التنظيم المصرفي في المملكة.. أما آن له أن يعدل؟

10/02/2016 0
د. عبد العزيز بن سعد الدغيثر

تعد التنظيمات المصرفية في المملكة العربية السعودية قديمة نسبيا، فقد صدر نظام مراقبة البنوك الذي صدر بموجب المرسوم الملكي رقم م/5 وتاريخ 22/2/1386 هـ، وقد تطورت البنوك وتنوعت أعمالها، ولذا فإن الكثير من المختصين يرون أنه قد آن الأوان لإعادة إصدار تنظيم جديد، وفي هذا المقال الذي يميل للتخصصية أكثر من كونه عاما بيان للواقع المصرفي المحلي.

وفي البداية لا بد من معرفة المقصود بالبنك، إذ تختلف التعريفات في تحديد مفهوم البنك، وإن كان مؤداها واحداً (1).

وقد استقر القضاء على أن البنك هو الشخص الذي يتلقى الودائع النقدية من الجمهور ويتصرف فيها لحساب نفسه لا لحساب غيره (2).

 وفي الأنظمة السعودية يقصد باصطلاح (بنك) أي شخص طبيعي أو اعتباري يزاول في المملكة أي عمل من الأعمال المصرفية بصفة أساسية.

 ويقصد باصطلاح (الأعمال المصرفية)  أعمال تسلم النقود كودائع جارية أو ثابتة ، وفتح الحسابات الجارية وفتح الاعتمادات وإصدار خطابات الضمان ودفع وتحصيل الشيكات أو أذونات الصرف وغيرها من الأوراق ذات القيمة ، وخصم السندات والكمبيالات وغيرها من الأوراق التجارية ، وأعمال الصرف الأجنبي ، وغير ذلك من أعمال البنوك(3).

والبنوك في الواقع المحلي تختلف منطلقاتها حسب رغبة مجالس الإدارات، فمن البنوك من ينتهج الطريقة التقليدية الغربية، ومنها بنوك اصطلح على وصفها بالبنوك الإسلامية، لكونها تنطلق من البعد عن الربا والميسر وكل سبيل محرم.

وتوضيحا لذلك؛ فإن البنك التقليدي وفقاً لنظامه القانوني يقوم أساسا على تجميع المدخرات من وحدات الفائض وتقديمها إلى وحدات العجز على أساس الفائدة أخذاً وإعطاء والمصرف الإسلامي يقوم في نشاطه على أساس من قاعدتي الخراج بالضمان والغرم بالغنم أي الربح والخسارة ومن ثم فالمصرف الإسلامي مضارب أصلاً ويضارب تبعاً (4).

ولذا تتجه الكثير من الدول التي تسمح بازدواج النظام البنكي إلى الإذن للبنوك الإسلامية بممارسة ما تمنعه على البنوك التقليدية، وبناء على ما تقدم فإن التمويل المباشر لعمليات البيع والشراء والاستيراد والتصدير والزراعة والصناعة والتعدين .....الخ .

محظور قانوناً في تلك الدول على البنوك التجارية التقليدية ومقتضى هذا الحظر أنه لا يجوز لأي بنك تقليدي مرخص له أن يعمل منفرداً أو مشتركاً في تجاره الجملة أو التجزئة أو في الاستيراد والتصدير وتملك المعدات والآليات واستئجارها وإعادة تأجيرها للغير أو إدارة وتملك الشركات أو تملك أسهم البنوك أو إدارة الإصدارات الأولية من الأسهم والسندات وتعهد تغطيتها (5).

وقد ورد تعداد الأعمال المصرفية في نظام مراقبة البنوك بأنها:

أعمال تسلم النقود كودائع جارية أو ثابتة، وفتح الحسابات الجارية وفتح الاعتمادات وإصدار خطابات الضمان ودفع وتحصيل الشيكات أو أذونات الصرف وغيرها من الأوراق ذات القيمة، وخصم السندات والكمبيالات وغيرها من الأوراق التجارية، وأعمال الصرف الأجنبي، وغير ذلك من أعمال البنوك (6).

وبالنظر في الأعمال المصرفية التي تمثل الوظيفة الأساسية للمصارف، نجد أنه يمكن تقسيمها إلى ثلاثة أنواع، وبيانها فيما يأتي.

النوع الأول: الأعمال الخدمية:

هذا النوع يتعلق بالنواحي الخدمية التي يقدمها المصرف لزبائنه والمتعاملين معه بالأجر، وهو ليس من باب الأعمال التي تدخلها الفائدة في العادة، ويشمل الأعمال الآتية: 

1-قبول الودائع الجارية – تحت الطلب – وحفظها لأصحابها، ويحق للمصرف أن يأخذ على هذه الخدمة أجرة، وخاصة إذا كانت المبالغ المودعة قليلة، أما إذا كانت المبالغ كبيرة فإن المصارف في العادة لا تأخذ عليها أجرة، لأن المصرف - كما هو واقع الحال - يستفيد منها في إدخالها ضمن أموال الخزينة، واستثمارها والاستفادة منها، وهي في الغالب تمثل أكبر موارد المصارف. 

