أعلنت هذا الأسبوع ميزانية 2015، وموازنة 2016، بعجز في كليهما الفعلي والمتوقع، وجاء الإعلان ثقيلاً على السعوديين (حكومة ومواطنين) بعد سنوات طويلة اعتادوا فيها سماع كلمة «فائض» و«وفائض كبير»، لما يقارب الـ15 عاماً.
العجز بالتأكيد كان متوقعاً، لكنه جاء أقل من توقعات المحللين والاقتصاديين وبيوت الخبرة العالمية، وعلى رأسها صندوق النقد الدولي، وهو جهد يحسب لمجلس الاقتصاد والتنمية بلا شك.
اقتصادياً، يهمنا في الميزانية رقمين يمكن تسميتهما بالرقم «المهم»، والرقم «الأهم»، ونمو وتحسن الثاني يؤدي لنمو وتحسن الأول بالضرورة.
والأول وهو الرقم «المهم»، هو رقم الإيرادات غير النفطية، ففي بلد اعتاد الاعتماد على النفط في ما يصل إلى 90 في المئة من إيراداته لسنوات طويلة يكون أداء الرقم الآخر غير النفطي مهماً في حالة انخفاض النفط.
الرقم «المهم» شهد نمواً جيداً في مجمله، فخلال سنوات مضت كان نموه يراوح بين 8 و10 في المئة، إلا أنه هذا العام حقق نمواً جيداً بلغ 29 في المئة، وبالأرقام المطلقة زاد الرقم بنهاية 2015 بما يصل إلى 37 بليون ريال مقارنة بنظيره من العام الماضي.
وعلى رغم أن النمو في الرقم لا يمكن وصفه بالممتاز، إلا أنه جيد سيما إذا ما عرفنا أن مكونات الإيرادات غير النفطية يدخل فيها إيراد شركات البتروكيماويات المملوكة للدولة، التي انخفض دخلها فعلياً –أي الشركات- بسبب انخفاض أسعار البتروكيماويات عالمياً (للمثال، انخفضت أرباح سابك خلال الشهور التسعة الماضية بما يصل إلى 18 في المئة مقارنة بنتائجها العام الماضي).
فيما يتعلق بالرقم «الأهم»، فهو بلا شك الرقم الذي تم إنفاقه على البنية التحتية ومشاريع الخدمات العامة، وهو رقم التنمية بمعنى أصح، سواء أكان لتأسيس مشاريع جديدة أم استكمال مشاريع تم إقرارها سابقاً، ويصرف عليها من الموازنات المتعاقبة.
وبلغ هذا الرقم للعام الذي انقضى أمس 118 بليون ريال، وبإضافته لما صرف خلال الفترة (2000-2014) فسيكون مجموع ما تم إنفاقه على المشاريع الرأسمالية قريباً من تريليوني ريال.
وهذا الإنفاق الهائل نراه في الجامعات الجديدة، وبناء سكك الحديد، وجامعة الأميرة نورة، وتحديث المطارات السعودية، وغيرها. وهي المشاريع التي تخلق فرص العمل والمتاجرة ونمو الإسكان والخدمات حولها، وهو ما يصب في النهاية في تحقيق ودفع عجلة التنمية الاقتصادية.
بالطبع، يمكننا وصف الرقمين «المهم» و«الأهم» بالجيدين في المجمل، ولكن هناك تساؤلات كثيرة حولهما عند الدخول في التفاصيل.
فالرقم الأول، وبحسب بيان وزارة المالية الإثنين المنصرم حقق نمواً بلغ 29 في المئة كما ذكرنا. ولكن من أين جاء مصدر هذا النمو؟ يتضح من تفاصيل البيان أن مصادر الزيادة الكبرى، جاءت من بند «إيرادات متنوعة»، بنسبة زيادة بلغت 149 في المئة (زيادة قدرها 15 بليون ريال).
وجاء المصدر الثاني للزيادة من بند «الاستثمارات الحكومية»، بنسبة بلغت 81 في المئة، والثالث جاء من بند «الإيجارات والمبيعات الحكومية»، بزيادة 57 في المئة بالمقارنة بين العامين. وهذه بلا شك زيادات جيدة، ولكن السؤال هو: هل هي دخول مستمرة، ويمكن تنميتها، وزيادتها عاماً بعد آخر؟ أم أنها زيادات لمرة واحدة ناتجة من بيع أصل مالي أو أراضٍ حكومية أو غيرهما مما تمتلكه الحكومة؟ التفاصيل مطلوبة للحكم، لأن البنود الأخرى المعتادة مثل رسوم الجمارك، والموانئ، ودخول رخص القيادة والجوازات وتأشيرات العمالة والزكاة وغيرها، جاء الفارق فيها صغيراً بين العامين وغير مؤثر البتة.
في الرقم «الأهم»، لا شك أن المواطن يلحظ ويرى بعينيه مشاريع، ومنشآت، وجامعات، وسكك حديد، وطرق مواصلات، وتطوير في المطارات، وغيرها في كل أنحاء المملكة، وهي كما ذكرنا مشاريع تراكم رأسمالي تقوم عليها التنمية بشكل أساسي، وتؤدي لزيادة المداخيل غير النفطية (الرقم المهم). ولكن في التفاصيل أيضاً بعض التساؤلات عن حجم المنجز، وكم حجم المتعثر من إجمالي المشاريع؟ وكيف سيتم التعامل مع المتعثر؟ لقد ذكر وزير الدولة محمد آل الشيخ أنه تم إيقاف صرف حوالى تريليون ريال على نحو 7 آلاف مشروع متعثر.
وهذا يوحي بأن ما تم إنجازه ونراه على أرض الواقع (سواء سلم أم في طور الإنجاز)، رقم صغير لا يتجاوز النصف من المشاريع التي تم التخطيط فعلاً لبنائها وإنجازها. ولأن رقم هذه المشاريع مهم عدداً ونوعاً، فيجب ألا نفرط في مشروع واحد منها، وهو ما يحتم على الجهات المسؤولة إعلان ما تم أو سيتم حيالها بكل وضوح وشفافية، وصب الجهود لإخراجها من تعثرها، مع معاقبة المتسبب في تعثرها وتأخرها.
ختاماً، هذان الرقمان هما مفتاح التنمية والنمو المستمر والمتوازن، وكل ماعداهما من أرقام الميزانية هي رواتب وإنفاق استهلاكي يذهب غالبيته لسداد فواتير الواردات الضخمة فقط، ولذا يجب أن ينال الرقمان عناية خاصة، ويكونا تحت عين متخذ القرار في اليوم والدقيقة، فمستقبل الوطن وطموحات أبنائه رهن تطور وتحسن هذين الرقمين.
نقلا عن الحياة