فتح رفع العقوبات الاقتصادية عن إيران الباب لعودتها لأسواق النفط بضخ 500 ألف برميل إضافي. ويبدو واضحاً أن سعر النفط في السوق استوعب بالفعل هذا العودة المتوقعة منذ أشهر. لذلك، وفي ظل التخمة الحالية في الأسواق، لا نتوقع أن يكون لهذه العودة أثر كبير في هذه المرحلة.
ولكن لوحظ خلال الأيام الأخيرة بدء تحرك أسعار النفط للأعلى مع بروز مؤشرات على ارتفاع الطلب الصيني. لذلك، نحن مع التوقعات التي تشير إلى ارتفاع أسعار النفط خلال العام الحالي، بعد تراجع من 66 دولاراً للبرميل إلى أقل من 38 دولاراً خلال عام 2015، ملامساً حدود 30 دولاراً. ويتوقع معظم المصادر، بما فيها منظمة «أوبك» أن يكون هذا التحسن مدعوماً بتباطؤ الإمدادات مع خروج منتجين من السوق، كذلك مواصلة تحسن أداء الاقتصاد الأميركي وبعده الاقتصادات الأوروبية ثم الناشئة ومن بينها الصين والهند، فضلاً عن تراجع الاستثمار العالمي في صناعة النفط.
وتؤكد هذه التوقعات دراسة لبنك «سوسييتيه جنرال» تشير إلى عودة التوازن بين عوامل العرض والطلب في بداية النصف الأول من السنة لكي يرتفع سعر برميل «برنت» ليصل إلى 50 دولاراً في النصف الأول من العام الحالي، ثم إلى 55 دولاراً في الربع الثالث، و60 دولاراً في الربع الرابع.
ويجب ألا ننسى أن تحسن قيمة الدولار الذي ترتبط به العملات الخليجية يعني أن قيمة هذه العملات سوف ترتفع أيضاً، وبالتالي قيمة إيراداتها الفعلية من النفط بالنسبة ذاتها، ما ينعكس إيجاباً على الحساب الجاري لهذه الدول. ويتوقع أن يؤدي التراجع المتوقع في النمو الاقتصادي للمنطقة العربية بشكل عام في المدى المتوسط، ودول الخليج بخاصة والتي تمثل إيراداتها النفطية أهم مصدر للسيولة في أسواقها، إلى آثار ملموسة على أداء المصارف العربية. لكن معظم سيناريوات أسعار النفط للعام 2016 كما ذكرنا تتوقع عودته للتحسن خلال العام 2016.
كما إن معظم الدول العربية تبنى نهجاً يحافظ على الإنفاق على مشاريع البنية التحتية والخدمات، وتركزت بنود ترشيد النفقات على برامج الدعم المعمم والنفقات الاستهلاكية، ما يخلق بيئة أكثر ملاءمة للمصارف العربية وبخاصة الخليجية.
لكن يظل تحدي انخفاض السيولة في الأسواق قائماً وله آثاره على المصارف، وتتمثل في تراجع نسب نمو الودائع والسيولة المتوافرة، وبالتالي استمرار التراجع في الائتمان المقدم إلى الاقتصاد خصوصاً، إذا تزايد لجوء الحكومات للاستدانة من البنوك، وكذلك استجابة بعض المصارف المركزية العربية لرفع سعر الفائدة الأميركية باتخاذ خطوات مماثلة.
ويرجح قيام بعض المصارف المركزية بضخ سيولة مباشرة في المصارف لتعويض التراجع في السيولة من الأسواق. ونشدد رغم تلك التوقعات، على أن القواعد الرأسمالية للمصارف العربية عموماً ستحافظ على متانتها، ولن تتأثر بالأوضاع الاقتصادية.
وتؤكد ذلك وكالة «موديز» للتصنيف الائتماني، إذ ترى أنّ الإنفاق العام سيواصل دعمه البنوك في دول مجلس التعاون الخليجي، ما يتيح بقاء المرونة في الأداء للعام الحالي.
أنّ النظرة المستقبلية للقطاع المصرفي الخليجي هذه السنة تتسم بالاستقرار. وعلى رغم موجة التراجع التي تسبب بها انخفاض أسعار النفط، يتوقع أن تسود بنوك دول مجلس التعاون الخليجي بيئة عمل داعمة وعلى نطاق واسع في العام الحالي بسبب التزام الحكومات بسياسات الإنفاق التي تعنى بمواجهة التقلبات الدورية.
وتتوقع وكالة «موديز» أن ينمو الائتمان بنسبة تتراوح بين 4 و10 في المئة، في وقت تتسبب القروض الجديدة للحكومة من البنوك المحلية بتعرض القطاع الخاص للتراجع، ما يساعد في دعم الربحية والهوامش.
أما الإيرادات الأساسية فستبقى قوية، وهي مدفوعة بالوساطة المصرفية مع الاعتماد الضئيل على المشتقات الائتمانية.
أما بالنسـبـــة إلى أن القطــاعات المصرفية العربية غير الخليجية، بخاصة في كل من لبنان والأردن ومصر والمغرب وفلسطين، فيتوقع أنها لن تواجه أخطاراً جدية خلال عام 2016 بسبب تأقلمها مع الأوضاع السياسية المضطربة، واعتمادها استراتيجيات محافظة، وتنويع محافظها الائتمانية، إضافة إلى الجهود الرقابية الكبيرة لتعزيز الاستقرار، ومنها على سبيل المثال الإجراءات المتعددة التي اعتمدها البنك المركزي المصري لوقف التلاعب بسعر صرف الجنيه ومكافحة السوق السوداء وزيادة احتياطات النقد الأجنبي.
وعلى رغم انكشاف بعضها على الديون السيادية بشكل كبير كحالة لبنان مثلاً، فلن يؤثر هذا الأمر على وضعها في المديين القصير والمتوسط بالحد الأدنى، بسبب الاستقرار السياسي والأمني والاقتصادي النسبي الذي تتمتع به حالياً.
لقد وجهنا دعوات الى الحكومات العربية، وندعوها مجدداً الى أن تمد يدها للمصارف العربية من أجل التعاون والتنسيق بشكل أوثق لمواجهة هذه التحديات، بخاصة أن المصارف العربية تمتلك إمكانات وموارد كبيرة تؤهلها للعب دور أكبر في مواجهة تلك التحديات، على أن تبادر الحكومات العربية بفتح كل قنوات الحوار والتنسيق والتعاون مع المصارف العربية بهدف التوصل إلى طريق مشترك وموحد، تتمكن فيه من أداء دورها على الوجه الأفضل لمواجهة تلك التحديات خلال المرحلة المقبلة.
نقلا عن الحياة