2-تحصيل الأوراق التجارية وهي الكمبيالات والسندات لأمر والشيكات. 

3-إصدار خطابات الضمان – المغطاة – أما المكشوفة فيدخلها التمويل فلا تعدُّ من الأعمال الخدمية.

4-الاعتمادات المستندية المغطاة.

5-ويلحق بهذا قيام المصرف بعمليات الصرافة، أي بيع وشراء العملات المختلفة بعضها ببعض بالتقايض المشترط شرعاً (7).

6-تأجير الصناديق الحديدية، وذلك لحفظ الأشياء الثمينة والصكوك ونحوها.

7-النقل المصرفي، (الحوالة).

النوع الثاني: التمويل الموافق للشريعة الإسلامية

وتشمل البيع التقسيط، وبيع المرابحة للآمر بالشراء، والتأجير التمويلي، والمشاركة المنتهية بالتمليك، والمضاربة، والسلم، والاستصناع وغيرها من أنواع البيع الشرعية.

النوع الثالث: أعمال الإقراض 

هذا النوع من التعامل المصرفي هو الذي تدخله الفائدة في الغالب ويطلق عليه منح الائتمان في العرف المصرفي، وقلنا في الغالب لأن هناك من القروض ما يكون بدون أي فائدة محرمة شرعاً. وفيما يلي أغلب أنواع هذا النوع وأظهرها: 

1- الفوائد المدفوعة من المصارف، على المبالغ المودعة لديها.

2- الفائدة على القرض النقدي المباشر.

3- الاعتمادات المصرفية – والاعتماد المصرفي كما يعرفه د. محمد شفيق (معاصر) هو:

" عقد بين بنك وعميل، يتعهد فيه البنك بوضع مبلغ معين تحت تصرف العميل، خلال مدة معينة "، ولأنه عقد يضع البنك بموجبه مبلغا محددا من المال تحت تصرف العميل بحيث يسحبه العميل دفعة واحدة أو على عدة دفعات متعددة، أثناء المدة الزمنية المقررة لسريانه، فإنه والحال هذه، بالإضافة إلى كون هذا المبلغ المسموح للعميل بسحبه بموجب هذا العقد لا تستحق عليه فوائد إلا فيما يسحب منه بالفعل ومن تاريخ السحب، فإنه لهذين الأمرين يمثل الوسيلة الملائمة للعمل التجاري بعكس القرض المباشر الذي تستحق عليه فوائد من حين أخذه، ولو لم يستفد منه في وقته.

4- الفائدة –على خصم الأوراق التجارية (الكمبيالات والسندات لأمر)، القابلة للتداول، وقد عرفوا الخصم بأنه " اتفاق يعجل به البنك الخاصم، لطالب الخصم قيمة ورقة تجارية، أو سند قابل للتداول، أو مجرد حق أخر مخصوم منها مبلغ يتناسب مع المدة الباقية، حتى استيفاء قيمة الحق عند أجل الورقة، أو السند، أو الحق، وذلك في مقابل أن ينقل طالب الخصم إلى البنك هذا الحق على سبيل التمليك، وأن يضمن له وفاءه عند حلول أجله".

وعملية الخصم هي على القول الراجح في تكييفها الشرعي من قبيل القرض بفائدة. وليست من قبيل حوالة الحق لعدم تساوى الدين المحال به والمحال عليه – وذلك شرط لصحة الحوالة. 

كما أنها ليست من قبيل بيع الدين الثابت بالأوراق المخصومة لأن بيع الدين لغير من عليه الدين يلزم فيه التقابض، وعدم التفاضل.

ولو نظرنا إلى هذه الأعمال، نجد أن إعادة تنظيم البنوك سيسمح بمجالات استثمارية هائلة، بتفكيك هذه الأعمال ومنح تراخيص لمنشآت تمارس بعض هذه الأعمال، ولا يشترط أن يكون البنك شمولياًّ، لأن الشروط الصارمة لإنشاء البنوك في المملكة كونت واقعا احتكارياًّ قد لا يكون في صالح الوطن ولا المواطن، والذي يفتح المجال لاستثمار الأموال بعد ضيق أوجه الاستثمار؛ البحث عن مجالات لاستيعاب هذه الأموال بفتح تراخيص للبنوك المتخصصة، وأهم شيء تحقق عناصر المؤسسة البنكية الثلاثة، وهي أن البنك مؤسسة، ويتصف البنك بكونه تاجرا يتلقى الأموال من الجمهور.

فيشترط في المصرف أن يكون مؤسسة أي مشروعا، تحت إدارة رئيس وبواسطة أشخاص، فلا يصح أن يكون مؤسسة فردية، وغالب القوانين تشترط أن يكون تأسيس البنك على أنه شركة مساهمة (8).

