"دقيقة من وقت" هيئة السوق المالية السعودية

25/01/2016 6
خالد كرم

ينادي المفكر الاستراتيجي " ستيفن كوفي " المتخصص في إدارة الأولويات بأهمية تتبع مربع الأهمية لا مربع الطوارئ، إذ برغم إمكانية (الطوارئ) أن تنجز المهام والمشاكل المطلوبة إلا أنها في الغالب تأتي نتيجة خلل في إدارة الأولوليات والوقت ما يعني أن الإنجاز تحت ذلك المربع يكون في الغالب عديم الجدوى ولربما يأتي يوم قريب يتحول ذلك الإنجاز إلى مشكلة حتى تصبح كرة ثلج ، ما أن تنتهي حتى تعود من جديد، وهنا يأتي إدمان الطوارئ ، وهو سلوك مدمر برغم قدرة ذلك الإدمان على سد الفجوات مؤقتا.

السطور القادمة ليست حكم محكمة نهائي، وليست " هايد بارك " للجدال والنقاش دون هدف ، بقدر ما هي سطور تحاول لفت انتباه الأخوة العاملين في هيئة السوق المالية السعودية، وفي المقابل فهي سطور تبين أن هناك خلل في إدارة الوقت وقصر نظر وتراخي  في ترتيب الأولويات، حال بنا جميعا نحن معشر المتعاملين، الأشخاص المسجلين، الأشخاص المرخصين، شركة سوق الأسهم السعودية "تداول"، المستثمر الصغير والكبير، المحلي والأجنبي، دون أن نتقدم رغم الإمكانيات القائمة الكبيرة، والأفكار الهادفة.

نبدأ بخبر يوم الأثنين الموافق 18 يناير 2015، الذي يقول : ( تلقت الهيئة كتاب من شركة الشرق الأوسط للرعاية الصحية يتضمن طلب تأجيل موعد طرح أسهمها للاكتتاب العام )، ولأنه حق مشروع لدى أي مالك أن يطالب بتأجيل اكتتاب أو إدراج أسهمه في سوق الأسهم ، وتحت أية ظروف يواجهها السوق، فأن في ذلك مؤشر بأن يتم تأجيل عدد آخر من الشركات التي كانت تنوي الإدراج خلال العام الجاري ولذات السبب الذي دار في خلد مالك الشركة التي طلبت التأجيل، ولربما لأسباب أخرى.

في 21 إبريل 2013 ، أعلنت الهيئة وعبر موقعها الالكتروني الرسمي عن نشر مشروع تعـديل لائحة صناديق الاستثمار لاستطلاع الآراء بشأنه، وأرفقت مع الإعلان اللائحة المقترحة باللغتين العربية والإنكليزية، وتم إرسال الآراء والأفكار إلى جهة الاختصاص من غالب الأطراف المعنية من شركات مرخص لها ومن متعاملين في ذات القطاع.

وفي 11 فبراير 2014، تلقت الشركات المرخص لها من قبل الهيئة استبيان تم تسميته ( استبيان المبادرات التطويرية ) سعيا من الهيئة بمعرفة آراء المتخصصين العاملين في إدارات الأصول وتطوير الأعمال بأهمية وأولوية الأدوات الاستثمارية التي يجب توفيرها لدراستها وإعداد اللوائح والأنظمة ذات الصلة، حيث شمل الاستبيان عدد من الأدوات المهمة هي (( البيع على المكشوف، صانع السوق، السوق المالية للشركات الصغيرة والمتوسطة، أدوات الدين القابلة للتحويل، عقود الخيارات ، الصناديق العقارية المتداولة، عقود الضمانات ، شراء الشركات لأسهمها ، تجزئة الأسهم ))، ونظرا لوجود استشعار لدى الهيئة بأهمية عدد أو جميع تلك الأدوات ، فضلا عن مطالب واردة لها من شرائح متخصصة ، أحدها كاتب هذه السطور، دعت الهيئة يومها إلى استبانة المتخصصين العاملين لدى الشركات المرخص لها.

