تقاس الأعمال بالنتائج وما كشف الحساب إلا توضيح لمجمل الأعمال بنهاية المطاف وكل المسميات التي تطلق لفحص المخرجات كالتقييم وأداء القياس ستصب بالنهاية في دفتر الحسابات سواء كان ذلك لأعمال إدارية أو تشغيلية أو مالية أو التخطيط الإستراتيجي وكذلك إدارة المخاطر والاستعداد للأزمات.
فعلى سبيل المثال ما يحدث في الاقتصاد العالمي من تراجع بالنمو حالياً أدخله بشبه أزمة لم تكتمل عناصرها التي يعتمد عليها بالتقييم حتى تسمى أزمة كاملة العناصر ما هو إلا كشف حساب لكل ما أنجز من حلول للأزمة المالية العالمية التي نشبت عام 2008م فضخ خمسة تريليونات دولار بجسد الاقتصاد العالمي من حكومات دول مجموعة العشرين خصوصاً الاقتصادات الكبرى تظهر نتائجه الحقيقية بعد توقف أو تقليص بالسياسات النقدية والمالية عالميا وما تحركات بعض الدول الكبيرة اقتصادياً حالياً إلا جزء بسيط قياساً بما أقر قبل حوالي سبعة أعوام ومع ذلك مازالت الأسواق المالية تواصل نزيفها ومعها أسواق السلع وأي ارتدادات لا تكون أكثر من التقاط أنفاس ولن يتغير الوضع عموماً إلا بظهور مؤشرات اقتصادية تعكس الاتجاه السلبي لأداء الاقتصاد العالمي عموماً والذي ستعرفه الأسواق قبل وقت عادة يكون قبل ستة أشهر حتى تغير اتجاهها الهابط.
وفي سياق ما يمثل كشف الحساب محلياً بالاقتصاد الوطني فإن الأمثلة كثيرة ففي المؤشرات الاقتصادية هناك العديد منها توضح الأداء الذي يعكس بعض الخطط التي نفذت فمؤشر البطالة المرتفع عند مستوى 11.7 % تقريباً تكمن فيه الإجابة على سياسات وزارة العمل وبرامجها لتشغيل طالبي العمل والباحثين الجادين عنه فالأرقام بالتوظيف كبيرة بالسنوات الخمسة الماضية لكن المؤشر الرئيسي أيضا لم يعكس اتجاهه هبوطاً، بل ارتفع من 9.6 % عام 2010م بأكثر من 20 % حتى الآن مما يعطينا رقماً بكشف الحساب أن هناك خلل أدى لنتائج غير جيدة بالنسبة الكلية للبطالة أي أن سياسات الإنفاق الحكومي ركزت على قطاعات ونشاطات لم تخفض نسبة البطالة واعتمدت على العمالة الوافدة كقطاع التشييد الذي يعمل فيه حوالي 45 % من العاملين بالقطاع الخاص البالغ عددهم حوالي 10 ملايين عامل وكذلك فإن الوزارات المعنية بزيادة الطاقة الاستيعابية بالاقتصاد كالتجارة والصناعة والاتصالات وتقنية المعلومات أو غيرها من الجهات لم تنجز خططها بالشكل الذي ينعكس إيجاباً بخفض الواردات التي ضربت أرقاماً قياسية وصلت بعام 2014 م إلى أعلى مستوياتها عند 651 مليار ريال بينما لم يكن التصدير للسلع غير النفطية بأكثر من 30 % قياساً بالواردات إذا كشف الحساب يظهر ما أنجز حقيقة قياساً بما هو مطلوب ومأمول.
