توقفت في مقالي السابق والذي جاء بعنوان "الإقراض من أجل التمكين وليس الربح" عند أهمية إزالة العقبات التي تحول دون تحقيق الجمعيات والمؤسسات الأهلية لهدفها في تحقيق التمكين الاقتصادي للفئات المهمشة، فضلًا عن مواجهة كافة التحديات التي تقف أمامها، وهي التحديات التي أبرزتها في المقال السابق، وسوف نتناول سويًا عزيزي القارئ هذه التحديات بما يعمل على حلها بشكلٍ يساعد الجمعيات الأهلية على القيام بدورها في التنمية الاقتصادية.
وسوف نبدأ من خلال هذا المقال في تناول التحديات الخاصة بتنفيذ القانون رقم (141) لسنة 2014، وسوف أطرح معها عدد من التوصيات التي من شأنها إزالة هذه التحديات، وقبل أن نبدأ في رصد هذه التحديات، اسمح لي عزيزي القارئ أن أقدم لك نبذة بسيطة عن القانون رقم (141) لسنة 2014؛ بشأن تنظيم نشاط التمويل متناهي الصغر، وقد صدر هذا القانون بقرار من رئيس الجمهورية، ويتكون من 25 مادة.
وعندما اطلعنا نحن كجمعيات أهلية على القانون، وجدنا أنه خلق عدد من التحديات تواجهها الجمعيات الأهلية في ظل تنفيذه، والتحدي الأول يتمثل في عدم وجود تعريف واضح للإقراض متناهي الصغر، فكما ذكرت في مقالي السابق هناك فرق كبير بين مفهوم الإقراض متناهي الصغر وبين التمويل متناهي الصغر، والفرق يظهر مع اختلاف أهداف كل من الجمعيات والشركات فيما يخص تقديم القروض، فالجمعيات والمؤسسات تهدف إلى تحقيق التنمية أما الشركات فتهدف إلى الربح، وأنا في الوقت نفسه مؤمنة جدًا بدور هذه الشركات خلال الفترة القادمة في حال استهدافها لفئات أخرى دون تلك التي تستهدفها الجمعيات.
أما التحدي الثاني الذي يواجه الجمعيات الأهلية فهو عدم تغطية القانون في مادته(3) لكافة الكيانات والجهات التي تقدم تمويلًا متناهي الصغر مثل، الجمعيات التعاونية ودور العبادة والمحليات، فهذه الجهات تقدم قروضًا للفئات المهمشة ولكنها لا تخضع للقانون ولا تسري عليها الإلتزامات المقررة على المؤسسات الخاضعة للقانون، فإقرار وتطبيق القانون على البعض وليس الكل قد يضر بقطاع الإقراض.
وننتقل للتحدي الثالث، والذي هو في نظري التحدي الأخطر على الإطلاق، وهو التحدي الخاص بما نصت عليه المادة (17)، والتي ألزمت الجمعيات بإخضاع معاملاتها إلى قانون التجارة، ودعني أشرح لك عزيزي القارئ خطورة هذه المادة على الجمعيات والمؤسسات؛ فأولًا يتضمن قانون التجارة 772 مادة والكثير من الجمعيات لا تعرف محتواها ومدلولها وليست على دراية بكيفية تطبيقه، ثانيًا قانون التجارة لا يتضمن بعض الأمور الهامة المتعلقة بالقروض، وهو إيصال الأمانة، فجميع العاملين بقطاع القروض يدركون أن أحد أدوات ضمان تسديد العملاء للقرض هو توقيعهم لإيصال أمانة، وهو ما يتم تطبيقه طبقًا للقرار الصادر من وزارة الشئون الاجتماعية عام 1996 والذي سمح بتوقيع العميلة على إيصال أمانة إلى أن تقوم الدولة بدورها التشريعي، وفي حالة إلغاء إيصال الأمانه سوف تتضرر الجمعيات بشكل كبير و لن يوجد ما يضمن لها سداد العملاء لها.