في إبريل 2015 ، تم الإعلان عن بدء السماح للمستثمر الأجنبي المؤهل للاستثمار في الأسهم المدرجة بدءا من 15 يونيو 2015، حيث تم عرض القواعد الخاصة بذلك في 4 مايو 2015 وأصبحت نافذة في 1 يونيو 2015 ، وحتى آخر تحديث ظهر على موقع تداول، تبين أن نسبة القيمة السوقية الإجمالية لملكية الأجانب المؤهلين وعملائهم وإتفاقيات المبادلة تمثل 0.9936%، وهي نسبة (خجولة) ولم تحقق هدف تواجد المستثمر الأجنبي في السوق.

في الأسواق العالمية الكبيرة، وتلك التي حذت حذو تلك الأسواق، ركزت على ركيزتين أساسيتين كي تكون في مصاف الأسواق العالمية، ركيزة اللوائح والتشريعات والأنظمة القانونية، وهي ركيزة أساسية لا شك في ذلك، والثانية هي ركيزة الأدوات الاستثمارية وما أطلق عليها بالركيزة الفنية.

لماذا تأخرت هيئة السوق المالية السعودية عن توفير الركيزة الفنية ؟ هل التركيز على الجانب التشريعي طغى على كل أعمال وأنظمة العمل والأولوليات لدى كل إدارة تولت مهام الهيئة ؟ لا أعتقد ، بدليل أن أحد أهم اللوائح التي كان يجب أن تكون محدثة وفعالة والتي ذكرت أعلاه ماتزال غائبة ولأكثر من عامين ! ، إذ أن لائحة صناديق الاستثمار (المحدثة) لو توفرت بشكلها الجديد ستكون هي الأخرى (ناقصة)، إذ أن الأدوات الاستثمارية التي قامت الهيئة باستبانة المتخصصين هي الأخرى لم يصدر لها لوائح وقواعد ، كيف يمكن للهيئة أن تحدث لائحة صناديق الاستثمار والتي يجب أن تتضمن لوائح تنظيمية لصناديق التحوط Hedge Fund على سبيل المثال ، وليس هناك أنظمة ولوائح تنظم تلك الأداة ، لا بل ولا يوجد تنظيم أو لائحة لإداة البيع على المكشوف التي تعد أهم أداة لمدراء صناديق التحوط في كل أنحاء العالم.

اللاعب الأجنبي على سبيل المثال، لا يختلف عن اللاعب المحلي في عالم تكنولوجي الكتروني متطور، إذ أن المتعامل في سوق الأسهم الامريكية وهو يقيم في السعودية ، سيجري تعاملاته عبر المنصة الالكترونية مستخدما كل الإمكانيات المتاحة له هناك الكترونيا، وملتزما بالأنظمة والقوانين واللوائح الخاصة بالسوق الأمريكي ، كل هذا يتم عبر التكنولوجيا المتوفرة ، ومن خلال هيئة سوق مالية كانت قد وفرت الأنظمة والقواعد للأدوات الاستثمارية التي تلبي احتياج كافة شرائح المتعاملين، اليوم نتسائل ما الذي يدعوا الأمريكي والصيني والهندي أن يجري تعاملاته في سوق الأسهم السعودية والأدوات الفنية غير متوفرة ؟ ما الذي يدعوا مدير صندوق تحوط سويدي وفرنسي أن يفكر الاستثمار في السوق السعودي وأداة البيع على المشكوف غير متوفرة ؟ لماذا يجري متعامل نشط Aggressive Trader تعاملاته في السوق السعودي وليس لديه أداة الخيارات Options ؟، أجزم بأن المستثمر الأجنبي لن ينتظر دخول سوق الأسهم السعودية مؤشر الأسواق الناشئة ، فهو لا يبحث عن حركة مؤشرات وانضمام سوق إلى مؤشر هنا أو هناك ، هو يبحث عن ملعب يمارس فيه كافة تعاملاته كما لو كان في ذلك السوق العالمي الذي يستثمر فيه.

