كيف نقضي على البطالة؟ البطالة عندنا عنيدة، فهي لم تتزحزح للأسف، حتى في السنوات «السمان»، عندما زاد معدل النمو الاقتصادي، أي عندما زاد معدل توليد الوظائف!
وبطالتنا عنيدة لسبب محدد هو: أن هناك انفصاما «مَرَضيّا» بين توظيف السعوديين وتوليد الاقتصاد لفرص عمل جديدة! هذا «الانفصام» حالة ليست طبيعية (صحية) في اقتصاد أي بلد، بل هو أمر يتطلب إسعافاً عاجلاً، وهو ما لم يحدث حتى الآن.
ولذا، فمعدل البطالة بين السعوديين والسعوديات متمركز فوق حاجز من خانتين عدديتين (أي فوق 10 بالمائة)، ويقدر حالياً بنحو 11.5 بالمائة.
والحالة مرضية، بسبب أن الحالة الطبيعية التي تسعى اقتصادات الدُنيا إجمالاً، المتقدمة والنامية والأقل نمواً والأقل فقراً والأكثر فقراً، هي تحقيق نمو اقتصاد من خلال استقطاب الاستثمارات وزيادة الانفاق من أجل سبب رئيس هو توليد المزيد من الوظائف لساكنيها، حتى يساهموا في الاقتصاد وليحصلوا على أجور تمكنهم من المعيشة ومن يعولون.
بمعنى أن توليد الاقتصاد لوظيفة جديدة، هو بمثابة محصلة لجهود هائلة، تماماً كما «الحمل» بمولود جديد.. القصة عندنا أن الفرص الجديدة -إجمالاً- لا تذهب للمواطنين والمواطنات، لسبب أو لآخر- فتبقى البطالة بينهم مرتفعة، ونبقى نستقدم المزيد من العمالة الوافدة! وهنا تتجسد حالة الانفصام، وكأننا في عالمين متباعدين، أو سوقيّ عمل لاقتصاديين لا صلة لهما ببعضهما البعض!
«حافز» ليس حلاً فهو برنامج لمن يبحث عن عمل ولا يجده. ما يقدمه «حافز» هو إعانة وليس راتبا. إذاً، فإعانة حافز ليست هدفاً بحد ذاتها، أي ليس هناك من يتخرج وهدفه أن يعمل لدى «حافز»!
فحافز ليس رب عمل ومن يتلقى إعانة حافز وظيفته الحقيقية هي البحث عن عمل.. والعمل المقصود هنا عملٌ حقيقي أي ان الشخص سيشغل وظيفة يتوقع من شاغلها ان يكدح وينتج بجد واجتهاد. وكما ندرك فإن «حافز» يمول من صندوق تنمية الموارد البشرية، وأموال الصندوق مصدرها رسوم استقدام العمالة الوافدة.
المطلوب حقيقة وظيفة لكل مواطن يبحث عن عمل، وكما ندرك جميعاً - وهو إدراك مرتكز إلى ألوان وأصناف من الاحصاءات والسلاسل الزمنية الممتدة- أن عدد الباحثين عن عمل يبقى صغيراً مقارنة بأعداد العمالة الوافدة، فمثلاً عدد العاطلين عن عمل من السعوديين في حدود 600 ألف مواطن أكثر من نصفهم اناث.
وبالمقابل فجملة من يعملون في اقتصادنا يتجاوز 10 ملايين، منهم نحو 4.5 مليون مواطن، ونحو 6 ملايين وافد.. وبالتالي، فعدد الباحثين عن عمل يعادل قرابة 10 بالمائة من العمالة الوافدة.
وهذا يعيدنا لمربع الصفر: كيف نربط بين الباحثين عن عمل وبين سوق العمل؟ وكيف نوظف المتعطلين من المواطنين والمواطنات؟ الخط الرسمي، طبقاً للخطط الخمسية منذ أن بدأت تلك الخطط بالتمعن في قضية التوظيف. الخط الرسمي هو الاحلال؛ أي احلال الباحثين عن عمل محل العمالة الوافدة، انطلاقاً من ان الاقتصاد لن يستطيع أن يولد فرص عمل جديدة تكفي لكل السعوديين العاطلين.
كما ذكرت، هذا النهج «الاحلالي» عمره لا يقل عن العشرين عاماً، وهو معقول لكنه لم يطبق، وكان مستنداً ليس فقط إلى الأداة التي تصدرت بموجبها الخطط الخمسية الرابعة والخامسة والسادسة والسابعة والثامنة والتاسعة، بل كذلك كان مستندا إلى قرار مجلس الوزراء الموقر رقم 50 للعام 1415، والتوجه الاحلالي يقوم على الزيادة التدريجية لحصة السعوديين من سوق العمل. سؤالي: ما هو التوجه للسيطرة على البطالة بين السعوديين والسعوديات؟ هل هو توجه احلالي كما بقيت تلهج خططنا الخمسية على مدى العقود المنصرمة؟
أم توجه تعاطفي أي أن توظيف المواطن الباحث عن عمل سيتحقق إن كان: مدفوع الأجر والتدريب، ويتحدث لغتين بطلاقة، ويداوم صباحا ومساء، ومنقطع من شجرة فلا أم يأخذها للمستشفى ولا ولد ترتفع حرارته أثناء الدوام.. وفوق كل ذلك أن يتعاطف معه رب عمل فيوظفه؟!
قد لا يتطلب الأمر كثير جهد لاكتشاف أن المواطن الباحث عن عمل ولا يعمل هو في عداد العاطلين عن عمل، بسبب أنه لا يملك ما يقدمه لشغل أي شاغر، أو لأن الفرصة لا تتاح له بسبب منافسة وافد له!
الأولى تقع على كواهلنا جميعاً كمجتمع بأننا لم نؤهل الشاب ليستطيع أن يشغل وظيفة مطلوبة في سوق العمل، والثانية كذلك تقع على كواهلنا، دون أن يكون للباحث عن عمل أي ذنب، بل تقع بقضها وقضيضها على الطريقة التي ندير بها السوق، بأن لا نعطي ميزة ليستطيع المواطن الباحث عن عمل أن يأخذ الفرصة كاملة دون أن نسمح لأحد أن ينازعه عليها، سواء كان رب عمل بأن يستقدم، أو وافدا باحثا عن عمل يتنقل من «كفيل» لـ «كفيل» بحثاً عن عمل.
نقلا عن اليوم
إغلاق جميع المحلات مع غروب الشمس والمطاعم بعد العشاء بساعة عامل مساعد للسعودي أن ينافس الأجنبي الذي عنده القدرة أن ينام في محله لو أن النظام يسمح