تستوعب المدارس الأهلية نحو 15 بالمائة من طلابنا، ويعمل بها نحو 20 ألف معلم ومعلمة من المواطنين، ومع ذلك فما زال التعليم الأهلي لدينا ضامراً مقارنة بعدد المدارس الحكومية، فهو يفتقر لوجود مؤسسات كبيرة تمتلك عمقاً مالياً وبشرياً يمكنها من تشغيل مشاريع تعليمية كبيرة، إذ إن كل ما يحيط بنا مؤسسات فردية أو شركات صغيرة نسبياً (مقارنة بحجم السوق) تمتلك عدداً ضئيلاً من المدارس.
وهذا ليس ناتجاً عن عدم وجود الأموال أو عدم اقتناع المستثمرين بما يحققه إنشاء «مجمع مدارس» من أرباح، ولعل مرد عدم وجود شركات تعليمية أهلية كبرى لسببين:
الأول: أن هذه المشاريع عالية الربحية إذا ما أديرت احترافياً، أي أنها مما «يستميت» الفرد أو الشركة العائلية للانفراد بملكيته –إن استطاع- باعتبار أنها جوهرة لا يصح إشراك أحد فيها؛ فالمبيعات (أقصد الاقساط الدراسية) تتصاعد والربحية تتعاظم مما يجعل المدرسة الأولى «تَلد» ثانية، ثم تلد المدرستان (الأولى والثانية) مدرسةً ثالثة وهكذا، ولذا يحرص المستثمر الأساس ألا يُدخل شركاء إلا إذا اضطر لذلك اضطراراً، وهذا شأنه.
أما السبب الثاني، فمرده عدم وجود ذراع تنموية تربوية يتمكن التربويون المهنيون والمستثمرون المحترفون خلالها من: انشاء مثل هذه الشركات الكبرى، وتمويل مشاريعها التعليمية والربوية، إذ إن التمويل طويل المدى ومنخفض التكلفة غير متاح حالياً إلا من خلال برنامج تقوم عليه وزارة المالية؛ لكننا نجد صندوقاً تنموياً متخصصاً للزراعة وآخر للصناعة وكلاهما حققا نجاحات تنموية كبيرة وكان لوجودهما تأثير إيجابي فارق في قطاعي الزراعة والصناعة على التوالي.
وهكذا نجد أن توسع مساهمة التعليم الأهلي محدودة لوقوعها بين فكي استئثار أصحاب رؤوس الأموال من جهة، وضعف التمويل التنموي من جهة، ليصبح التعليم نشاطاً تجارياً، ولا أقول اقتصادياً، أي بيع وشراء، السيطرة فيه للمالك وليس للتربوي المهني، وهذا إجمالاً ولا يخلو الأمر من استثناءات هنا وهناك.
وحيث إن صندوق الاستثمارات العامة، -وهو كذلك صندوق حكومي- سبق أن سارع لتمويل مشاريع صناعية عملاقة كتفاً بكتف مع القطاع الخاص، وكانت تجربته تلك ناحجة وجوهرية في دفع الجهد الصناعي لاسيما للمشاريع الكبيرة، فلماذا لا يستثمر في دفع وتحسين والارتقاء بالأنشطة التي تمثل أولويات أساسية يعاني من نقصها المجتمع، وهي في نفس الوقت تمثل فرصاً اقتصادية واعدة ذات عائد يُنافس الصناعة التحويلية على سبيل المثال لا الحصر؟ وفوق ذلك، يجب ألا ننسى أن استراتيجية الصندوق الجديدة تقول أن يستثمر 50 بالمائة من أمواله في الداخل.
وقبل الاسترسال لابد من التأكيد أنه ونتيجة لتعاضد السببين السابقين، نجد أن البلاد خالية تقريباً من شركات عملاقة للتعليم والتدريب فيما عدا شركة مساهمة يتيمة واحدة مدرجة في السوق المالية، ورغم نجاح تلك الشركة في مجالها لكن يبقى برنامجها التوسعي رهناً برؤية الشركة وتطلعاتها وقدراتها المالية.
الآن، ندرك جميعاً أن المدارس الأهلية تحظى بإقبال متزايد لاعتبارات عديدة، كما أن الحكومة تسابق الزمن لبناء المدارس ومع ذلك فقرابة 8 آلاف مدرسة مازالت مستأجرة، هذا من حيث الكم. أما من حيث النوع، فرغم أننا أنفقنا سنوات نتحدث عن تطوير التعليم، ومع ذلك ما برحنا نتحدث عن تطوير التعليم! فما زال مسئولون كبار في وزارة التعليم يجوبون الدنيا بحثاً عن التجارب المفيدة.
وفيما يتصل بمساهمة القطاع الخاص في التعليم فيبدو أننا ندور في حلقة، أو أن ما نحققه من تقدم أبطأ كثيراً من تطلعات المجتمع ومن تنامي الطلب؛ وقد تكفي الاشارة إلى أن عدد الملتحقين الجدد في الصف الأول في المدارس الحكومية يناهز 300 ألف تلميذ وتلميذة هذا العام الدراسي، فإذا أضفنا الاقبال على المدارس الخاصة نجد أن النمو في الطلب عليها يتجاوز 15 بالمائة وفقاً لبعض التقارير الاستثمارية المنشورة.
وأخذاً في الاعتبار التوجه لبناء مجتمع معرفي، مما يبرر أهمية الاستعانة بكل ما بوسع المجتمع أن يقدمه لدعم جودة التعليم؛ وفي هذا السياق فمن الضرورة بمكان محاكاة التجارب الناجحة للصناديق الحكومية التنموية المتخصصة بأن يُطلق صندوقاً لتنمية التعليم والمعرفة، يكون هدفه تقديم التمويل للمشاريع الواعدة في قطاع التعليم التي يتقدم بها أفراد أو مؤسسات.
إذ لن يكون بوسع الحكومة مهما أنفقت أن تتصدى بمفردها للطلب على التعليم، يضاف لذلك أن هناك من الأفراد والشركات من لديهم الرغبة لدخول غمار تأسيس مشاريع تعليمية رائدة، فبرنامج التمويل الذي تقوم عليه وزارة المالية حالياً مفيد، لكنه ليس كافياً وهو بحاجة أن يتطور وظيفياً وهيكلياً ليصبح صندوقاً مستقلاً.
نقلا عن اليوم