كثيرا ما تجد جهات حكومية وشركات كبرى انها بحاجة الى إعادة هيكلة اداراتها وإعادة تنظيم انشطتها او تحديث انظمتها ولوائحها بهدف رفع مستوى الأداء وزيادة ربحيتها وتلافي الملاحظات عليها، ودائما مانسمع من مسؤوليها بالتصريحات وباجتماعات الجمعيات العمومية بانه لتحقيق ذلك تم التعاقد مع استشاري اجنبي او اكثر من مكاتب الاستشارات الشهيرة، ومع تطلع الملاك والمستفيدين لما ستقدمه تلك المكاتب، نجد انها تقدم لنا مجموعة فاخرة من التقارير باللغة الانجليزية تشتمل على نماذج واحصاءات ورسوم بيانية، ولكن بفحصها نجد انها تشتمل معظمها على استعراض للوضع الراهن وسلبياته (التي من اجل التخلص منها تم التعاقد عليها مع هذه المكاتب) ومجموعة من التوصيات معظمها سبق طرحها من قبل مسؤولي الجهة والشركة المتعاقدة والمحللين والكتاب بصحفنا وقنواتنا!
أي اننا تعاقدنا مع شركات «تعبئة وتغليف» لا اكثر! حيث ان كل ماقام به من تعاقدت معه لإنجاز العقد هو مقابلة مسؤولي الشركة وعدد من المتعاملين معها وتعبئة الاستبيانات والنماذج ذات المعايير الموحدة بمواقع الشركات الاستشارية بمعلومات الجهة المتعاقدة - ارقام وعبارات – والاهم انها تقدم ماتحصل عليه من ملاحظات وأفكار ومقترحات من مسؤولي الجهة او مانشر بالصحف كنتيجة لأعمالها وتوصياتها بمغلف فاخر وعبارات ومصطلحات جذابة!
فهي تحصل مجانا على افكارنا الوطنية ومجموعة كبيرة من المعلومات الداخلية بشركاتنا وجهاتنا وتبيعها علينا بمئات الملايين ونضطر الى تحمل تكلفة ترجمتها مع انها أساسا كانت لدينا باللغة العربية! تلك حقيقة الكثير من الدراسات التي تمت وستتم في جميع دولنا العربية التي تطرب لمن يحسن بحديثه وتقاريره استخدام المفردات الأجنبية والمصطلحات بدلا من العبارات السائدة المفهومة من جميع مستويات العاملين والمساهمين والمجتمع!
ومع تزايد اعداد الدراسات والمبالغ التي انفقت عليها والتي مازالت محفوظة بأرشيف بعض الجهات الحكومية والشركات، نجد انه مع قدوم كل مسؤول لديها يقوم بدلا من الاستماع بشفافية لمرئيات موظفيه بمختلف مستوياتهم ومواجهة الواقع بتقصي الأسباب الحقيقية للمشاكل التي تواجه جهته وشركته او يشتكي منها المستفيدون من خدماتها وحل مايمكن حله بشكل عاجل، نجده يقوم بالتعاقد من شركات استشارية بمبالغ عالية بهدف الحصول على أفكار مستقلة عن جهته ومقترحات التطوير، والغريب ان الثقافة لدينا انه يجب ان يكون من يقوم بالدراسة أجانب ويفضل ممن يحمل جنسيات غربية ولو كان عربياً او آسيوياً!
والمؤسف اننا نجد ان من يقوم بجمع المعلومات ويحصل على الأفكار والمقترحات يحصلون على اضعاف رواتب مسؤولينا وأصحاب الفكر المتخصص ممن بذل جهودا كمسؤول او بطرح أفكاره في لقاءات وورش عمل ومقالات لم يتم سماعها لتنفيذ مشروع مهم او ايصال مقترحاته لحل مشاكل وإيقاف هدر او تطوير الأداء وزيادة الربحية، والتي ستكون مبهرة ويتم الإصرار على تبنيها وتنفيذها عندما يعاد تصديرها لنا من اجانب لكون «زامر الحي لا يطرب».
ومايهمنا انه مع فقد من أوكلت اليه مهمة الدراسة للمعرفة الدقيقة لمجتمعنا وجوانب نشاط ومهمة الجهة الخدمية او الربحية ووضوح ذلك عليهم اثناء القيام بالدراسة ومع انكشاف حقيقة المصدر الوطني للنتائج والتوصيات التي تقدمها لشركاتنا وجهاتنا المكاتب الاستشارية الاجنبية بتقاريرها، اصبحنا نخشى من توصيات اجتهاديه لا تستند لحقائق او تأخذ في الاعتبار النظرة الشمولية والتبعات السلبية لها، ويكون الهدف منها تجاوز الضغط النفسي بالخروج بتوصيات غير مألوفة ولم تنجح دوليا بالقطاعين العام والخاص، ولنبحث بعد نتائج تطبيقها عن منقذ وطني لإصلاح الخلل مجانا، وسيكون ثمن الحصول على الأفكار الوطنية كحلول فاعلة هو فقط منحنا الثقة لكفاءات سعودية مخلصة حقاً بدلا من صرف الملايين لمن يبيع لنا افكارهم.
نقلا عن الرياض