تفاوت كبير في عائدات «الربيع العربي»

11/02/2016 1
عامر ذياب التميمي

مضت خمس سنوات على بداية حركات التمرد والثورة في العالم العربي انطلاقاً من سيدي بوزيد في تونس والتي نتجت عنها تغيرات سياسية في تونس ومصر واليمن وليبيا وحرباً أهلية في سورية.

ما من شك في أن تلك الحركات كانت نتاجاً لحال الجمود السياسي والاقتصادي في تلك البلدان وانسداد آفاق التغيير الطبيعي باتجاه حياة أفضل وأنظمة سياسية أكثر تمثيلاً للشعوب.

لكن بعد مرور هذه السنوات الخمس كيف يمكن أن نقوّم الأوضاع الاقتصادية؟

غني عن البيان أن الأوضاع السياسية والأمنية لا تزال غير مستقرة، وإنْ تفاوت الأمر بين بلد وآخر.

تونس تمكنت من إنجاز توافق مجتمعي وأقرت دستوراً وأنتخبت رئيساً وبرلماناً وتمثلت القوى السياسية في البرلمان بنسب مختلفة وشكلت حكومة ائتلافية عريضة، لكن الأوضاع الأمنية فيها لا تزال غير مريحة، إذ تعاني البلاد عمليات إرهابية بين الفترة والأخرى، كما انخرط تونسيون في أعمال إرهابية خارج البلاد، خصوصاً في ليبيا وسورية.

مصر أيضاً تمكنت من إنجاز الدستور الرئيسي، وأخيراً البرلمان، وإن كان العديد من المراقبين السياسيين غير مقتنعين بحيوية المتغيرات المحققة بما يتناسب مع التحول الديموقراطي المنشود.

أما اليمن وليبيا وسورية، فهناك حال من عدم الاستقرار وانعدام الأمن واستمرار الأعمال العدائية وتزايد التطرف والإرهاب.

ولذلك، فإن الأوضاع الاقتصادية لا يمكن أن تكون واعدة،أو ستؤدي إلى إيجاد بيئة أعمال واستثمار تعزز الانتعاش أو التحسن في الأوضاع المعيشية.

وإذا راجعنا أوضاع البلدان الخمسة، مصر وتونس وليبيا واليمن وسورية، نجد أن كتلة سكانية مهمة تقطن فيها وتمثل نسبة مهمة من سكان العالم العربي.

يقدر عدد سكان هذه البلدان بـ151 مليون شخص، أي 42 في المئة من إجمالي سكان العالم العربي البالغ عددهم 366 مليون شخص.

أما الناتج المحلي الإجمالي للبلدان الخمسة المذكورة، فبلغ عام 2014 ما يربو على 490 بليون دولار أو 17 في المئة من إجمالي الناتج المحلي الإجمالي لكل البلدان العربية.

في المقابل تتواضع الحياة الاقتصادية في بلدان «الربيع العربي» وتتدنى مستويات المعيشة في غالبيتها، خصوصاً مصر وتونس واليمن.

وواضح أن المواطنين في البلدان العربية المشار إليها انتفضوا، ليس فقط من أجل التحول الديموقراطي وتأسيس حياة سياسية تعزز المشاركة وترتقي بكرامة البشر، بل أيضاً من أجل تحسين الأوضاع المعيشية وتطوير إمكانيات توليد فرص عمل وتوسيع مجالات النشاط الاقتصادي.

ما حدث حتى الآن تطورات سلبية منقطعة النظير، على الأقل في الجانب الاقتصادي، إذ تراجعت فرص العمل وتعطلت أعمال قطاعات حيوية وتدنت المداخيل من التعامل مع العالم الخارجي وأصيبت الموازنات الحكومية بحالات عجز غير مواتية، وتراجعت أسعار صرف العملات الوطنية نتيجة لتلك التطورات السلبية في الحياة الاقتصادية.

مصر وتونس لم تتمكنا من إنعاش السياحة التي تمثل قطاعاً أساسياً في منظومة العمل الاقتصادي في البلدين، والسياحة التي تدر عائدات مهمة لاقتصاد أي من البلدين تقدّم كذلك فرص عمل لأعداد كبيرة من قوة العمل.

والسياحة قطاع حساس جداً يتأثر بأدنى الأحداث السياسية والأوضاع الأمنية، لذلك ليس مستغرباً أن تتراجع وفود السياح إلى كل من مصر وتونس بعد الحوادث الدامية التي جرت في البلدين خلال السنوات الماضية.

وحتى لو تحسنت الأوضاع الأمنية وطبقت المؤسسات الأمنية إجراءات مقنعة لاستعادة الأمن فإن كثيراً من الوكالات السياحية في البلدان الأوروبية أو الولايات المتحدة أو اليابان وبلدان شرق آسيا ستأخذ جانب الحذر بعد متابعات حثيثة لأوضاع البلدين حتى تكوّن قناعات واضحة وتطمئن جمهور السياح في بلدانها.

وإذا كانت السياحة كقطاع الأكثر تضرراً، فإن قطاعات حيوية أخرى تعطلت أعمالها في السنوات الماضية نتيجة لاضطراب الحياة السياسية، ومن أهم تلك القطاعات الصناعات التحويلية والتوزيع السلعي.

أما ليبيا، وهي بلد منتج ومصدر للنفط فعانت كثيراً تدهور الأوضاع الأمنية وانخفضت صادراتها من النفط الخام بما أدى إلى تراجع مداخيل البلاد، ولا يُتوقَّع أن تنتعش اقتصاديات البلاد قبل التوافق السياسي وسيطرة حكومة مركزية تحظى بدعم من مختلف التيارات السياسية الفاعلة على مراكز إنتاج النفط وتصديره.

سورية تعاني اقتتالاً أهلياً واسع النطاق وتدخلات خارجية واستقطابات سياسية وتعطلت الحياة في شكل عام في غالبية مناطق البلاد.

وتواجه سورية تراجعاً كبيراً جداً في إنتاج النفط وتصديره وتخريباً شاملاً للمنشآت الاقتصادية، وهروباً جماعياً للكفاءات البشرية والأيدي العاملة ذات القدرات المهنية. ولا بد من أن تتطلب البلاد ضخ أموال كبيرة من أجل إعادة البناء وتحسين ظروف الحياة المعيشية بعد صمت المدافع.

أما اليمن، وهو من البلدان الفقيرة أساساً، فهو في خضم صراع فاقم المعاناة المعيشية وأدى إلى توقف الأعمال الاقتصادية في شكل كبير، وهي أوضاع لا يمكن أن تسمح باستئناف أي نشاط اقتصادي قبل التوصل إلى معالجات سياسية واضحة توقف الصراع.

نقلا عن الحياة