ضرورة استهداف الربحية وليس الرسوم

17/12/2015 1
م. برجس حمود البرجس

الرسوم لا تعتبر دخلا رئيسيا لأي دولة في العالم، ويجب ألا ننظر لها كدخل رئيسي للدولة، ويجب أن تستهدف الدولة خفض الواردات وزيادة الصادرات غير النفطية، والتركيز على تطوير الصناعات المتقدمة والصناعات الطبية والحربية وغيرها من خدمات متقدمة، بشرط أن تتشارك الدولة مع القطاع الخاص في هذه الأعمال لتحصل على دخل، وأيضا تؤثر على الأهداف في تنويع مصادر الدخل والوظائف وتطوير الكوادر البشرية ولا ننسى أن هذا لن يتحقق حتى مع توفر جميع العوامل ما لم تستثمر الدولة بفعالية في البحوث والتطوير.

الصناديق السيادية في الخارج واستثماراتها ضرورية جدا ولكن لن أتحدث عنها في هذا المقال.

قبل أن أسترسل في المقال، يجب أن نركز على التركيبة الأساسية والنقطة الجوهرية في خطة ماكينزي 246، وهي أن الخطة بدأت بحصر عدد الداخلين على سوق العمل السعوديين وهم 6 ملايين سعودي وسعودية، ولكي تبنى لهم الأعمال التي تستطيع الدولة من خلالها تحقيق الأرباح والأهداف، يتوجب لذلك استثمار 2.5 مليون ريال لكل شخص، ومن هنا حصلت ماكينزي على الرقم 15 تريليون ريال (4 تريليون دولار) وهذا استنتاج صحيح، ولكن من أين سنأتي بهذه الاستثمارات!! وهل ستعيش الخزينة على رسوم وضريبة القيمة المضافة؟

مجموع الرواتب السنوية حاليا بالمملكة تصل إلى 510 مليارات ريال سنويا، منها 300 مليار لموظفي الحكومة المدنيين والعسكريين و92 مليارا لموظفي القطاع الخاص السعوديين و118 مليارا لموظفي القطاع الخاص غير السعوديين.

ومجموع المصروفات الحكومية الجارية الأخرى (تشغيل وصيانة للمرافق التعليمية والصحية والعسكرية وغيرها) تصل إلى 430 مليار ريال، ومجموع المصروفات الرأسمالية الحكومية (المشاريع) تصل إلى 370 مليار ريال، وبذلك يكون مجموع المصروفات الحكومية سنويا 800 مليار ريال.

لن أناقش مدخلات القطاع الخاص ولا مخرجاته، لأن مدخلاته إما من مشاريع حكومية أو شراء أفراد وحكومة، ومخرجاته رواتب ذكرناها ورسوم سنذكرها وأرباح تحصل الحكومة على رسوم منها بصيغة زكاة وضرائب.

ولن أتحدث عن الديون الحكومية طالما أنها من الداخل ولا عن المسحوبات من الاحتياطات الخارجية لكي تبقى المتغيرات واضحة.

دخل الحكومة من النفط المتوقع لعام 2015 سيصل تقريبا إلى أقل من 600 مليار ريال. ودخل الحكومة من غير النفط 131 مليار ريال في العام الماضي وهو من البتروكيماويات وحصصها في البنوك والاتصالات، والجمارك والضرائب والرسوم الأخرى بأنواعها.

يخرج من الدولة للخارج حوالي 920 مليار ريال سنويا، ممثلة في650 مليار استيراد سلع و160 مليار ريال حوالات العمالة الوافدة و110 حوالات الشركات الأجنبية للخارج.

إذاً النقد الداخل للمملكة فقط 600 مليار ريال، والخارج منها 920 مليار ريال، الـ600 مليار الداخلة هي من يشغل المشاريع والصيانة والرواتب، والتي تشغل القطاع الخاص الذي يشغل هو بقية الأعمال والوظائف في القطاع الخاص، أما الخارج من المملكة الـ920 مليار ريال فهي من مخرجات إنفاقات الحكومة والقطاع الخاص، إذاً هناك 320 مليار ريال تخرج من المملكة في السنة أكثر مما يدخل عليها، طالما أنها لا تصدر غير النفط وطالما أن أسعار النفط منخفضة، وربما ترتفع أسعار النفط وربما تنخفض أكثر.

قد تخفض الدولة من مصروفاتها (حوالي 200 مليار ريال بأقصى حد)، ومتى ما حصل ذلك ستنخفض الواردات، ولكن هذا سينعكس على ضعف في الأعمال والوظائف ومحاولات تنويع مصادر الدخل.

لو رفعت المملكة سعر البنزين إلى الضعف، لن تجني أكثر من 15 مليار ريال، ولو ضاعفت سعر الكهرباء فلن تجني أكثر من 38 مليار ريال، وعند حدوث ذلك ربما يكون هناك خفض للاستهلاك ولن تصل إلى هذه الأرقام.

وبذلك يكون أفضل دخل للمملكة هو الضرائب على الشركات الأجنبية، حيث إن الضرائب تكون 20 % على الأرباح، و5 % إلى 20 % على الاستقطاع، فلو افترضنا أن المملكة تستهدف بمبادرتها قبل أشهر السماح للشركات الأجنبية بالتملك 100 % محليا، وأيضا الشركات الأجنبية المستثمرة في سوق الأسهم والتي دخلت إلى المملكة هذه السنة.

دعونا نفترض أن المملكة ستستهدف دخلا للخزينة من ضرائب الشركات الأجنبية بمقدار 200 مليار ريال فقط، هذا يتوجب أن تصل أرباحها إلى 1 تريليون ريال، ولكي تصل أرباحها إلى 1 تريليون ريال يجب أن تكون مبيعاتها 12 تريليون ريال (هذا أكثر من مجموع قيمة صادرات الصين واليابان السنوية، مضافا عليها قيمة صادرات المملكة النفطية)، ربما نجزم أن أكثر من 10 % هذا هو ضرب من الخيال، وحتى الـ10 % يجب أن تكون مقابل إنفاقات حكومية كمشاريع حفر لآبار النفط أو المشاريع العملاقة لمعامل الكهرباء والنفط والغاز.

دخل الدولة يجب أن يكون من الأرباح وليس من الرسوم، يجب أن نعلم أننا لسنا دولة ضريبية وهذا يتوجب مشاركة الدولة في الاستثمار لكي تحصل على دخل، ويجب أن يكون للدولة دخل من الخارج غير النفط كبقية الدول وإلا ستكون مصروفاتها أكثر من دخلها. 

من الضروري أن تفكر الدولة بالصناديق لتطوير الأعمال، ذكرت ذلك كثيرا في عدة مقالات، صندوق استثماري لتطوير الصناعة وصندوق استثماري للسياحة وكذلك لبقية الأعمال مثل المشروعات الصحية والتعليمية، وتعمل هذه الصناديق شراكة مع القطاع الخاص ومع المواطنين في تأسيس شركات لتطوير الصناعات والسياحة والخدمات المتقدمة، ومنها تحصل الدولة ليس فقط على الرسوم بل على الأرباح مباشرة.

نقلا عن الوطن