كما أن كشف الحساب يظهر أن وزارة الإسكان لم تحقق تقدما في السنوات الأربع الأولى لتأسيسها والتي أثرت على بقاء نسبة التملك للسكن متدنية وما تحركات العام الأخير في هذا الملف من تحول شامل للمعالجة تكللت بفرض رسوم الأراضي إلا دليل على الصعوبات التي واجهها الملف في طرق معالجته ويندرج الكشف على كل قناة استثمارية أو نشاط اقتصادي بمدى ما تحقق فيه من عمل وإنجاز فإذا كانت الخدمات الصحية لم تتقدم من حيث الانتشار النموذجي والجودة فهذا يعني أن إعادة النظر بكل سياسات وزارة الصحة أمر ملح لرفع الكفاءة والأمر نفسه ينطبق على التعليم العام والجامعي فمازالت المعطيات لا ترقى لما انفق على تلك القطاعات أي أن الاستثمار مازالت نتائجه أقل من المستهدف فالحسابات في إعداد من يدرسون بالتخصصات الصحية والهندسية قياساً باحتياجات المملكة تظهر أن الأعداد محدودة وأن إقفال الفجوة بين الوافدين والمواطنين الذين يعملون بتلك القطاعات والتخصصات تحتاج إلى عشرات السنين حتى تقفل أو تنخفض إلى 80 % مثلاً قياساً بنسبة لا تتعدى 30 % من المواطنين العاملين والمتخصصين بالمجالات الصحية والهندسية حالياً وذلك بسبب محدودية القبول قياساً بالاحتياج أو بأعداد الكليات المتخصصة الكبيرة في هذه المجالات الحيوية وأيضاً بعدد الجامعات وانتشارها بكل المناطق وما أنفق عليها.
أما في القطاع الخاص فإن العام الحالي سيظهر مدى قدرته على المنافسة وكذلك استعداده لامتصاص المتغيرات الاقتصادية خصوصاً رفع أسعار الطاقة فشركات البتروكيماويات مثلاً ستظهر كفاءتها التشغيلية والإدارية والتخطيط في هذا العام بنتائجها أي بكشف الحساب وهو ما سيحدد جودة الإدارات بأعمالها ويفرز الجيد من السلبي منها والذي كانت تغطي عليه إجراءات الدعم والتحفيز وسيكون سوق المال بحركته وتقييمه محدداً وشاهداً على الأداء لكل شركة مدرجة فيه.
إن الأمثلة السابقة توضح أن تغيير الأرقام بكشف الحساب يتطلب مراجعة شاملة لكل ملف وقطاع قبل الشروع بمعالجات شاملة وعملية وفاعلة وهو ما يقع بالمقام الأول على عاتق وزارة الاقتصاد والتخطيط وإذا كان هناك من سيقول إن هذه المراجعات تمت أو يتم العمل عليها فإن ذلك لا يعني بالضرورة الوصول لأفضل الإجراءات التي تحقق الهدف المطلوب بالأرقام والمدة الزمنية فكشف الحساب التفصيلي سيظهر بدقة مكمن الخلل وأسبابه وحلوله الأنسب، تماماً كما يجب أن يظهر في كشوفات أجهزة الرقابة والتدقيق ومكافحة الفساد فبقدر ما تكون فاعلة سيقل معها الفساد أو الإهمال والخلل وتعثر المشاريع والبرامج الاجتماعية والاقتصادية.
بعض الدول أسست ما يسمى جهاز المحاسبة والتفتيش نظراً لأهمية معرفة تفاصيل كشف الحساب لكل جهة خدمية أو تنموية مما يدلل على أهميته بالتقييم ومعرفة أين يقف الاداء الاقتصادي عامة والأجهزة المسؤولة عن مفاصله فتراجع أسعار النفط الحالي الكبير الذي فاق 70 % خلال عام ونصف ظهر مدى الاستعداد القوي لها بالمملكة سواء بالاحتياطيات الكبيرة أو بانخفاض الدين العام الذي أعطى مرونة جيدة للتعامل مع الوضع الحالي للاقتصاد العالمي، لكن بالمقابل فإن القدرة على امتصاص آثار تراجع أسعار النفط لا يعني أن بقية الأجهزة أدت أو تعمل بتوازي مناسب لكي تعزز من قدراتنا على تخفيف تلك الآثار مما يتطلب تغيراً كبيراً بعملها لتسريع عجلة العمل المطلوبة لمعالجة كل الملفات الأساسية حسب اختصاص كل وزارة أو هيئة رسمية.
نقلا عن الجزيرة