عام 2016 غير متوقع أن يكون عاما مثاليا بالنسبة للمؤسسات المعنية بإدارة الاقتصاد السعودي، وهذا لا يعني أن التراجع والتدني أمر مفروغ منه، فلا يزال في الإمكان تفادي التعرض للأزمات الطاحنة، والنجاة من السقوط في بئر التضخم وانخفاض أسعار النفط، ولكن هذا يشترط القيام بإجراء تعديلات بالسياسات الاقتصادية المتبعة على أرض المملكة.
من ملاحظاتي الشخصية على السياسة الاقتصادية أنها خلال العقود الطويلة المنصرمة لم تحرص على جعل مصادرها متعددة..فالاقتصاد السعودي والاستثمار داخل أراضي المملكة، كانا وما زالا يعتمدان بشكل رئيسي على دعم الدولة، أو ما يعرف اصطلاحا داخل المملكة بمسمى «الإنفاق الحكومي».
لكن في ظل الأزمات الاقتصادية المتعاقبة التي أصابت الاقتصاد الدولي، وبالضرورة تأثر بها اقتصاد السعودية، صار مستقبل معدل الإنفاق الحكومي عبارة عن علامة استفهام ضخمة، ولكن من المؤكد أنه سينخفض بنسبة ما خلال العام القادم..والسؤال هو كيف يمكن أن يؤثر ذلك على عمليات التنمية الاقتصادية، وهل ستنجح المملكة في تفادي ذلك، وهل سيتم إرجاء الخطط المقررة لهذا المجال إلى أجل مسمى أو غير مسمى؟..لا نعلم، فالصورة أيضا فيما يخص هذه النقطة غير واضحة.
ولكن رغم تدني مستويات الإنفاق الحكومي ورغم أنه من المتوقع أن يشهد انخفاضا أكبر خلال العام المقبل، إلا أن هناك عاملين يمثلان الأمل، أولهما قيمة النقد المتداول، فوفقا لإحصاء عام 2015 فإن حجم النقد المتداول خارج المصارف قدر بحوالي 150 مليار ريال، وهو رقم ضخم يشير إلى أن الأسعار وحالة الرواج لن تتأثرا بأي أزمات متوقعة خلال العام التالي.
وإن نظرنا إلى النظم الاقتصادية الأقوى في العالم على الإطلاق، سنجد أن اعتماد هذه الأنظمة على المدخرات المحلية يفوق اعتمادها على الإنفاق الحكومي، مما يعني أن أي هزة قد تصيب الاقتصاد العالمي عامة خلال 2016م أو الاقتصاد السعودي على وجه الخصوص، يمكن تفادي آثارها السلبية بنسبة كبيرة من خلال القيام بمناورة اقتصادية إن صح التعبير، والمقصود هنا إحداث تغيير طفيف في السياسات الاقتصادية المتبعة بالمملكة، وعلى وجه التحديد الحد من معدلات الإنفاق الحكومي المباشر، والاعتماد على المدخرات المحلية والأموال المودعة كأرصدة بالبنوك المحلية، وقد بلغت هذه الأموال في عام 2015 قرابة 400 مليار ريال سعودي، تشكل قوام أعمال الاستثمار داخل المملكة، ويمكن الاعتماد عليها في الاستمرار في خطط التنمية المقررة سلفا.
تعي إدارة المملكة العربية السعودية وعلى وجه التحديد المؤسسات الاقتصادية أهمية الادخار المحلي، ومدى إمكانية استغلاله في إحداث انتعاش للاقتصاد السعودي خلال العام القادم، وكذلك تفادي أي أزمات اقتصادية قد تطرأ عالميا أو محليا، ودليل ذلك هو طرح الاستراتيجية الوطنية للادخار وتفعيلها خلال الشهور القليلة الماضية، والتي تسعى الدولة السعودية من خلالها إلى استغلال هذه المدخرات كأداة تنمية غير مكلفة، فيتم توجيه هذه المبالغ الطائلة المودعة بالمصارف إلى خدمة معطيات التنمية الاقتصادية، خاصة وأن معدلات الإيداع البنكي خلال العام الماضي شهدت ارتفاعا ملحوظا، على الرغم من أن العائد أو «الفوائد البنكية» قد شهدت بعض الانخفاض.
نقلا عن مكة