه. فوقعنا في نتائجه بصور شتى تختلف بين المجتمعات المعاصرة.
ونحن في بلادنا، وإن كنا لا نعيش فكر عصر التخلف وعقليته، إلا أننا نطبق نتيجته عملياً بأسباب خفية لا نشعر بها كما شعرت مجتمعات التخلف قديماً.
فمجتمعنا تحكمه قاعدتان تمنعه من الانطلاق في طريق التقدم العلمي والاقتصادي، ويقعُد به عن ذلك أمراض ثلاثة خطيرة.
فأما القاعدتان، فالأولى أصلها من الفقهاء الذين يحكمون جانباً كبيراً من طريقة التفكير عند الناس في مجتمعنا. فهم يلتزمون بقاعدة عجيبة. فتراهم في الأمور الفقهية الاستنباطية للكتاب والسنة، لا يُحكمون الأصول الفقهية، بل يحكمون قاعدة تلخصها عبارة « هل سبقك بهذا أحد». فإن لم يسبقك أحد طرحوا قولك ولو كان منطقه وطريقته على أشد ما يكون الاستنباط منطقاً عقلياً وأصولياً واتباعاً للكتاب والسنة وموافقاً لحكم التشريع، وتمسكوا بقول معكوس المنطق ساقط الاستنباط أصولياً، لا يمت للكتاب والسنة بصلة، خال من الحكمة، أقرب للعبث والجنون. لمجرد أنه قول قد قيل من قبل.
والقاعدة الثانية هي من بواقي جامع قواعد القبيلة التي تلزم جميع أفرادها باتباع أعراف أسلافهم مهما غلت في الشذوذ والخطأ. لذا، فأصل رفض الابتكار والتطوير، مغروس في نفوس المجتمع، شعر به صاحبه أو لم يشعر.
وأما الأمراض الثلاثة الذي أقعدت بنا، فالأول هو مرض العجز والكسل الذي سببه النفط. فأي إبداعية أو فكرة تطويرية فيها احتمالية مواجهة بعض الصعوبات، تجد أحدنا يفر منها فرار الجبان من الأسد. وهل الابتكارات والإنجازات إلا وليدة الصعوبات والتحديات. وهل يمكن لأحد أن يتحفز عقله فيخرج بابتكار، إلا من أجل حل صعوبة أو تجاوز عائق؟
وأما المرض الثاني فهو مرض الخوف من مواجهة المجتمع بفكرة جديدة ثم يثبت بعد ذلك خطؤها. وهل من فكرة إبداعية أو ابتكار، أو تصحيح، لم يكن الخطأ منطلقه الذي انطلق منه؟ وهل الخطأ إلا مراحل الاستراحة التي يستعيد الفكر فيها شتاته ويجمع أمره، لينطلق في طريق أفضل من الطريق التي بدأ منها؟
وأما المرض الثالث فهو مرض الهزيمة النفسية أمام التقدم العالمي، فبهذا المرض ترانا نعتمد قاعدة الفقهاء التي قعدت بهم وبالفقه وبالمسلمين. فنقول هل هناك من أشقر أو أفطس سبقك بها؟ أو أيدك بها؟ فإن لم يسبقك أشقر ولا أفطس، ولم يبارك لك، فلا نُقدم عليه، ولا نقبل حتى النظر فيه.
إن الابتكار ما هو إلا جرأة في الخروج عن الفكر الموجود المتبع، وما هو إلا رحلة شاقة عبر التحديات والصعوبات والأخطاء، وإلا لما ركبنا الطائرة وتواصلنا بالإنترنت وتعالجنا من الأمراض، فكل ذلك كان قبل قرن واحد من الزمان، سحرا وشعوذة.
والجرأة جماع الأمر كله، فالابتكار جرأة عقلية وجرأة اجتماعية لذا فاز الأشقر والأفطس بالعلو وقعدنا نراقبهم هماً وغماً، ومن راقب الناس مات هماً وفاز باللذة الجسور.
نقلا عن الجزيرة
دائماً فكرك وقلمك مبدعان، أنت ومن هو في مستوى فكرك وقلمك يحتاجهم الوطن بشده.. والحقيقة حق -مهما حاول رجال الظلام يخفونها- ستشرق على "وطننا الحبيب الغالي"، وحفظك الله من كل جاهل ومن كل حاقد..
حقيقة و لا زلت اقول انت رجل عظيم عجزنا على الأقل عجزت ان افهم مقالاتك. هذه المرة استطيع ان اقول انني فهمتك.
لماذا تقدمت اليابان وتخلفت مصر لماذا الرجل الابيض يحكم العالم مادور الحاكم والحزب في التقدم والتأخر اسئله النهضه لايجاب عليها بكلام الكاتب الذي يصلح لتطوير الذات