أما التحدي الرابع فهو يتمثل في الآلية التي تم وضعها لكي تتقدم الجمعيات بتظلمات من أي قرار تصدره هيئة الرقابة المالية بشأنها وذلك طبقًا للمادة (19)، ويتضح التحدي في نقطتين أساسيتين، وهما: أن الرسوم المالية المقررة لتقديم التظلم كبيرة جدًا؛ إذ تصل إلى عشرة آلاف جنية مصري، كما أن جميعنا يعلم أن الجمعيات تقدم خدماتها بشكل تطوعي وبهدف التنمية؛ فلا يعود إليها أي عائد مادي وراء ذلك.
وأن الجمعيات تتقدم بالتظلم للجنة تظلمات قائم عليها أفراد من الهيئة العامة للرقابة المالية التي قامت بتشريع وإصدار القانون، وبالتالي تذهب الجمعيات للخصم والحكم في نفس الوقت، ومن هنا يجب أن يتم الرجوع لكيان حيادي منفصل للبت في التظلمات أو تحويل الأمر للقضاء المستعجل.
وننتقل إلى التحدي الخامس والأخير وهو التحدي الخاص بالعقوبات المنصوص عليها في المادة (20)، ووصلت العقوبات إلى حبس رئيس مجلس إدارة الجمعيات، ونائب رئيس مجلس الإدارة، والمدير التنفيذي ومدير القروض، بالإضافة إلى غرامة خمسين ألف جنيه ولا تزيد على مليونيّ جنيه، والحقيقة أن المبالغ المالية المقررة للعقوبة كبيرة جدًا، وذلك بالنظر إلى عاملين أساسيين، أولهما- أن هذه العقوبات المشار إليها ليست جرائم السرقة والاختلاس، فكيف يتم إقرار عقوبة حبس على مخالفات لم تصل إلى حد السرقة والاختلاس، والحقيقة أنا أرى أن هذه الجرائم لن تصدر من أشخاص يعملون بشكلٍ تطوعي، فما الفائدة التي قد تعود عليهم من وراء ذلك، ثانيهما، أن الجمعيات الأهلية لا تكسب شيئًا من وراء عملها التنموي ولا يعود إليها أي ربح لها أو لمجلس إدارتها الذي يقوم بعمله بشكل تطوعي، فحتى وإن كان هناك أموال تعاد للجمعيات فإنها تقوم باستثمارها في تقديم مشروعات تنموية أخرى تهدف للتمكين بكافة أشكاله سواء كان تمكينًا اجتماعيًا من خلال برامج لتعليم المرأة أو تمكينًا صحيًا من خلال القوافل الطبية، وغيره من أشكال التمكين في كافه الجوانب الأخرى، وهذا ما تقوم به جمعية نهوض وتنمية المرأة التي أشرف برئاسة مجلس إدارتها.
هذه هي التحديات الخمسة التي وجدت أنها تواجه الجمعيات الأهلية في القانون المنظم لعملية نشاط التمويل متناهي الصغر، وسوف نسعى بكل الطرق إلى حلها؛ لتحقيق الهدف الذي أصبو إليه وتصبو إليه كافة الجمعيات المؤمنة بدورها في تحقيق التنمية والتمكين الاقتصادي دون الحصول على أي منفعة من وراء ذلك، ففي رأيي أن هذا القانون يكبل الجمعيات من آداء رسالتها التي أنشئت من أجلها وهو التنمية والتطوع لخدمة الوطن.
وسوف استكمل في مقالاتي المقبلة باقي التحديات التي تواجه الجمعيات والمؤسسات الأهلية، سواء تلك المتعلقة بقرارات وحدة هيئة الرقابة المالية، أو تلك المتعلقة بدخول شركات التمويل متناهي الصغر للقطاع خلال السنوات الخمس الأخيرة، وللحديث بقية.