إنني أشفق على رئيس البنك المركزي الأوروبي ماريو دراغي. فهو سيواجه معضلة أثناء اجتماع لجنة صنع السياسة في البنك المركزي المقرر الثلاثاء المقبل، إذ تحثه الأسواق على خفض المعدلات أكثر من ذلك، وحتى لدفع بعض السندات المرجعية المهمة بشكل أعمق ناحية العوائد السلبية.
وإذا قاوم دراغي تلك الضغوط، فإنه يخاطر بتفكيك فقاعة الثقة التي خلقها البنك المركزي، والتي تعد - رغم العيوب التي تشوبها - مفتاح استراتيجية النمو الأوروبي.
أما إذا اختار استيعاب مطالب السوق، فإنه قد يفاقم خطر المزيد من عدم الاستقرار المالي الذي برز بالفعل في مراجعة الاستقرار المالي الصادرة عن البنك المركزي الأوروبي الأسبوع الماضي.
إن الأوضاع الاقتصادية والمالية الأوروبية تتحسن، غير أنها بعيدة عن الثبات.
فلا يزال النمو بطيئًا، وغير قوي بما يكفي للتغلب على القوائم الطويلة من المديونيات الهائلة في بعض الدول، ولا تزال البطالة مرتفعة بشكل مروع في بعض الدول، وبخاصة بين فئات الشباب والعاطلين عن العمل منذ فترة طويلة.
وتؤثر الهجمات الإرهابية في باريس على الناتج المحلي الإجمالي، وكذلك تعزز الضغوط الانكماشية في فرنسا.
وتتفاقم أوجه الضعف الاقتصادية نتيجة تذبذب الإرادة السياسية حيال استكمال مشروع التكامل الاقتصادي التاريخي في المنطقة، الذي يواجه تحديات بسبب الخلافات على كيفية التعامل مع أزمة اللاجئين، بما في ذلك ما إذا كان ينبغي الحفاظ على اتفاقية شينغن التي تسمح بحرية السفر دون تأشيرات بين دول الاتحاد الأوروبي أم لا.
وليس من المستغرب أن الأسواق تتوقع اتخاذ البنك المركزي الأوروبي - أثناء صنع السياسة الأكثر تفاعلاً وثباتًا في الاتحاد - بعض الضمانات الإضافية خلال الأسبوع المقبل، عن طريق خفض سعر الفائدة على الودائع و/أو تمديد برنامج شراء الأوراق المالية على نطاق واسع، الأمر الذي من شأنه المساهمة في تخفيف أوضاع السيولة بشكل أكبر، وخفض قيمة عملة اليورو.
لكن إذا عرض المشاركون مسار عمل مثل هذا كخيار واضح، فإن الاقتصاديين - بمن فيهم أعضاء البنك المركزي الأوروبي - يرون الأشياء بطريقة أكثر دقة.
ولا يزال على الكثير من البنوك المركزية - التي طبقت نهج السياسة النقدية غير التقليدية في جميع أنحاء العالم - تحقيق زيادة كبيرة ومستمرة في النشاط الاقتصادي، بما في ذلك في الولايات المتحدة، حيث إنها أجرت تجارب بخصوص سياسة الاقتصاد الكلي قبل أوروبا.
وفي غضون ذلك، تتزايد المخاوف بشأن العواقب غير المقصودة والأضرار الجانبية.
وخلال الأسبوع الماضي، حذرت المراجعة نصف السنوية للاستقرار المالي بالبنك المركزي الأوروبي من أن نهج السياسة النقدية الذي اعتمدته الاقتصادات المتقدمة يسهم في «أسعار أصول ذات القيمة المنخفضة».
ونتيجة لذلك، أصبحت «إمكانية زيادة حدوث زيادة مفاجئة من المخاطر المترتبة على المجازفة على مستوى عالمي أكثر وضوحا».
ونصح التقرير أيضًا بأن خطر عدم الاستقرار المالي العالمي تفاقم بشكل كبير جراء أرجحية اختلاف السياسات بين البنوك المركزية ذات الأهمية النظامية. ورغم احتفاظ بنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي بموقفه المحفز، من المتوقع رفعه أسعار الفائدة لأول مرة منذ نحو عشر سنوات خلال اجتماع صنع السياسة المقرر في ديسمبر (كانون الأول) الحالي. وعبر اتخاذ مسار مختلف، سوف يضيف البنك المركزي الأوروبي إلى مخاطر أسعار الفائدة وتقلبات أسعار الصرف بشكل يعرقل الأداء الاقتصادي، بما في ذلك العالم الناشئ.
وتسلط تلك الاعتبارات المتعارضة الضوء مجددًا على مدى حرمان أوروبا من مرتبة أفضل الأوضاع السياسية بسبب خمول مؤسسات صنع السياسة الوطنية.
ومثل الكثير من البنوك المركزية الأخرى، يضطر البنك المركزي الأوروبي لمواصلة تحمل عبء السياسة الثقيل جدًا، ومن دون الأدوات اللازمة لاستكمال المهمة.
ولمواجهته الاختيار بين خيارين صعبين، من المرجح أن يختار البنك المركزي الأوروبي بقيادة دراغي بذل المزيد من الجهد.
وأثناء اتخاذه تدابير إضافية، سوف يسلط البنك الضوء على الحاجة لدعم الانتعاش الاقتصادي في المنطقة، وسوف يلاحظ أن أي مخاطر للاستقرار المالي يمكن مواجهتها من خلال استخدام سياساته التي ترمي إلى تخفيف المخاطر في النظام المالي ككل.
وهذه - على الأقل - ستكون الرسالة الموجهة إلى الجمهور العام.
ومن وراء الأبواب المغلقة، رغم ذلك، ربما يندم البنك المركزي الأوروبي على علاقاته التكافلية غير الصحية التي وضعتها البنوك المركزية في جميع أنحاء العالم للأسواق المالية.
وهذا الاعتماد جعل الأسواق تمتلك ثقة مفرطة في قوة البنوك المركزية لمواصلة فصل أسعار الأصول عن الأساسيات.
وفي المقابل، تضطر البنوك المركزية لاستخدام فقاعة الثقة للحفاظ على طنين الاقتصادات، وإن كان ذلك بتوازن منخفض، حتى يضطلع الساسة في النهاية بمسؤوليات الحكم الاقتصادية.
نقلا عن الشرق الأوسط