أصدر مسؤولون في الكويت أخيراً تصريحات عدة حول حتمية تعديل السياسات المالية للدولة، خصوصاً ما يتعلق بالدعوم المتنوعة.
لكن الكويت سبق ومرت بأزمات اقتصادية مشابهة في العقود الماضية، بسبب تراجع أسعار النفط وانخفاض إيرادات الخزينة العامة، وتحدث المسؤولون آنذاك عن أهمية ترشيد السياسات المالية، لكن تلك التصريحات لم تتمخض عن أي إجراءات عملية فعلية.
إذا أخذنا دعم استخدام الكهرباء نجد أن سعر الكيلووات اعتُمد في 1966 وحُدد بفلسين (6.5 سنت) ولم يتغير منذئذ، أي أن 50 سنة مرت من دون تغيير على رغم المتغيرات الأساسية التي طرأت على بنية الاقتصاد الوطني، خصوصاً بعد ارتفاع أسعار النفط من نحو دولارين للـــبرميل إلى أكثر من مئة دولار قبل سنتين، فيما تضاعفت التزامات الحكومة أضعافاً وتغيرت قيمة الموازنة الحكومية من نحو 250 مليون دينار إلى مستواها الراهن عند 20 بليوناً.
كذلك زاد عدد سكان البلاد من 300 ألف شخص إلى أربعة ملايين اليوم. إذاً فالاعتبارات السياسية هي التي تحدد السياسات المالية للحكومة ومن ثم مستويات الالتزامات.
لكن الأمور قد تكون مختلفة هذه المرة بسبب بلوغ التزامات الدعم ومخصصات الرواتب والأجور مستويات قياسية بعد ارتفاع أسعار النفط خلال السنوات العشر الماضية.
معلوم أن قيمة الموازنة العامة للدولة ارتفعت من أربعة بلايين دينار في السنة المالية 2004 - 2005 إلى 21 بليوناً في 2014 - 2015، وبعدما كانت الحكومة تحقق في السنوات الأخيرة فوائض كبيرة في الموازنات تراوحت بين ثمانية و12 بليون دينار سنوياً، يُتوقَّع أن يكون العجز في الموازنة خلال السنة المالية الحالية بين أربعة وستة بلايين دينار، إذا حصل ترشيد مناسب في الإنفاق.
تؤكد التقارير الفنية والمحاسبية وجود هدر كبير في الإنفاق يتطلب معالجة جادة. يضاف إلى ذلك أن سياسات الدعم في شكل عام، أدت إلى هدر في استخدام الخدمات مثل الكهرباء والمياه والرعاية الصحية، ناهيك عن استخدام الوقود المتوافر بأسعار زهيدة.
وتشير تقارير إلى أن الحكومة أوكلت إلى مؤسسة «إرنست أند يونغ» إنجاز دراسة لتحديد معالم الترشيد في الدعوم وجرى الإفصاح عن بعض هذه المعالم، خصوصاً ما يتعلق بأسعار بنزين السيارات أو تحديد تكاليف استخدام الكهرباء وفق شرائح استهلاكية ليرتفع طردياً مع ارتفاع مستوى الاستهلاك، سواء في السكن الخاص أو السكن الاستثماري أو المنشآت الصناعية أو المزارع أو غيرها.
في المقابل يشدد عدد آخر من المسؤولين على أن التغيير لن يحدث قريباً وأن الدراسات التي قدمتها الجهات الاستشارية تخضع لمراجعات، وربما تُعتمَد تعديلات بعد منتصف العام الحالي، ما يؤكد تردد المسؤولين.
تضاف إلى ذلك المعارضة الشرسة التي يبديها عدد من أعضاء مجلس الأمة لأي تغييرات في السياسات الحالية أو تقليص لمخصصات الدعم الريعي أو ترشيد لعمليات التشغيل في الجهاز الحكومي.
وعلى رغم اتخاذ دول أخرى في الخليج، مثل السعودية والإمارات، تدابير إصلاحية تشمل الموازنات، ما أوجد نماذج يمكن الاستشهاد بها عند طرح مسألة المراجعات المستحقة للإنفاق العام في الكويت، لا تزال الكويت نموذجاً مختلفاً على الصعيد السياسي.
في الكويت تحاول الحكومة تفادي أي صدام مع مجلس الأمة في شأن التشغيل أو مخصصات الدعم إذ يرى مواطنون كثر أنها حقوق مكتسبة لا يمكن التنازل عنها أو تقليصها مهما تراجعت إيرادات الدولة.
كذلك تظل قدرة الدولة على التسويق الإعلامي أي تعديلات للسياسات المالية متواضعة بما يعزز مواقف السياسيين المناهضين للإصلاح الاقتصادي.
أكدت الحكومة في افتتاح دور الانعقاد الحالي للبرلمان في آخر تشرين الأول (أكتوبر) الماضي أن إيرادات الدولة من النفط تراجعت في السنة المالية الماضية نحو 60 في المئة، فهل هناك أدل من ذلك لحفز المؤسسات السياسية على اتخاذ الإجراءات المستحقة؟ مما يؤكد أهمية الترشيد أن الخزينة العامة للدولة تعتمد على إيرادات النفط في شكل أساسي (94 في المئة من الإجمالي)، فيما الإيرادات غير النفطية لم تعرف نمواً على مدى السنوات والعقود الماضية لتمثل نسبة جيدة من إجمالي الإيرادات.
أما الإنـــفاق، الجاري في شكل أساسي، فاستمر بالنمو المتسارع وبمعدلات تتراوح بين ثمانية و10 في المئة سنوياً.
إذاً ثمة أهمية لتبني برنامج ترشيد متناغم يشمل كل ما يتعلق بالدعم والتشغيل والسياسات المالية الحكومية وتحديد معالم لجني إيرادات غير نفطية، من خلال آليات ضريبية ورفع تكاليف الخدمات الحكومية، مع توضيح كيفية استيفاء هذه الإيرادات من مختلف الفئات الاجتماعية، والتأكيد على أهمية حماية أصحاب الدخول المحدودة وعدم المس بمستوياتهم المعيشية.
ويبدو أن الدراسات التي قدمتها الجهات الاستشارية تؤكد هذه التوجهات، ما يعطي أهمية لطرح الحكومة برامج إصلاحية على الناس والتواصل مع المجتمع المدني لكسب التوافق المجتمعي حول هذه البرامج.
نقلا عن الحياة