مؤشرات متناقضة للنمو العالمي

04/02/2016 0
عامر ذياب التميمي

تزامنت بداية هذا العام مع تطورات صعبة للأوضاع الاقتصادية في العالم، إذ استمر الانخفاض في أسعار النفط ليتأرجح بين 20 و30 دولاراً للبرميل، كما تراجعت مؤشرات أسواق المال بنسب تتراوح بين ثلاثة وخمسة في المئة، ما أفقد المستثمرين جزءاً مهماً من توظيفاتهم في الأدوات. لكن كيف تُفسَّر هذه التطورات في الحياة الاقتصادية؟

على رغم تحسن أداء الاقتصاد في الولايات المتحدة، واستمرار قدرته على إيجاد وظائف جديدة بمعدلات جيدة (نحو 200 ألف وظيفة جديدة شهرياً)، وارتفاع ثقة المستهلكين وانخفاض مستويات العجز في الموازنة الفيديرالية والميزان التجاري، واجهت أسواق المال تراجعات مهمة بداية هذا العام.

ويذكر اقتصاديون أن الأسواق المالية لم ترتح لقرار مجلس الاحتياط الفيديرالي برفع سعر الحسم خلال كانون الأول (ديسمبر)، لافتين إلى أن الاقتصاد الأميركي لا يزال في حاجة إلى سياسات نقدية أكثر تساهلاً وأسعار فائدة منخفضة لتعزيز النشاط في مختلف القطاعات الحيوية.

ويواجه قطاع النفط تراجعاً غير مسبوق في الأسعار دفع كثيراً من الشركات النفطية إلى مراجعة نشاطاتها وخططها الاستثمارية والاستغناء عن أعمال العديد من الشركات المساندة في عمليات الحفر والتنقيب، والعديد من العاملين. ولا شك في أن تمويل قطاع الطاقة من المصارف أصبح قيد التدقيق والمراجعة.

ولا يزال الاقتصاد الأوروبي في العناية المركزة، إذ يحاول المصرف المركزي الأوروبي والمفوضية الأوروبية معالجة أزمة الديون السيادية في اليونان وعدد آخر من البلدان الأوروبية.

ولم يتعافَ النظام المصرفي الأوروبي تماماً. يمثل سكان بلدان الاتحاد الأوروبي الـ28 سبعة في المئة من سكان العالم، لكن الناتج الإجمالي لهذه البلدان يزيد عن 14 تريليون يورو، فيما تمثل تجارة الاتحاد الأوروبي مع بقية بلدان العالم 20 في المئة من حجم التجارة الدولية. لذلك، فالأزمة التي تمر بها أوروبا منذ 2008 تؤثر في الأداء الاقتصادي العالمي.

مؤكد أن تراجع الطلب على النفط في بلدان الاتحاد الأوروبي خلال السنوات الماضية، قد ساهم في دفع الأسعار الى التراجع منذ منتصف عام 2014.

ويشار إلى أن نسبة العاطلين من العمل في بلدان الاتحاد الأوروبي تصل إلى 10 في المئة من إجمالي قوة العمل، ما يبرر تراجع الإنفاق الاستهلاكي ويؤثر من ثم في التجارة الخارجية. وتظل ألمانيا القوة الاقتصادية الأساسية في الاتحاد ومنطقة اليورو، ومن ثم فإن أي تحسن في الأداء الألماني ينعكس إيجاباً على الاقتصاد الأوروبي.

وبعدما بقي الاقتصاد الصيني خلال السنوات العشر الماضية من أسرع الاقتصادات نمواً، إذ تراوح معدل النمو بين ثمانية و10 في المئة، وأوجد هذا النمو المتسارع مشاكل بيئية واجتماعية في الصين ووسّع التفاوت المعيشي في عدد من مناطق البلاد، لا يزال يعتمد على التصدير إلى الخارج، خصوصاً إلى البلدان الصناعية الأساسية.

وساهم في ارتفاع الصادرات السلعية إنتاج العديد من الشركات الغربية بضائعها في الصين للاستفادة من انخفاض تكاليف الإنتاج، خصوصاً العمالة.

لكن يمكن الجزم بأن التطور الاقتصادي الحديث في الصين لم يؤسَّس وفق المعايير الاقتصادية التي تلتزم بها المؤسسات في البلدان الصناعية المتقدمة منذ عقود، فارتفاع قيمة الصادرات وتحصيل عائدات حكومية كبيرة منها مكّنا الصين من توظيف أموال مهمة من خلال الصناديق السيادية في أصول منها سندات الخزينة الأميركية.

ودفع تراجع أداء الاقتصادات الأساسية الأخرى الاقتصاد الصيني إلى التباطؤ وخفض في معدل نموه إلى نحو سبعة في المئة خلال 2015، وهو يظل معدلاً مرتفعاً مقارنة بالبلدان الصناعية الأساسية، حيث يتراوح بين اثنين وثلاثة في المئة في أحسن الأحوال.

هذه التطورات في البلدان الرئيسة تؤثر في مختلف الاقتصادات، فتراجع سعر النفط نتج من أوضاع عالمية، وهو في جانب منه نتاج زيادة المعروض من الإمدادات بفعل تحسّن الإنتاج من النفط والغاز الصخريين في الولايات المتحدة خلال السنتين الماضيتين، لكنه نتج أيضاً من تراجع أداء الاقتصاد العالمي.

وفي الوقت ذاته، لا بد من أن يسبّب انخفاض سعر النفط مشاكل مهمة للعديد من الشركات العاملة في قطاع الطاقة ويخفّض قدرتها وينعكس سلباً على اقتصادات البلدان المنتجة للنفط.

صحيح أن هناك رابحين من انخفاض سعر النفط، وأن العديد من القطاعات، ومنها الصناعات التحويلية والخدمات والنقل، ستستفيد من تراجع أسعار مشتقات الوقود، لكن ذلك ستقابله تأثيرات سلبية على قطاعات حيوية أخرى ذات صلة بالعوامل الاقتصادية الخاصة بالطاقة.

إذاً، لا بد من سياسات اقتصادية في البلدان الرئيسة لإحداث التوازن المطلوب، الذي يمكّن من استعادة كل القطاعات عافيتها وقدرتها على مواجهة التزاماتها. وعلى رغم البداية الصعبة مطلع 2016، ثمة إمكانات للعودة إلى مسارات ملائمة للنمو وبمعدلات مناسبة خلال الفصول المقبلة من العام.

نقلا عن الحياة