أسلوب «رؤية 2030» ونجاح الجميع

28/04/2025 0
د. عبدالله الردادي

أطلقت المملكة تقرير أداء رؤيتها بعد 9 سنوات، كان الاحتفاء والاحتفال من جميع الجهات الحكومية، وارتفعت مؤشرات القياس لمعظم هذه الجهات. وكانت اللغة موحدة في الإنجازات والخطط والتطلعات، وعلى الرغم من أن الرؤية تتضمن 1502 مبادرة فإن السواد الأعظم من هذه المبادرات حقق أهدافه، إما بشكل جزئي، أو كامل، أو متجاوزاً المستهدفات، فكيف تمكّنت الرؤية من المضي قُدماً بشكل متسق؟، لعلّ قطاع السياحة يعد مثالاً لتوضيح ذلك، فعندما بُنيت «رؤية المملكة 2030»، قيّمت قطاع السياحة في المملكة آنذاك، ونظرت إلى مكامن قوته وضعفه، واستشرفت شكله المثالي، ومن ثم حددت العوامل التي تعوقه عن الوصول لهذا الشكل، والتحديات التي تقف أمام تطوره، ومن هنا جاءت المبادرات التي أطلقت لخدمة هذا القطاع بشكل محيطي، لترتقي بجميع جوانبه، فكانت المبادرات الإصلاحية التي تولت الجانب التشريعي ليكون هذا القطاع على أعلى المعايير، ونظرت المبادرات التمكينية في نقص الكوادر البشرية المؤهلة للقيام بالقطاع، وبحثت المبادرات التمويلية والاستثمارية في مصادر التمويل التي تحقق المنفعة العامة وتجذب المستثمرين الذين يسعون لاستثمارات طويلة المدى، ولم تغفل كذلك عن المبادرات الثقافية في هذا القطاع.

وقد تولت الحكومة جانب التشريع بشكل نشط بشكل عام في رؤيتها، حتى وصلت في آخر 6 سنوات إلى أكثر من 900 إصلاح تشريعي، وأسست للسياحة وزارة وهيئة وصندوقاً ومجلساً، وحفّزت القطاع الخاص بإظهار خططها المستقبلية نحو القطاع بشكل شفاف، وذلك لتقليل المخاطر وعدم اليقين في الاستثمارات، ولكنها كذلك أدركت أن بعض القطاعات، منها السياحة، قد لا تكون جاذبة لرؤوس الأموال بشكلها الحالي، فاغتنمت وجود ذراع استثمارية لها لديه برنامجه الخاص في الرؤية، وهو صندوق الاستثمارات العامة، فوجّهت الكثير من الاستثمارات لخدمة قطاع السياحة، حتى يدرك القطاع الخاص أن الرؤية ماضية في تطوير هذا القطاع، وبدأت الاستثمارات تتوالى، وأثرت هذه الاستثمارات إيجاباً بشكل غير مباشر في الاستثمارات الأجنبية في المملكة، وبدأت نتائج عمل القطاع في الظهور حتى حقق مستهدفه لعام 2030، وهو الوصول إلى 100 مليون سائح في 2024، ورفعت الحكومة المستهدف إلى 150 لعام 2030.

كما رُبط القطاع السياحي بالبرامج الأخرى للرؤية، لا سيما ما فيه من استثمار في أبناء المملكة، فنشط القطاع السياحي في بناء وتأهيل الكوادر البشرية التي تعمل في قطاع السياحة، خصوصاً وأن هذا القطاع تحديداً يعد من أكثر القطاعات في العالم توفيراً للوظائف، وأسهم هذا الأسلوب للرؤية، الذي تكرر في حالات كثيرة في خفض نسبة البطالة في المملكة لمستوى تاريخي بلغ 7 في المائة، وهو مستهدف الرؤية لعام 2030، وعليه فقد عُدل المستهدف لنسبة البطالة ليصبح 5 في المائة.

وبسبب هذا الأسلوب المتبع، كانت النتائج مذهلةً لقطاع السياحة الذي كاد يكون معدوماً في المملكة في السابق، فارتفع عدد السياح الدوليين بنسبة 69 في المائة مقارنة بفترة ما قبل الجائحة، وارتفعت إيرادات السياحة الدولية بنسبة 148 في المائة مقارنةً بالفترة نفسها، والربط هنا بفترة ما قبل الجائحة مهم، فحينها كان القطاع السياحي في أوج ارتفاعه في العالم، ولم تنجح السياحة في دول عديدة بتجاوز فترة ما قبل الجائحة، لكن المملكة استطاعت بناء قطاع كامل في الخمس سنوات الأخيرة، وضربت أفضل الأمثال في مرونة الرؤية وقدرتها على التكيّف مع التغيرات العالمية، خصوصاً أن قطاع السياحة كان الأكثر تضرراً من الجائحة.

ولم تقف الرؤية عند ذلك، بل حللت ما يمكن تحقيقه في المستقبل لهذا القطاع، مرة أخرى بناء على طموح المملكة ومكامن القوى فيها، وكان استحداث «طيران الرياض» نتيجةً لذلك، لتكون الرحلة إلى المملكة متناسبة مع الطموح في أن تكون وجهةً عالميةً، وبُنيت حول ذلك مشاريع بنى تحتية تتناسب مع هذا الطموح من مطارات في مدن عدة، وأهّل ذلك كله لأن تكون المستضيفة لكبريات الأحداث العالمية، مثل كأس العالم 2034، وكأس آسيا 2027، و«إكسبو 2030»، وغيرها من الأحداث الضخمة.

إن أسلوب «رؤية المملكة 2030» يظهر في مستوى التكامل الذي أظهرته بين استراتيجياتها وبرامجها ومبادراتها، وفي العمل الحكومي المشترك الذي وضع المصلحة العامة والهدف المشترك نُصب عينيه، ولم يجعل المبادرات والمشاريع هدفاً في حد ذاتها، بل وسيلة للوصول إلى مستهدفات أعلى مستوى وأكثر طموحاً، ولذلك فقد كانت نتائج هذا العمل والأسلوب مبهرةً كما هي الآن، والمستقبل مبشّر بما هو أفضل.

 

 

نقلا عن الشرق الأوسط