تناولت في المقال السابق العلاقة القوية بين أسعار النفط العالمية، ومؤشرات أسواق الأسهم الإقليمية ومنها مؤشرات بورصة قطر، وكيف أن هذه المؤشرات قد عادت إلى الانتعاش بعد أن ارتدت أسعار النفط من مستوى القاع الذي وصلت إليه في الأسبوع الثالث من يناير الماضي.
ومع نهاية الأسبوع الماضي كان سعر نفط الأوبك يتجاوز مستوى 36 دولارا للبرميل، في الوقت الذي تمكن فيه مؤشر بورصة قطر من الصعود ثانية فوق مستوى 10400 نقطة، وارتفع مؤشر داو جونز إلى أكثر من 17400 نقطة.
وقد وصلت الأسواق إلى هذه الدرجة من التحسن والاستقرار بعد أن أدت الأسعار المنخفضة للنفط إلى تراجع معدلات الإنتاج من دول خارج الأوبك، مع تحسن الطلب عليه من ناحية، ووصول 15 من المصدرين من الأوبك وخارجها إلى اتفاق على عقد اجتماع لهم في الدوحة في منتصف أبريل القادم لبحث مسألة تثبيت معدلات الإنتاج.
فإلى أي مدى يمكن أن تنجح هذه الجهود في دعم استقرار أسعار النفط في عام 2016؟ وإلى أي مستوى يمكن أن ترتفع أسعار النفط في حال خروج اللقاء المنتظر باتفاق حول التثبيت؟
يمكن القول بداية إن فُرص النجاح قائمة وممكنة، انطلاقًا من أمرين:
أولهما أن الهدف المُعلن للاجتماع هو إقرار اتفاق على تثبيت معدلات الإنتاج عند المستويات التي كانت عليها في يناير الماضي، ولا يتطرق بالتالي إلى هدف خفض المعدلات.
وفي حين يؤدي التخفيض إلى التأثير بقوة في ميزان العرض والطلب، ويعمل بالتالي على إحداث رفع سريع للأسعار، فإن التثبيت يُرسل رسالة إلى الأسواق مفادها أن فائض المعروض سيتراجع، وأن مصيره إلى زوال في المستقبل، وذلك ما يحافظ على استقرار الأسعار، ويلغي مبررات انخفاضها من جديد.
والاتفاق على التثبيت أقل كُلفة من التخفيض، باعتبار أن معظم المنتجين كانوا ينتجون في يناير بطاقاتهم القصوى، وليس لديهم طاقات فائضة يمكن استغلالها باستثناء عدد قليل من الدول أهمها السعودية، وإيران التي تسعى لرفع إنتاجها بعد رفع الحظر الأمريكي عنها.
وثانيهما أن الدول التي ستجتمع في الدوحة، وعددها 15 دولة يشكل إنتاجها ما نسبته 73% من الإنتاج العالمي للنفط، ما يعني أن بقية المنتجين ونسبة إنتاجهم 27% فقط لن يؤثروا بالقدر الكافي في ميزان العرض والطلب.
ومن هذه المجموعة غير المشاركة في الاجتماع، إيران التي لديها فعليا طاقات إنتاجية غير مستغلة، ولكنها تحتاج إلى أموال كثيرة لتطوير الحقول وتجهيزها، وهو الأمر غير المتاح في ظل انخفاض أسعار النفط من ناحيةٍ وشحّ السيولة لديها، وخاصة وأنها تخوض حروبا مكلفة من ناحية أخرى.
وقد رأينا أن شح السيولة قد ضغط على روسيا لتسحب قواتها من سوريا بعد أن كلفتها عملياتها القتالية هناك في 6 أشهر قرابة نصف مليار دولار.
وذكرت تقارير أمريكية أن شح السيولة لدى الصين قد دفعها إلى بيع جانب من السندات الأمريكية لديها لضخها في الاقتصاد الصيني لوقف تراجع نموه.
على ضوء ما تقدم يمكن القول إن لدى الاجتماع القادم فرصة طيبة للنجاح، وليس من مصلحة بقية المصدرين غير المشاركين إفشال هذا التوجه، باعتبار أنه يعمل لصالحهم أيضا دون أن يكلفهم شيئا. ولكن إلى أي مدى يمكن أن يساهم النجاح المنتظر في رفع أسعار النفط عن مستوياتها الراهنة؟
تتوقف الإجابة عن هذا السؤال على عدة عوامل أخرى منها مدى اطراد التحسن في جانب الطلب على النفط نتيجة انخفاض الأسعار إلى أقل من نصف ما كانت عليه قبل عامين عندما كانت مستقرة فوق مائة دولار للبرميل، وعلى مدى توالي خروج المزيد من منتجي النفط الصخري والمنتجين بتكلفة مرتفعة من النشاط نتيجة ما أصابهم من خسائر، ومن حيث المبدأ يمكن القول إن هناك فرصة لارتفاع سعر نفط الأوبك إلى 45 دولارا للبرميل، وارتفاع سعر نفط برنت إلى أكثر من 50 دولارا للبرميل، في ظل الظروف والأوضاع الطبيعية.
وبالطبع هناك احتمال لارتفاع الأسعار إلى أكثر من ذلك، إذا ما حدث أي توقف للإنتاج من مناطق الإنتاج الرئيسية في العالم.
على أن استمرار فائض المعروض العالمي من النفط في الشهور القادمة لن يسمح بارتفاع الأسعار بقوة إلى أكثر من خمسين دولارا للبرميل، ولو حدث ذلك في أي وقت، فإنه سيوفر أجواء جديدة تضغط باتجاه انخفاض الأسعار من جديد.
نقلا عن الشرق القطرية