«الرؤية 2030» وضرورة تحسين إنتاجية العامل

24/07/2016 1
د. إحسان بوحليقة

أين سنترك خططنا ونرحل لنحو ثلاثة أشهر؟! فنحن في موسم الإجازات، و«أين ستسافر؟» سؤالٌ يتردد في كل المناسبات هذه الأيام، فهل نحن متيمون بالإجازات، أم هي مجرد شائعة وانطباع مبالغٌ فيه؟ ثم كيف نأخذ الكثير من الإجازات، فننقطع عن العمل، في حين يُقال: إن ثمة دراسات بينت تدني إنتاجية العامل عندنا مقارنة ببلدان الدنيا؟!

هل أجرت جهات حكومية مختصة دراساتٍ عن إنتاجية العامل في المملكة؟ وهل قارنت تلك الدراسات بإنتاجية العامل في البلدان المجاورة والبعيدة؛ النامية والمتقدمة وما بينهما؟ نعيش في انطباعات ونروج لها ولا نسعى لقياسها، لنحاول تقدير إنتاجية العامل في المملكة، بحسبة تقريبية: فبافتراض أن العامل يعمل في المتوسط 1770 ساعة في السنة، وبافتراض أن عدد من يعملون في اقتصادنا يبلغ 11.484 مليون (مواطن ووافد) في نهاية 2015م، وبافتراض أن الناتج المحلي الإجمالي بلغ 2.450 تريليون ريال نهاية عام 2015م، نجد أن متوسط إنتاجية العامل يساوي نحو 32 دولارا للساعة الواحدة، وفي البلدان المتقدمة اقتصاديا فهذا يمثل نصف متوسط إنتاجية العامل هناك. وفي حال دقة هذه التقديرات، فإن علينا بذل جهد كبير لتحسين إنتاجيتنا، أي الحد من الهدر في الموارد والوقت، حتى نستطيع أن ننافس عالمياً.

هل هذا ممكن؟ دول مثل الصين والهند وكوريا حققت قفزات في نمو إنتاجيتها، وبذلك تمكنت من المنافسة، ونحن كذلك علينا أن نقفز قفزات بإنتاجيتنا حتى نتمكن من المنافسة، وبالتالي التحول من الريع للإنتاج.

ليس عيباً أن نحب الإجازة والاسترخاء، لكن علينا أن نقفز قفزاً للعمل عقب انتهائها، وإلا فاندفاعنا هو «للتسدح» وليس للإنتاج! وإن كان لأحدنا طموح وتطلعات بحياة أفضل فذلك -كما نعرف جميعاً- لن يتحقق إلا بتوفيق الله سبحانه ثم بالأخذ بالأسباب وفي مقدمتها العمل الجاد. أما قصص الشطارة وأنك ربما تصادف كنزاً أو تهطل عليك ثروة فهذه قصص.. مجرد قصص تداعب الخيال. أعود لأقول: إن حماسنا بالعودة للدراسة أو العمل مهم وإلا كيف سنحسن إنتاجيتنا التي تبين الدراسات المتاحة أنها غير منافسة البتة، بل إنها لا تقارب متوسط إنتاجية العامل في مجموعة العشرين التي ننتمي لعضويتها.

وهكذا، فيجب أن نضع هدفاً نصب أعيننا، أننا لكي نصبح اقتصاداً منافساً فلا مناص من أن نرتقي بإنتاجية العامل لتصبح أعلى من إنتاجية البلدان التي نرغب في منافستها، قريبة كانت أم بعيدة، ذلك أن المنافسة لا تكون فقط بالكلمات الحماسية بل الأهم هو الأداء المتحمس. والارتقاء بإنتاجيتنا لن يحدث عفو الخاطر، ولن يتحقق مصادفةً، بل سيتحقق بأن يكون أداؤنا اليوم أفضل من الأمس، وغداً أفضل من اليوم، وهكذا.

واتباع منهجية «التحسين المستمر» أساسية إذ ليس بوسعنا الارتقاء بإنتاجية العامل ارتقاءً صاروخياً، لكن ذلك ممكن بالمثابرة المستمرة. السؤال: على من نلقي عبء الارتقاء بإنتاجية العامل في اقتصادنا الوطني؟

أن يكون ذلك مطلباً وطنياً في نظام التعليم والتدريب والتأهيل، بأن على كل فرد منا أن يقدم الأفضل ليساهم في تقدم الوطن وازدهار الاقتصاد، وأن الحفاظ على الأوقات هو حقيقة حفاظ على أهم ثروة، فالله سبحانه وتعالى يمنح كلا منا أجلا سيساءل فيما قضاه. فكما ندرك أن الأجل هو فسحة من الزمن تنقضي، فبمجرد أن تبدأ فلا تتوقف إلى أن تنتهي، وهذه الفسحة هي الفرصة للإنتاج والعطاء والجد والاجتهاد ليقدم كل منا أفضل ما يستطيع وكل ما يستطيع.

كل هذا يعزز أن تطلق وزارة الاقتصاد والتخطيط دراسات ميدانية عن إنتاجيتنا، وأن تعلن نتائجها، وأن تدير مبادرة وطنية لتحسين إنتاجية العامل واستثمار الوقت، على هذا المستوى العام، أما رفع الكفاءة حقيقةً، فمسؤول عنه كل منا؛ فعلى العامل الحرص أن يؤدي عمله بإتقان وإخلاص، وعلى رب العمل أن يحفز من يعمل لديه، بأن يشجعهم ويدفع لهم أجورهم التي يستحقونها، وأن يكافئهم ليحفزهم على الارتقاء بإنتاجيتهم، لا أن «يتشاطر» عليهم، فيبخسهم حقوقهم، بأن يطلب منهم أن يقدموا أفضل ما لديهم، ولا يقدم لهم أقصى ما يستطيع!

تحسين الإنتاجية حالة اجتماعية، هي مطلب ضروري ومؤثر، بل ارتكازي لتحقيق تطلعات «الرؤية 2030»؛ فبدون أن نحقق قفزات في إنتاجيتنا، فلن نستطيع أن نجعل الحلم حقيقة، ولن نستطيع أن نتحول من اقتصاد قائم على «الريع» إلى اقتصاد قائم على «الإنتاج».

ولذا، فلن تستطيع وزارة أو إدارة أن تقوم بمهمة الارتقاء بالإنتاجية، بل لابد من تكاتفنا جميعاً، حتى يصبح تحسن الإنتاجية هاجساً؛ باعتباره شرطاً سابقاً لتحقيق تطلعاتنا، سواء في الرؤية أو البرامج المنبثقة عنها، خذ مثلاً برنامج التحول الوطني 2020، فلا سبيل أن تحقق الجهات الحكومية العدد الكبير من المبادرات بدون تحقيق قفزات في الإنتاجية، أي بدون تحقيق قفزات في تحسين الأداء، وبدون تحقيق قفزات بترشيد استخدام الموارد، وبدون تحقيق قفزات في مؤشرات الأداء خدمةً للمواطن والمقيم.

نقلا عن اليوم