في إيجازات برنامج التحول الوطني الوزارية.. لم يجد القطاع الخاص كرسياً

09/06/2016 1
د. إحسان بوحليقة

ينطوي برنامج التحول الوطني على طموحات عالية، اتضح مداها مع الإعلان عن تفاصيل البرنامج في أول أيام شهر رمضان المبارك.

ففي البرنامج الكثير من الطموح، وعلى الرغم من أنه برنامج حكومي إلا أنه يعول على القطاع الخاص؛ انفاقاً، وإيراداً، واستثماراً.

وعلى صلة بذلك، فقد انطوى البرنامج على استهداف زيادة الإيرادات غير النفطية إلى ما يزيد على 500 مليار، وهذا تطور استجد مؤخراً، فقد سبق الإعلان عن أن المستهدف بلوغ تلك الإيرادات 375 مليار ريال بنهاية العام 2020م.

وهذا تحد، يستوجب فرد العضلات وتحسين الأداء، وممارسة الكثير من الهندسة المالية، كما يتطلب مزيداً من الجدية والكفاءة في التحصيل.

وأخذاً بالاعتبار التوسع المأمول لدور القطاع الخاص، يلاحظ أن تخفيض إنفاق الحكومة على نفسها كان محدوداً في وثيقة البرنامج؛ فالجهاز الحكومي ينفق على نفسه نحو 450 مليارا، ومع التوسع المأمول للقطاع الخاص، فقد كان متوقعاً – بالنتيجة - أن يتقلص الجهاز الحكومي بوتيرة أعلى، فيقل الانفاق على البابين الأول والثاني من الميزانية عن 450 مليار ريال.

كما يلاحظ أن البرنامج يعول بعمق على القطاع الخاص، وليس من المبالغة القول إنه «الحاضر الغائب» في الإيجازات الصحفية للوزراء المعنيين، رغم تواتر ذكر القطاع الخاص– صراحة أو كناية- في كل صفحة من صفحات وثيقة البرنامج.

ولا شك أن هذا اعتداد بدور القطاع الخاص، لكنه دور لابد أن يُفَصل ويوضح حتى لا يعيق إنجاز البرنامج؛ لاسيما أنه لا يقل عن دور أي وزارة من الوزارات بل يزيد.

ولبيان المعنى، فقد عرضت كل وزارة من الوزارات مبادراتها حصراً، وتكلفة كلٍ من تلك المبادرات. وأدرجت الوثيقة مبادرات كل وزارة، وأحصيت بنداً بنداً، ومبادرة مبادرة في الملحق بتكلفة 270 مليار ريال.

على النقيض من ذلك، فدور القطاع الخاص– رغم أهميته ومحوريته في تنفيذ البرنامج- أتى مجملاً. وهكذا، فهم إعداد ونشر وثيقة أخرى نظيرة، تعرض وتبين وتحدد كيف ستكون مساهمة القطاع الخاص، وكيف سيقوم القطاع الخاص بالمهام الجسيمة التي يلقيها عليه برنامج التحول الوطني.

والقضية ليست جدلاً، بقدر تعلقها بتوفير ضخ استثماري ضخم، بما يتطلب– ضمن أمور أخرى- تحسين مناخ الاستثمار تحسيناً حقيقياً، فالقطاع الخاص «يصوت» بماله، سواء أكان قطاعا خاصا محليا أو دوليا، ولن يستثمر إن لم ير ما يسره.

هل يكفي ما أعلن لتحفيز القطاع الخاص؟ هذا ما يجب بيانه وتفصيله في وثيقة وافية، تتناول كيف سنحسن مناخ الاستثمار بما يؤدي إلى استقطاب المستثمرين. وذلك يتحقق بأن نصبح الأفضل تنافسيةً.

فالجميع ينافس الجميع، فحتى ضمن بلدان مجلس التعاون تتنافس دوله فيما بينها لتحظى بالمستثمرين، فالاستثمار هو الوقود الذي سينمي– بإذن الله- اقتصادنا.

وهذا يُكسِب العلاقة مع القطاع الخاص أهمية اضافية، إذ يبدو أن الجزء الأهم من الضخ الاستثماري سيأتي من القطاع الخاص.

ولتحقيق ذلك فليس أمامنا من خيار سوى «تقوية» جاذبية مناخ الاستثمار بإزالة المعوقات سريعاً، وهذا يتطلب عملاً كبيراً، لا يتعلق فقط بأخذ نظرة جديدة لمراجعة نظام ضريبة الداخل، بل كذلك لتقديم سياسات متوازنة وجاذبة للقطاع الخاص، تحفزه للقدوم (إن كان أجنبياً) أو للبقاء إن كان سعودياً.

