الرأي العام.. ورفع الأسعار

21/01/2016 0
عيسى الحليان

تقوم أدبياتنا الاجتماعية على تمجيد فكرة الاستهلاك العام والتي يقع جذرها في الوعي الجمعي لثقافة الاسترخاء، وبالتالي فإن طروحات بعض الكتاب والمغردين تنصب في الغالب على تبني توجهات وأفكار العامة في هذه المسألة، وبالتالي غالبا ما يتم النظر إلى الإصلاح الهيكلي في التسعير الاقتصادي تحديدا بشيء من الارتياب وتغليب المصالح الفردية ما أمكن ذلك على حساب اقتصاد المجموع.

وفي الذهنية العامة تقوم فكرة هذه الثقافة المتوارثة على استمرارية بيع الخدمات العامة والموارد الطبيعية بأسعار متدنية جدا ضمن بنود الاستهلاك العام وأن تقوم الدولة بدفع الفرق من الخزينة العامة بصرف النظر عن مردود هذا التسعير الجديد على الاقتصاد العام ونصيب الفرد منه لاحقا في دورته الاقتصادية الجديدة. وفي ضوء هذه الثقافة الشعبية المتوارثة وانعكاساتها على طروحات وكتابات البعض، غالبا ما نلاحظ أن بعض الإخوة من الكتاب المغردين يضربون الأمثلة أحيانا بالدول التي حققت تحولا اقتصاديا جذريا ويستعرضون مؤشراتها الرقمية ونصيب الفرد منها بشيء من الإعجاب وهم على حق تام.

لكن عندما تبدأ الدولة في محاولة اقتفاء آثار هذه الدول بالإصلاحات البنيوية والسعرية التي كانت واحدة من مسارات تلك هذه الدول نفسها في بناء اقتصادياتها والتي ما فتئوا يمتدحون إنجازاتها، فإن بعض هؤلاء سرعان ما يتحولون 180 درجة وينحازون إلى عدم التغيير في الأسعار ما أمكن، وذلك تحت غطاء الطبقة الفقيرة ويافطة الدخول المنخفضة، ناسين أن بقاء الأمور على ما هي عليه دون إصلاحات جذرية سيجعل من هذه الطبقة أساسا الأكثر تضررا وخطورة على مستقبلهم ومستقبل أبنائهم، وذلك في حالة بقاء الأمور على ما هي عليه، بل إنهم سيكونون الأكثر تأثرا بأي تقلبات في المداخيل العامة، ناهيك عن ضرورة تحسين فرص العيش الكريم أمامهم من خلال بناء اقتصاد مؤسسي يرتفع نصيبهم من أصوله وعائداته، وإلا سيكونون الخاسر الأكبر على المدى الطويل في حالة الاعتماد على اقتصاد هش يقومون بالتغذية عليه بالأنابيب، وهنا يفترض أن تكون هذه الطبقة هي المستفيدة من الإصلاح الاقتصادي أكثر من غيرها لتحسين مستوى معيشتها من خلال دورة اقتصادية جديدة وبعائدات أكبر، وهذا ما يفترض أن نوضحه للعامة بروح المسؤولية الوطنية، وما لم نبادر في بناء اقتصاد قوي يقوم على تصحيح بعض المفاهيم الاستهلاكية الخاطئة والمتفاقمة مع الزمن، فإن هذه الطبقة ستكون هي الخاسر الأكبر في نهاية المطاف.

وخلافا لما يدور ويطرح في أدبياتنا الاجتماعية، فإن تصحيح مثل هذه المفاهيم الاستهلاكية وتعافي الاقتصاد سينعكس عليهم بالإيجاب أكثر من غيرهم ويرتفع نصيب الفرد من الأصول الاقتصادية وبقيمة مضافة أكبر وذلك في حال تمت هذه الإصلاحات بنجاح كما حصل في الدول الأخرى.

نقلا عن عكاظ