هناك قناعة لدى كثير من الناس، بوجود شح في العرض من الأراضي السكنية، القابلة من حيث شمولها بالمرافق والخدمات العامة لإقامة مساكن عليها، وذلك نتيجة الاحتفاظ بها، أو ربما احتكارها، من قبل ملاكها لأغراض متعددة، تتراوح ما بين التخطيط لبناء مشروعات سكنية خاصة او استثمارية عليها في المستقبل، إلى المضاربة بدفع معدل الطلب إلى مستويات يرفع من أسعارها، وأن ذلك هو السبب الأساس في غلاء الأراضي وبلوغها أرقاماً قياسية، خلال السنوات الأخيرة الماضية، وتسببها في ارتفاع تكاليف الحصول على وحدات سكنية، من قبل الكثير من المواطنين الراغبين في امتلاك مساكن لأسرهم.
ربما كان لتلك القناعة من الشواهد ما يؤيدها، لكن في مقابل ذلك، ومن خلال عملية تفحص للبيانات المنشورة عن مساحة الأراضي السكنية التي يتم تخطيطها سنوياً، ويدفع بها إلى سوق الإسكان، في عموم مدن المملكة، وتتبع تدفق تلك الأراضي على مدى السنوات القليلة الماضية، التي بدأت فيها أسعار الأراضي السكنية في الارتفاع، نجد أن معطيات تلك البيانات، لا تتفق وتلك القناعة التي لدى الكثير عن هذا الأمر فمتوسط إجمالي مساحة تلك الأراضي السكنية، التي تدفع لسوق الإسكان سنوياً، تصل إلى نحو الملياري متر مربع من الأراضي السكنية، وهي مساحة كافية لاستيعاب نحو ( 2.3 ) مليون وحدة سكنية على الأقل أي ما يعادل ( 12 ) ضعف ما نحتاجه من الأراضي السكنية سنوياًَ، لبناء الوحدات السكنية المطلوبة، وقرابة ما نحتاج له من الأراضي السكنية، على مدى خطتي التنمية الحالية وربما القادمة، فلماذا لم يكن لهذا التدفق الكبير من الأراضي السكنية، أثره على الأسعار في سوق الإسكان، لا سيما أنه يلبي الطلب، بل ويفيض عن ذلك بكثير؟
قد يبدي البعض تحفظاً على هذا الاستنتاج، بالقول ان تلك الأراضي السكنية، ليس بالضرورة أن تكون جميعها قابلة للبناء عليها، نظراً لأن نسبة عالية منها غير مغطاة بشبكة المرافق والخدمات العامة المطلوبة وهو محق بدرجة كبيرة فيما يشير إليه، إلا أن الاستناد إلى النسبة الحالية، التي يذكر أنها تمثل الأراضي المخططة، المتاح بها شبكة المرافق والخدمات العامة، وتقدر بنحو (21 %) من إجمالي ما هو مخطط، تعطي الاحتمال بأن القدر من تلك الأراضي السكنية، التي تطرح في كل عام بسوق الإسكان، ويمكن البناء عليها، كافية على الأقل لاستيعاب ما يصل إلى (500) ألف وحدة سكنية، وهو رقم يعادل حوالي خمسة أضعاف عدد رخص البناء السكنية التي تصدر حالياً من الأمانات والبلديات في كل عام، الأمر الذي يثير التساؤل، عن مصير ذلك العدد الكبير من قطع الأراضي في المخططات السكنية، وبالذات التي تطرح في مزادات للبيع سنوياً، وهل تصل إلى الراغبين في شرائها بالفعل، من المواطنين المحتاجين لإقامة مساكن لأسرهم عليها، أم أن عاصفة المضاربين تجتاح تلك المزادات، فتحجبها عنهم، وتصرف أي يد يمكن أن تمتد إليها.
إن ذلك المعدل المرتفع، لتدفق الأراضي السكنية، التي تطرح في سوق الإسكان سنوياً، لا تتوقف الجوانب السلبية فيه، على الامتصاص المستمر والمتواصل لما يعرض منها في هذا السوق، وتأجيج نار المضاربة فيه، وإنما أيضاً في تراكم الفائض من هذه الأراضي السكنية غير المنماة، التي تحتاج تنميتها بالمرافق العامة فقط، دون غيرها من أوجه التنمية الأخرى كل عام، إلى ما لا يقل عن (300) مليار ريال، الأمر الذي يفضي بها نتيجة لذلك إلى أن تنضم للقائمة الطويلة، من مخططات الأراضي السكنية، التي تنتظر أن تستكمل بها شبكة المرافق والخدمات العامة، على مدى السنوات القادمة.
نقلا عن الرياض