وعلينا أن نتذكر دائماً أن القطاع الخاص «يصوت» بماله، فإن وجد بقعة أكثر «اخضراراً» أو أكثر «مطراً» فسيذهب لها مهرولاً.

وليس في ذلك ما يعيب، إذ إن آلية عمله تقوم على تحقيق الربح ليس بالضرورة جشعاً، بل حتى يستمر وينمو.

ولذا، تأتي أهمية ما تطرقت إليه وثيقة برنامج التحول الوطني ضمن مبادراتها، بالارتقاء بتنافسية الاقتصاد السعودي، في مرتبة متقدمة في الأهمية لاستقطاب القطاع الخاص وللاستفادة من إمكاناته.

وتجدر الإشارة هنا إلى أن تحسين مناخ الاستثمار والارتقاء بالتنافسية، هو محصلة لمجموعة كبيرة من العوامل، تتقاطع في العديد من الوزارات، وتعتمد على مجموعة من السياسات ذات الصلة بالموارد البشرية، وبالضرائب، وبأسعار المرافق من ماء وكهرباء ووقود ولقيم، وبمؤشر الأسعار، على سبيل المثال والحصر.

بمعنى أن أياً من هذه العوامل قد يؤثر سلباً أو إيجاباً على قدرتنا لاستقطاب إمكانات القطاع الخاص.

ومن ناحية أخرى فإن الارتقاء بمناخ الاستثمار يستوجب توفير شفافية تمكن المستثمر من توقع أية تغييرات مؤثرة على تكاليفه وبالتالي أرباحه، سواء تعلق الأمر بالضرائب أو بأسعار المنافع، وهذا لا يعني بالضرورة «تجميد» نظام الضرائب أو أسعار المنافع أو سواهما، بقدر ما يعني إعطاء فترات زمنية كافية قبل نفاذ أية زيادات، أو الالتزام بجدول لأسعار الضرائب والمنافع تبقى فيها ثابتة لفترة زمنية ممتدة، أو تتغير وفق آلية محددة ومعلنة مسبقاً، بما يمكن القطاع الخاص من التخطيط الاستراتيجي (طويل المدى) أو متوسط المدى (3-5 سنوات) على أقل تقدير، وبذلك نساعده أن يرفع من كفاءته وبالتالي خفض تكاليفه وتحسين تنافسيته.

فمثلاً، سبق أن أعلن ضمن البيان المصاحب للميزانية العامة لهذا العام أن الدعم على أسعار الماء والكهرباء والوقود واللقيم سيُخَفض تدريجياً حتى يزال تماماً مع نهاية العام 2020م، لماذا لا يعلن جدول يحدد نسبة تخفيض الدعم سنوياً، بما يساعد الشركات على التخطيط، وتجنب المفاجآت؟

كذلك، يوجد لدينا ضريبة دخل على المستثمرين الأجانب، لا تفرق بين من يجلب استثماراً ضخماً ومعه تقنية وتنمية للصادرات ورفع للمحتوى المحلي وتوظيف للموارد البشرية المواطنة، وبين المستثمر الـ «طفيلي» الذي يأخذ (يمتص) دون أن يعطي! إذاً، علينا ألا ننسى، أن المستثمر يقارن بين بلدان كثيرة، ثم يقرر أين يستثمر - ليس فقط - ماله بل حتى خبرته وتقنيته ومعرفته بالأسواق.

لقد نصت وثيقة برنامج التحول الوطني على تعزيز الشراكة مع القطاع الخاص بأن «يساهم القطاع الخاص بشكل كبير في دعم وتمويل المبادرات، مما يوفر 40 بالمائة من الانفاق الحكومي على المبادرات، ويساهم في تحقيق أحد أهداف رؤية المملكة العربية السعودية 2030 في رفع مساهمة القطاع الخاص في إجمالي الناتج المحلي الإجمالي».

هذا أمر يستحق إعداد وثيقة نظيرة تُفصل دور القطاع الخاص في برنامج التحول الوطني وتُعَدّ بالشراكة مع القطاع الخاص، وهذا الدور بحاجة إلى جهاز حكومي يربط وينسق لتلك الشراكة الواعدة، مهمته «تحقيق الشراكة مع القطاع الخاص»، نظراً للأهمية الحرجة التي للقطاع الخاص في تنفيذ برنامج التحول الوطني.

إذاً، لبرنامج التحول الوطني بقية تتصل بدور القطاع الخاص، أو هكذا أفهم.

نقلا عن اليوم