تحظى المشاريع الصغيرة في الكويت باهتمام إعلامي واجتماعي متزايد.
وبدأت الحكومة تشجع تلك المشاريع بعدما أسست الهيئة العامة للاستثمار شركة متخصصة باسم شركة المشاريع الصغيرة تؤمّن 50 في المئة أو أكثر من التمويل المطلوب لأي مشروع صغير وبتكاليف مهاودة وبشروط تسديد ميسرة.
وكلفت الحكومة بنك الكويت الصناعي بإدارة محفظة تمويل مشاريع صغيرة في القطاع الصناعي وكلفت شركات استثمار بإدارة محافظ تمويل حكومية للمشاريع الصغيرة في قطاعات أخرى.
وبدأت هذه المؤسسات أعمال التمويل في أواسط تسعينات القرن العشرين.
وخلال السنوات القليلة الماضية، تطور الاهتمام بمسألة المشاريع الصغيرة والمتوسطة، بما أدى إلى إصدار قانون الصندوق الوطني لرعاية المشاريع الصغيرة وتنميتها وحُدِّد رأس المال الاسمي للصندوق ببليوني دينار كويتي (6.6 بليون دولار).
وصدرت أخيراً اللائحة التنفيذية للصندوق بما يمهد لقيامه بتأمين التمويل لأصحاب المشاريع الصغيرة، وهم في غالبيتهم من الشباب الطامحين إلى تأسيس أعمالهم الحرة والهادفة إلى تحقيق استقلاليتهم المالية والعملية.
وصدر القانون في 2014 وأكد على حق كل مواطن كويتي لا يقل عمره عن 21 عاماً ويكون متفرغاً أن يستفيد من أموال الصندوق.
ويبين القانون أن الصندوق يمكن أن يمول المشروع بنسبة لا تزيد عن 80 في المئة من تكاليفه على أن تكون فترة التسديد 15 سنة.
لا شك في أن الحكومة ومجلس الأمة عندما أقرا القانون المشار إليه، كانا يهدفان إلى دفع المواطنين من فئة الشباب إلى العمل الحر، بعيداً عن الانخراط في الجهاز الوظيفي الحكومي المترهل الذي يعاني البطالة المقنعة.
ولكن هل يمكن أن يؤدي قيام هذا الصندوق وتأمينه الأموال لأصحاب المشاريع الصغيرة بتكاليف وشروط ميسرة إلى تأمين الوظائف للمواطنين وتعزيز دور اليد العاملة الكويتية في القطاع الخاص؟
يجب أن تتوافر للأعمال الاقتصادية إمكانات النجاح بناء على دراسات جدوى مدققة، وكذلك ميزات نسبية مواتية.
فما هي الأعمال التي يمكن أن يضطلع بها الشباب الطامحون إلى تأسيس مشاريعهم الصغيرة والمتوسطة الخاصة، وما هي القطاعات التي تحتاج إلى هذه المشاريع؟
حدد قانون الصندوق أن المشاريع يمكن أن تنتمي إلى القطاع الصناعي الذي يعتمد على تحويل الخامات والمواد الأولية إلى منتجات تامة الصنع أو نصف مصنعة، وحدد القطاع الحرفي كقطاع آخر يعتمد على المهارات اليدوية أو المهنية ويستخدم تقنيات بسيطة. وبيّن القانون أهمية قيام مشاريع خدمية مثل تلك التي تقدّم أعمال صيانة أو خدمات فنية ومهنية، بالإضافة إلى مؤسسات التدريب أو التعليم.
لكن التساؤل المهم هو:
هل يمكن أن تحظى هذه المشاريع الصغيرة بالنجاح في بلد مثل الكويت، حتى لو توافر لها الدعم من هذا الصندوق الممول من الخزينة العامة للدولة، وبالشروط التي بينها القانون؟
يفترض أن يقوم الصندوق بإجراء دراسة مدققة لكل التجارب التي مولتها شركة المشاريع الصغيرة السابقة والمحافظ التي أدارها بنك الكويت الصناعي وشركات الاستثمار وتحديد معدلات النجاح والفشل في تلك المشاريع والتكاليف التي تحملتها الدولة والمستثمر نتيجة لقيامها.
أشارت دراسات لعدد من المشاريع إلى أن درجة الفشل كانت عالية وأن قدرة تلك المشاريع على تشغيل المواطنين ظلت متواضعة.
وعندما يذكر مختصون معلومات تؤكد أن نسبة الفشل تصل إلى 70 في المئة، فالأمر يتطلب التوقف عنده والبحث عن الأسباب الواضحة والكافية.
لا يجب أن يكون تشجيع قيام هذه المشاريع وسيلة لمعالجة موضوع التشغيل أو تخفيف العبء على الدولة من دون تبيين كيفية الاستفادة من هذه المشاريع في تنويع القاعدة الاقتصادية وإيجاد أعمال متميزة يكون لها أن تحقق قيماً مضافة.
معلوم أن المؤسسات الاقتصادية النشطة في الكويت هي في الواقع أعمال صغيرةـ، لكنها مملوكة ومدارة بغالبيتها من الوافدين وبرؤوس أموال صغيرة، وهي أيضاً تعتمد على تمويلات من المصارف الوطنية وفق معايير تمويلية واضحة ليست ميسرة.
وهكذا الحال في مختلف بلدان العالم، حيث الأعمال تنجح أو تفشل نتيجة لأوضاع بيئة الأعمال وحركة الاقتصاد الكلي أو لظروف ذاتية لهذه المؤسسة أو تلك ومنها ما يتصل بالإدارة أو التسويق وغيرها من عوامل ذات صلة.
خلال السنوات الماضية، أسس كثر من الشباب الكويتي أعمالاً صغيرة نشطة في قطاع الخدمات، خصوصاً المطاعم والمقاهي وخدمات الاتصال، وربما تمكنت مشاريع من بلوغ النجاح، في حين فشلت أخرى.
بيد أن كثيراً من الأعمال التي أقيمت زادت من درجة التشبع في قطاعاتها وأوجدت منافسة حادة في سوق صغيرة.
كذلك فإن المشاريع الصغيرة زادت بسبب هويتها وطبيعة أعمالها الحاجة إلى عمال وافدين بدرجات مختلفة من الكفاءة والمهنية لا تتوافر هذه العمالة بين الكويتيين.
وربما يكون موضوع تشغيل المواطنين أهم التحديات أمام هذه المشاريع الصغيرة، التي أكدها قانون الصندوق في أكثر من مادة.
ولا شك في أن الصندوق الذي سيبدأ أعماله خلال أيام ويستقبل طلبات التمويل سيواجه تدفقاً في هذه الطلبات.
وبتقديري أن إنجاز الدراسة لكل مشروع يظل مهماً وأساسياً، خصوصاً أن الصندوق سيكون له، وفق القانون، أن يمول مشاريع بتكلفة 500 ألف دينار، وسيتولى تأمين تمويل يعادل 80 في المئة من تلك التكلفة.
لا بد أن هذه التكلفة مهمة لهذه المشاريع ولا بد من التأكد من جدوى كل مشروع وأهميته للاقتصاد الوطني.
يضاف إلى ذلك، أن القانون حدد التزاماً على الدولة بتأمين الأراضي المناسبة لهذه المشاريع، ناهيك عن الخدمات والمرافق الأخرى الضرورية.
إن قيام أي مشروع في البلاد يجب أن يتوافق مع الأهداف التنموية وشروط النجاح.
نقلا عن الحياة