كم عدد صناديق الطروحات الأولية التي وافقت عليها هيئة السوق المالية السعودية في 2015 ؟ هذا أكبر عدد صناديق نوعية صدرت في عام واحد، ولو كنت باحث في مجال الأرقام القياسية لقمت بمخاطبة موسوعة غينس للأرقام القياسية لإفادتهم بتلك المعلومة.

هل يعقل أن يتنافس الأشخاص المرخصين على إنشاء وطرح صندوق ذات الغرض ؟ أين التميز ؟ أين النوعية ؟ هل نلوم الشركات المرخصة ؟ أم الهيئة ؟ ، هذا إذا عرفنا أن هناك جاهزية واستعداد للجاهزية لعدد واسع من الشركات المرخصة في توفير الأدوات الاستثمارية لكنها بإنتظار اللوائح والأنظمة القانونية (الغائبة).

ماذا سيتحقق من وراء تنوع الأدوات الاستثمارية للسوق إجمالا ؟ الكثير ، إدارة الأبحاث ستصدر تقارير مختلفة عما هو سائد ، إذ ستضيف جداول إحصائية تشرح فيها عن تباين تعاملات السوق من شراء طويل الأجل وبيع قصير الأجل Short Selling ، ومدى إنعكاس تلك الاحصائيات على مؤشرات السوق الرئيسية ، الوسطاء سيكون لهم تنافس مختلف فيما بينهم ، الوسيط (أ) سيعمل على توفير أكبر مخزون (سلعي) من الأسهم لمقابلة طلب العملاء على شراء عقود الخيارات Options، الوسيط (ب) سيعمل على توفير ذلك المخزون لمقابلة طلب المتعاملين على تنفيذ أوامر البيع على المكشوف، المستثمر الذي قام بشراء أسهم قبل عشرة سنوات بهدف الاستفادة من التوزيعات السنوية سيقوم بإعارة الأسهم للوسطاء مقابل عائد سنوي متفق عليه بقصد (إقراض) تلك الأسهم لعمليات البيع على المكشوف وعقود الخيارات، السوق سيكون أكثر إتزانا حين يتم وجود صانع سوق الذي سيعمل على موازنة قائمة الطلب والعرض وهذا ما سيؤدي إلى انخفاض وتيرة الانزلاقات الحادة والارتفاعات السريعة للأسعار ، إدارات الأصول ستعمل على إنشاء صناديق تحوط مستفيدة من مزايا وجود تلك الأدوات الاستثمارية ، وهذا يعني اختلاف آلية التعامل والتداول اليومية.

إن محاسن وجود أدوات استثمارية رئيسية في السوق كالبيع على المكشوف  والأوبشن تحديدا ستخلق جو مختلف عما هو سائد، إذ سيكون للمستثمر الأجنبي تواجد فعلي مستمر ، سيكون هناك تحدي كبير لإدارات تطوير المنتجات في توفير منتجات نوعية مختلفة وليس كما كان في عام  2015 تحديدا ، إدارة المخاطر ستصبح ضرورة وإلزام على الشركات المرخص لها بتواجدها أسوة بإدارة المطابقة والالتزام ، هذا بالإضافة إلى تقدم المعايير الفنية الخاصة بالسوق والتي ستواكب أسواق عالمية كبيرة.

السطور السابقة ، تستعرض أهمية البت والانتهاء من اللوائح التنفيذية للأدوات الاستثمارية وهذا دور هيئة السوق المالية ، وتلخص مطالب عدد واسع من العاملين في الشركات المرخصة ، التركيز على توفير الأدوات الاستثمارية وعلى رأسها البيع على المكشوف والخيارات يأتي في طليعة تلك المطالب ، مع ضرورة التناغم في المنتجات والأدوات التي ستطرح في قادم الأيام بين الهيئة والأشخاص المرخص لهم ، وهذا لا يأتي إلا إذا أدركت الهيئة تحديدا أن عليها أن تقوم بتوفير متطلبات المتخصصين ، والتي يفترض أن تكون هي الأخرى لديها القدرة والجاهزية على توفير تلك الأدوات من حيث الأنظمة وطاقم العمل ، هذا أو الاستمرار في ما يسميه المفكر الإستراتيجي " ستيفن كوفي " بإدمان الطوارئ.