أعلنت المملكة الميزانية للسنة المالية الجديدة 2016م بعجز مالي تقديري بلغت نسبته 15% نتيجة تراجع أسعار البترول منذ الربع الثاني من السنة الميلادية 2015م. وكانت الإيرادات المتوقعة لعام 2016م حوالي 608 مليارات ريال بانخفاض بلغ 15% عن ميزانية 2015م. أما المصروفات المتوقعة فكانت 975 مليار ريال بزيادة قدرها 115 مليارا عن السنة المالية الماضية وبنسبة عجز متوقع حوالي 13.4% تمثل 367 مليار ريال. ولقد قدر العجز في الميزانية بحوالي 326.2 مليار ريال. وقد تراجع إجمالي الناتج المحلي بنسبة 13.35% عن السنة المالية الماضية.
ولقد حظيت المشاريع الحكومية التنموية بنسبة كبيرة في الميزانيات السنوية للدولة، لكن بعضها تعثر مما يزيد المشكلة صعوبة في ظل تراجع إيرادات البترول الذي انخفضت أسعاره بشدة من الربع الثاني من 2015م. إن أزمة الانخفاض التي أصابت الأسواق البترولية ستسهم بشكل أكثر فاعلية في مراجعة المشاريع المتعثرة والتي تعاني منها العديد من الجهات الحكومية، ورفع كفاءة القطاعات الخدمية، ومنع الهدر المالي الذي كان يرافق معدلات الصرف المرتفع إبان ارتفاع أسعار البترول وتجاوزه حاجز 100 دولار.
يعد تعثر المشاريع الحكومية أحد معوقات التنمية الاقتصادية والاجتماعية، حيث لمسنا في العقود الثلاثة الأخيرة تعثر مشاريع عملاقة لم تنجز كما يجب وبعضها لم ينفذ لأسباب عديدة على رأسها الفساد في اختيار الشركات المنفذة للمشاريع، وكذلك المبالغة في تقدير تكاليفها وسوء تقييم أداء وتصنيف الشركات المنفذة للمشاريع وعدم توافر الرقابة الفعالة على الشركات المنفذة من قبل الجهات المستفيدة منها والجهة الممولة لها.
إن مقاومة التغيير من أكثر معوقات نجاح الأنظمة وبالأخص ما يتعلق بتطوير آلية وإجراءات ترسية المشاريع الحكومية من قبل الجهات المستفيدة والجهات الممولة مثل وزارة المالية التي لا تزال تطبق أنظمة ولوائح لا تتماشى مع التطور الاقتصادي في المملكة. والكثير من الأنظمة واللوائح والإجراءات بحاجة للتطوير لتواكب التغيرات الطارئة والمستمرة في بيئة الأعمال الاقتصادية في المملكة. لا بد أن تكون ثقافة التغيير والتطوير صفة ملازمة لإنجاز المشاريع وفق أنظمة وإجراءات وخطوات مرنة تتماشى مع بيئة الأعمال سواء المحلية أو العالمية في حال ارتفاع أسعار المواد الإنشائية الاساسية على سبيل المثال.
وتعتبر وزارة المالية الأساس في الناحية المالية للمشاريع لأنها الممول والطرف الأهم والأقوى في المعادلة. ولوزارة المالية خبرة طويلة تساعدها على نجاح تنفيذ المشاريع، لكن للأسف تغلب النظرة للتكاليف على رؤية الجودة، وذلك عندما ترسى المشاريع على أقل العطاءات تكلفة. وهذا بلا شك بيت القصيد في تعثر الكثير من المشاريع الحكومية، حيث ترسى معظم المشاريع الحكومية على المقاول الأقل تكلفة بغض النظر عن الجودة والكفاءة. وفي أحيان كثيرة ترسى المشاريع على شركات متمرسة في العمل والالتفاف على الأنظمة والضوابط، وذلك لتحقيق نسبة عائد استثماري عالٍ على حساب جودة المشاريع.
الخلاصة ميزانية الدولة في خير إذا اديرت بترشيد وحكمة وعدم المبالغة في تكاليف المشاريع التي تعثر بعضها. ولنجاح المشاريع لا بد أن تكون هناك علاقة تنسيقية بين الشركات المنفذة للمشاريع والجهات الحكومية المستفيدة منها، ناهيك عن أهمية وزارة المالية في هذه العلاقة التي يجب أن تبنى على الثقة والمهنية لتفادي تعثر وفشل المشاريع الحكومية. يجب أن تبنى العلاقة على أساس المشاركة في نجاح المشاريع الحكومية وعدم الحاق الضرر بالمقاول لظروف خارجة عن إرادته في حال ارتفاع الأسعار. ويجب عدم المجاملة في ارساء المشاريع وأن تكون الكفاءة والجودة الأساس في الترسية.
نقلا عن اليوم