شكل برنامج نطاقات الذي أطلقته وزارة العمل منذ عدة سنوات المحور الرئيسي في معالجة البطالة والذي أدخل مئات الآلاف من الشباب والشابات لسوق العمل بالقطاع الخاص إلا أن قياس كفاءة النتائج يبقى هو المعيار الأساسي لقياس الأداء ومدى جدوى دور البرنامج في معالجة البطالة ولو أردنا اختزال كل تفاصيل الأرقام عن أعداد من تم توظيفهم فإن نسبة البطالة ارتفعت عمليا منذ خمسة أعوام بأكثر من عشرين بالمائة عن الرقم الذي كانت عليه في عام 2010م عند 9.6% وهو ما يعبر عن تحديات تواجه ملف البطالة وأن كل البرامج والإجراءات والتشريعات الناظمة والمحركة لمعالجة البطالة قد استنفذت زخمها الذي أثرت فيه إيجابا بزيادة التوظيف.
إلا أن مفرزات نطاقات أظهرت نتائج سلبية كالتوطين الوهمي الذي لم تقم وزارة العمل بالاعتراف بوجوده وإصدار إجراءات لمكافحته إلا لأنه أصبح ظاهرة مقلقة اقتصاديا واجتماعيا وسبب ظهورها هو آلية وفلسفة نطاقات التي تعطي محفزات للمنشآت الخاصة من بينها تيسير الحصول على تأشيرات لعمالة وافدة مقابل زيادة التوظيف للمواطنين لكن الملفت هو إصرار الوزارة على ابتكار برامج فرعية تحت مظلة نطاقات كالعمل عن بعد الذي وإن كان مهما لناحية تنظيمه وتقنين تشريعاته لحفظ الحقوق وحتى لو خدم شريحة محددة إلا أنه يتوقع أن يفرز سلبيات عدة قد تستغل كالاستغناء عن موظفين وتعويض نسبتهم بالعمل عن بعد كونه اقل كلفة على المنشآت فلا حاجة لبدلات أو لبعضها وأيضا لن تتكلف المنشآت بمكاتب وخدمات ولن يكتسب الموظف او الموظفة الخبرة الناضجة بالعمل ولذلك حتى ينجح يجب أن تضاف نسبة للتوطين المطلوب بأي قطاع تخص هذا النوع العمل أي لا تدخل نسبتهم ضمن النسبة الأساسية للتوطين.
أما من الناحية التي يمكن لنطاقات أن يعالج التشوهات التي أفرزها بمراحله كلها فيجب أن يتم تغيير نسب التوطين إلى الوظائف التي يمكن شغلها بمواطنين بحيث تحدد نسبة لكل تخصص او مهنة وترتفع تدريجيا فهناك حوالي 37 % من العاطلين تعليمهم أكاديمي فلابد من رفع نسب السعوديين بالمهن الإدارية والفنية واستبعاد المهن التي لا تتطلب مؤهلات ودخلها منخفض من توظيف وتحديد نسب التوطين.
ولاستكمال الإحصاء الدقيق لابد من إعادة صياغة قاعدة البيانات بحيث تفرز القطاعات بمقابل إحصاء كل تخصص للعاطلين وتحديد أي القطاعات يمكن أن يعملوا بها لمعرفة العاطلين بكل قطاع أو تخصص والعمل على معالجتها بالإضافة لمعرفة أعداد المتخرجين من الجامعات وبرامج الابتعاث لرفع نسب التوطين بكل تخصص سنويا بمقدار المتخرجين إضافة لإعادة صياغة مفهوم تأهيل من لا يملكون أي مؤهلات بإقامة برامج تدريبية بالمجالات التي تعد مهمة ويجب تغذيتها بطالبي العمل فصندوق الموارد البشرية يدعم الكثير من البرامج والأفضل أن يركز على لب المشكلة ويعالجها بما يخصه مع إعادة توجيه دعم الصندوق لوظائف لها ديمومة وفائدة واستقرار.
المعالجات الجوهرية الحقيقية تتطلب اختراق اكبر لواقع سوق العمل وتصويب لاتجاهات برامج الوزارة حتى تتمكن أن تغير من مفهوم السوق الذي ركب منذ عقود على نمط يعتمد فيه على العمالة الوافدة ولابد للوزارة أن تعيد النظر ببعض أنظمة العمل التي قد تكون جيدة لكن توقيت البدء فيها غير مناسب كالمادة 77 التي تجيز الفصل لأسباب غير مشروعة فمع تغير اتجاهات الإنفاق الحكومي قد ينخفض أداء بعض القطاعات التي نمت بنسب كبيرة أعمالها بالسنوات الماضية كالتشييد والبناء مما سيتسبب بخروج الكثير منها لأنها ستعيد هيكلة نفسها واحتياجاتها الجديدة ولكن يبقى توليد فرص العمل وليس الإحلال منوط ببقية الوزارات كالتجارة والصناعة والصحة والإسكان والاتصالات وغيرهم فهم الجهات التي من خلالها يمكن تنشيط القطاعات الاقتصادية لتوليد فرص عمل جديدة وبدون التناغم والتنسيق بين وزارة العمل وتلك الجهات سيجف مخزون الوظائف التي تقوم الوزارة بالإحلال فيها للمواطنين وستعود نسب البطالة للارتفاع من جديد رغم أنها الآن تعد بمستويات مرتفعة رغم كل الإنفاق الحكومي بالسنوات العشر الماضية.
نقلا عن الجزيرة