وأما في المملكة العربية السعودية فأول شروط الترخيص لبنك وطني أن يكون شركة مساهمة سعودي (9).

وقد أشارت الفقرة "و" من المادة الخامسة من قانون التجارة الجديد المصري الصادر سنة 1999م إلى أن عمليات البنوك والصرافة تعدُّ أعمالا تجارية بحكم ماهيتها الذاتية.

وكون البنك تاجر هو ما قررته القوانين التجارية العربية والمقارنة (10).

ويترتب على ذلك خضوعه للقانون التجاري وما يلزم التاجر من مسك الدفاتر والاختصاص القضائي في المنازعات ونحو ذلك.

وتجارية أعمال البنوك إنما هو باعتبار عمل البنك، وأما بالنسبة للعميل فإن عملياته مع البنك تعتبر مدنية إلا إذا توفرت فيه شروط العمل التجاري بالتبعية (11).

وأهم شرط هو أنه يشترط في البنك أن يتلقى الأموال من الجمهور. وقد انتقد بعض الشراح المنظم السعودي في تعداده للأعمال المصرفية، وسبب هذا الانتقاد هو أن العمل الرئيس للبنك هو تسلم النقود كودائع ثابتة أو جارية واستعمالها في عمليات الائتمان (12).

إن الذي أراه جديرا بالنظر من الجهة المنظمة هو أن تعاد صياغة النظام المصرفي في المملكة بما يسمح بتعدد البنوك حسب نشاطها، وتسهيل إجراءات فتح البنوك مع الأخذ في الاعتبار حماية أموال المودعين وتطبيق الأنظمة الأمنية الاحترازية بصرامة، وهذا ما سيخلق فرصا كبيرة للتوظيف للكم الهائل من أبنائنا الخريجين وسيوجد فرصا استثمارية كبيرة للسيولة الهائلة الحائرة من هبوط سوق الأسهم المتكرر وركود العقار.

____________________________________

(1) ولم يرد تعريف للبنك في قانون التجارة المصري الجديد الصادر سنة 1999م ولا تحديد لعمليات البنوك وترك ذلك كله للعرف المتطور والذي يتسع لعمليات جديدة مبتكرة موسوعة أعمال البنوك للدكتور عبدالفتاح مراد ص 21.

(2) موسوعة أعمال البنوك للدكتور عبدالفتاح مراد ص 21.

(3) المادة 1 من نظام مراقبة البنوك الذي صدر بموجب المرسوم الملكي رقم م/5 وتاريخ 22/2/1386 هـ.

(4) تقييد الرجوع للقوانين في العقود واللجوء  للتحكيم إلى الهيئات الشرعية للدكتور عبدالحميد البعلي ص 12.

(5) انظر المادة 66 من القانون رقم 32 لسنة 68 في شأن النقد وبنك الكويت المركزي والمهنة المصرفية وتعديلاتها.

(6)  المادة 1 من نظام مراقبة البنوك الذي صدر بموجب المرسوم الملكي رقم م/5 وتاريخ 22/2/1386 هـ.

(7) انظر أيضا دراسة شرعية لأهم العقود المالية المستحدثة للدكتور محمد الشنقيطي 1/256، ولم يذكر الاعتمادات المستندية ولا خطابات الضمان، وسبب الخلاف أن الاعتمادات المستندية وخطاب الضمان إذا كانا بغطاء فإنه يدخل في أعمال الخدمات البنكية، وأما إذا كانا بدون غطاء فإنهما يدخلان تحت التسهيلات البنكية. وانظر أيضا :

بنوك تجارية بدون ربا للدكتور محمد الشباني ص 72. د. على جمال الدين عوض، عمليات، البنوك من الوجهة العملية ص469، وباقر الصدر، البنك اللاربوى ص155. 

(8) موسوعة أعمال البنوك للدكتور عبدالفتاح مراد ص 11.

(9) نظام مراقبة البنوك م3.

(10) ورد في المادة العاشرة من قانون التجارة الجديد المصري الصادر سنة 1999م على أنه يعدُّ تاجراً:"2- كل شركة تتخذ أحد الأشكال المنصوص عليها في القوانين المتعلقة بالشركات أيا كان الغرض الذي أنشئت الشركة من أجله" وفي المادة 632 من قانون التجارة الفرنسي أن جميع عمليات الصرافة والبنوك والسمسرة هي أعمال تجارية موسوعة أعمال البنوك للدكتور عبدالفتاح مراد ص 11.

وأما ما ورد في نظام المحكمة التجارية السعودي الصادر سنة 1350هـ من تقرير تجارية أعمال الصرافة، فليس ذلك إلا خطأ في ترجمة النص الفرنسي، وأن الترجمة الصحيحة:

أعمال البنوك. ينظر: العقود التجارية وعمليات البنوك للجبر ص 215.

(11) العقود التجارية وعمليات البنوك للجبر ص 215.

(12) النظام البنكي في المملكة العربية السعودية للدكتور عبد المجيد محمد عبوده ص 25.