في بداية الثمانينات الميلادية بدأ استخدام مصطلح الخصخصة ((Privatization))، ثم انتشر بعد ذلك في دول العالم، ويمكن توضيح الخصخصة بأنها تحويل القطاعات الاقتصادية والخدمات الاجتماعية التي لا ترتبط بالسياسة العليا للدولة، من القطاع العام إلى القطاع الخاص.
بحيث تقوم الدولة بالإشراف على الأمور السياسية والإدارية والأمنية والاجتماعية التي ترتبط بسياستها العليا, وإسناد البقية للقطاع الخاص.
ود تكون الخصخصة ببيع أصول مملوكة للدولة إلى القطاع الخاص، كما تكون بتوقفها عن تقديم خدمات كانت تقوم بها ليكون الاعتماد على القطاع الخاص في تقديم تلك الخدمات.
وقد طبقت الخصخصة في دول متقدمة ونجحت مثل بريطانيا واليابان، بينما لا تزيد نسبة عمليات البيع في دول العالم النامية عن 12% من جملة الخصخصة في العالم.
وقد كان من أسباب نجاح التجربة البريطانية أنها متدرجة وانتقائية فلم تتعدَّ عمليات الخصخصة أصابع اليد خلال حكومة المحافظين التي تبنّت هذه السياسة في عهد رئيسة الوزراء مارجريت تاتشر.
وفي المملكة العربية السعودية طبقت الحكومة صورا رائعة من إشراك القطاع الخاص، عن طريق إعطاء شركة خاصة الحق ببناء وإدارة المشروع لمدة معينة عبر عقد BOT، وهو اختصار للكلمات ( Build, Operate Transfer).
ويكون العائد للحكومة من الرسم السنوي المدفوع من الشركة التي تدير المشروع إضافة إلى انتقال ملكية المشروع بما عليه إلى الحكومة إذا انتهى العقد.
كما طبقت الخصخصة التي تعني بيع الحصص للجمهور، انطلاقا من قرار مجلس الوزراء رقم (60) الصادر بتاريخ 1/4/1418هـ، والمعدل بقرار مجلس الوزراء رقم (257) في 11/11/1421هــ، وقد بين القرار أهداف التخصيص وهي رفع كفاءة الاقتصاد الوطني وزيادة قدرته التنافسية لمواجهة التحديات والمنافسة الإقليمية والدولية. وتعزيز الكفاءة الاقتصادية من خـلال إخضاع المشاريع لقوى السوق.
إضافة إلى دفع القطاع الخاص نحو الاستثمار والمشاركة الفاعلة في الاقتصاد الوطني وزيادة حصته في الناتج المحلي بما يحقق نمواً في الاقتصاد الوطني، وتوسيع نطاق مشاركة المواطنين في الأصول المنتجة في المنشآت والمشاريع العامة من خلال استخدام أسلوب الاكتتاب العام في التخصيص والذي يعتبر أهم أساليب التخصيص في تطوير سوق رأس المال المحلي.
كما يستهدف تشجيع رأس المال الوطني والأجنبي للاستثمار محلياً إضافة إلى تطوير سوق المال وإيجاد آليات جديدة لتعبئة رأس المال وجذب رؤوس الأموال الوطنية الموجودة في الخارج، وجذب رؤوس الأموال الأجنبية ومدخرات المقيمين في المملكة، وزيادة فرص العمل والتشغيل الأمثل للقوى الوطنية العاملة ومواصلة تحقيق زيادة عادلة في دخل الفرد.
وقد وضع المجلس الاقتصادي الأعلى قائمة تضم 20 من المرافق وأنواع النشاط والخدمات المستهدفة بالتخصيص ، وتتحدد نوعية وحجم وتوقيت هذه المشاركة طبقاً للاستراتيجية وأهمها المياه والصرف الصحي وتحلية المياه المالحة، والاتصالات، والنقل الجوي وخدماته والخطوط الحديدية والطرق مثل إدارة الطرق السريعة القائمة التي لها بدائل وتشغيلها وصيانتها وإنشاء طرق سريعة جديدة وتشغيلها بالإضافة إلى خدمات المطارات وخدمات البريد وصوامع الغلال ومطاحن الدقيق وخدمات الموانئ وخدمات المدن الصناعية وحصص الدولة في الشركات المساهمة وحصصها في مصافي البترول المحلية ورؤوس أموال شركات الاستثمار العربية والإسلامية المشتركة.
وكذلك الفنادق الحكومية والأندية الرياضية وخدمات بلدية مثل إنشاء المسالخ وتشغيلها وإنشاء أسواق النفع العام ومراكز البيع وتشغيلها وإنشاء الحدائق والمتنزهات وتشغيلها وصيانتها وخدمات النقل والحركة وتحصيل الإيرادات البلدية وخدمات النظافة والتخلص من النفايات، والخدمات التعليمية مثل إنشاء المباني التعليمية وصيانتها و طباعة الكتب التعليمية والنقل المدرسي والإسكان الطلابي وتأجير مرافق المدارس والجامعات وتشغيلها.
