أثر التمويلات الأجنبية على الاقتصاد السعودي

28/04/2016 26
د. حمزة السالم

هناك فرق اقتصادي بين القرض والتمويل ما زال غامضًا على الكثير عندنا. القرض المذموم اقتصاديًّا هو القرض الاستهلاكي الذي لا يعود على صاحبه بعوائد مضاعفة؛ فهذا هو القرض الذي يحمل معنى رق الدَّين وعبودية القرض.

أما التمويل المحمود فهو الاستدانة النقدية لتحقيق عوائد مضاعفة على المستدين أو المتموِّل.

ونحن نستطيع أن نرى أمامنا، سواء في الدول أو الأشخاص، شواهد كثيرة على حال القرض وحال التمويل.

فجميع الدول المتقدمة إنما نهضت بالتمويلات الأجنبية.

وجميع الدول المتخلفة الفقيرة إنما قعدت بالقروض الأجنبية. وبناء على ما سبق فإنه بعكس ما اشتهر في الأوساط الاقتصادية عندنا، فإن حصولنا على تمويل أجنبي لإنشاء مبنى عندنا في السعودية هو الخطر الذي يحتوي معنى عبودية رق الدَّين وعبودية القرض. وذلك بخلاف الدول التي تتمول تمويلاً أجنبيًّا، ويقوم اقتصادها بإنشاء المشاريع، أي بسواعد أبنائها وبصناعاتها.

والاستثمار الأجنبي لا خير فيه ما لم ينقل الخبرات ويوظِّف الأبناء. فاستثمار أجنبي لبناء منشأة بأيدي شركة أجنبية هو مجرد قرض مذموم، لا يلجأ إليه إلا بقدر الحاجة.

وحتى عند الحاجة فالتمويلات الأجنبية عند الاضرار يجب ألا تكون مباشرة. وأقصد بالمباشرة أي أنها تخلو من هندسة مالية تزيل الأثر السلبي للاقتراض الأجنبي. والهندسة المالية بحر لا ساحل له، ويجب على من يتولاها أن يخرج من صندوق التقليد والاتباع؛ ليبحر في أفق الإبداع والاختراع.

ولذا يجب التفريق في الإحصائيات التي تتعلق بالاستثمار الأجنبي بين قرض أجنبي واستثمار أجنبي بناء على ما سبق.

القرض الأجنبي يحل مشكلة آنية، لكنه يسحب ضعف قيمته من الاحتياطيات الأجنبية خلال عقد من الزمن، واليوم أصبح علم الاقتصاد النقدي وسوقه علمًا واضحًا لمن فتح الله عليه؛ فهو أسهل العلوم، ولكني قد اقتنعت بأنه سهل ممتنع بعدما رأيت عمالقة الاقتصاد الأمريكيين يتجادلون مع برناكي، رئيس الاحتياطي الفدرالي الأمريكي، يجادلونه في ضخه أربعة تريليونات

دولار، ورأيت تلكؤ البنك الأوروبي المركزي عن فعل الشيء نفسه حتى رأوا نجاة الاقتصاد الأمريكي واقتراب اقتصاد أوروبا من الانهيار؛ ففهم الأوربيون حينها المسألة.

سوق النقد المحلية هي أعظم وأرخص وأأمن وأنفع جهة تمويلية.

ونستطيع تسخيرها تحت ظل الثقافة السعودية الاجتماعية والسوقية اليوم لتعويض انخفاض البترول، وذلك بقليل من الهندسة المالية، وبالاستقلال الفكري، وتجاوز تبعية المستشار الأجنبي، والتحرر من رق الانهزامية، وبالتعاون البنّاء لا التنافس الهدام لا نستطيع حل مشاكلنا الاقتصادية والنقدية فحسب، بل سنؤسس علمًا اقتصاديًّا جديدًا، يفتح آفاقًا عالمية اقتصادية واسعة.

وليس هناك عقبة بلا حل، بل العقبات هي مولد الابتكارات والإبداعات. وخصائص الاقتصاد السعودي وقيوده كذلك تشكّل عقبة حقيقية في ظل الأساليب المتبعة عالميًّا، التي تتبع المدرسة الأمريكية بشكل أو بآخر.

هذه القيود والخصائص التي تشكّل عقبات في ظل الأساليب الحالية هي محفزات للفكر للخروج عن الأساليب المتبعة؛ ما فتح آفاقًا واسعة.

وشاهد ذلك أن العقبة الكؤود هي بعض الجهات الرسمية، التي تعتبر عقبة كؤود جامدة لأي تطوير أو تحسين؛ فلا أمل في تجاوزها إلا بالالتفاف حولها؛ ما أوجد آفاقًا أوسع وطرقًا أسهل وأنفع.

فهذا شاهد لما قلت سابقًا؛ فالعقبات هي محفزات الفكر التي تولد الابتكارات، والحاجة أم الاختراع. والجهات الرسمية اليوم كعشائر القبيلة يوم النداء، فحضرني البيت المنسوب لعلي رضي الله عنه:

ألا إن كعبًا في الحروب تخاذلوا

فأَرْدَتْهُم الأيام واجترحوا ذنبا

نقلا عن الجزيرة