والخدمات الاجتماعية مثل إدارة مؤسسات خدمات الرعاية الاجتماعية وتشغيلها وخدمات توظيف السعوديين في القطاع الخاص .
والخدمات الزراعية مثل خدمات المحاجر الصحية ومختبرات التشخيص والعيادات البيطرية . و الخدمات الصحية مثل إقامة المنشآت الصحية وتشغيلها وخدمات نقل المرضى.
ونحن اليوم في نقطة تحول وطنية بزيادة إشراك القطاع الخاص عبر برنامج التحول الوطني الذي يقوده صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان، أسأل الله أن يكلل جهوده بالنجاح.
ومن الجهات المقترحة للبدء بها في الخصخصة:
1- الخطوط السعودية، وقد نجحت ماليزيا في خصخصة خطوطها الجوية، وساهم ذلك في رفع مستواها وزيادة الشفافية فيها، ولا أعلم مبررا في تأخر الخطوط السعودية عن ركب الخصخصة.
2- النوادي الرياضية، فهي عالة على الحكومة مع إمكانها استغلال ما لديها من إمكانيات للاكتفاء عن الدعم الحكومي، بتقليل البذخ في شراء اللاعبين، والاعتماد على الطاقم التدريبي الخارجي بباهظ العقود دون جدوى، وقد آن الأوان لخصخصتها.
3- إسناد إدارة المستشفيات للقطاع الخاص، بحيث تتحمل الدولة علاج المواطنين، ببطاقات تأمين تكافلي طبي.
4- إسناد نظافة وصيانة الحدائق والمهرجانات السياحية للقطاع الخاص بحيث يحصل على أجرته بحقوق استثمار نوافذ البيع داخل الحدائق، وتحصيل رسوم رمزية للدخول.
5- مخالفات المرور، فلو أسند تحصيل مخالفات الوقوف الخاطئ، والتجاوز الخطر، وغيرها من مخالفات المرور للقطاع الخاص لرأينا تغيرا كبيرا في الالتزام بنظام المرور، مع التأكيد على أهمية الرقابة على القطاع الخاص المشغل حتى لا يظلم بريء تطلعا من المشغل لتكثير المخالفات.
6- مخالفات البلدية ووزارة التجارة، وهذا معمول به في الكثير من الدول، وأثبت نجاحا باهراً.
والخصخصة الفاعلة تكون باتباع الخطوات الآتية فهي:
1- تصنيف المؤسسات العامة بحسب مستوى الأداء الاقتصادي والمالي بحيث يبدأ بالمنشآت ذات الأداء الممتاز.
2- أعادة هيكلة المنشآت المراد خصخصتها عبر إصلاح البيئة التنظيمية للمنشأة داخليا بتعديل نظامها الداخلي وسياساتها وأدلة إجراءات العمل، وخارجيا بتعديل الأنظمة (القوانين) التي للمنشأة علاقة بها ، وتقوية الجانب الرقابي في المنشأة، كما يشمل ذلك اختيار الإدارة المناسبة للمنشأة في مرحلة التخصيص، وإعادة الهيكلة المالية والإدارية، ومعالجة الترهل الوظيفي قبل نقل الملكية، بإعطاء مكافآت مغرية لترك الخدمة، وتمليك الموظفين نسبة من أسهم الشركة، إذ من أهم المخاوف من عملية الخصخصة تخوف موظفي القطاع العام من التسريح القسري، ويمكن تطمينهم بإعطائهم أولوية في شراء أسسهم القطاع الذي يعملون فيه كما في تجربة بريطانيا عندما باعت مؤسسة فريت الوطنيـة 82% من أسهمها إلى العمال السابقين والجدد، فيخف على المنشأة المراد خصخصتها الضغط بخروج الموظفين الزائدين عن الحاجة بالشيكات الذهبية أو منحهم أسهما في المنشأة أو إعطائهم أولوية في شراء الأسهم قبل طرحها للاكتتاب العام.
3- التقييم، ومهما كان التقييم من بيوت خبرة قوية إلا أن السوق في النهاية هو الحكم، وينصح ببيع جزء من الأسهم في السوق ، لمعرفة قيمتها الحقيقية.
4- نقل الملكية عبر البيع من خلال سوق الأوراق المالية وهو المفضل لكونه يوسع قاعدة المستفيدين من تحويل الملكية، وإتاحة الفرصة لتطوير الشركة واستمرارها.
إننا بحاجة إلى تكامل الجهود للحصول على أفضل النتائج من عمليات الخصخصة، بمشاركة المختصين في القانون يدا بيد مع أهل الاقتصاد والمالية والمحاسبة، وأنا على ثقة بأن النجاح سيكون حليف الوطن في إرادة التحول إلى مزيد من النجاح والتنوع في مصادر الدخل.