نظرة على الاقتصاد السعودي: هل الحديث عن انتهاء عصر الطفرة سابق لأوانه؟ وماذا يعني ذلك للدولة ولعموم المستثمرين؟

18/10/2015 5
محمد القويز

مقدمة

يقولون أن الاستثمار تسيطر عليه غريزتان أساسيتان هما الجشع من ناحية والخوف من ناحية أخرى، ففي أيام الرواج تسيطر غريزة الجشع لدرجة لا يُعير معها المرء للمخاطر وزناً، وفي أيام الكساد تستفحل غريزة الخوف فتمنع أصحابها من استغلال الفرص مهما كانت جاذبة. ولا شك أن الأيام الأخيرة كان للخوف فيها نصيباً لا يكاد معه المستثمرين يفكرون في غيره.

وأسباب هذا الخوف متعددة، منها انخفاض أسعار البترول من 92 دولار أمريكي قبل عام إلى حوالي 45 دولار أمريكي بنهاية سبتمبر 2015م (أي بانخفاض يزيد عن 50 %) وذلك نتيجة لتباطؤ الاقتصاد الصيني من ناحية وزيادة إنتاج النفط من ناحية أخرى، بالإضافة إلى التذبذب في أسواق المال العالمية المختلفة، واستمرار الحكومة في سياستها الإنفاقية، وما تبعها من انخفاض في الاحتياطيات، ولجوء الحكومة السعودية للاقتراض مؤخراً، هذا بالإضافة إلى العوامل السياسية والأمنية والمتقلبة في المنطقة.

فهل المسألة بهذا السوء؟ وهل هذه كلهاً نُذُر بانتهاء عصر الطفرة وعودة المملكة للسنين العجاف وشد الحزام كما حصل في الثمانينات والتسعينات من القرن الماضي؟ دعونا نحلّل ذلك على النحو التالي:

أولاً: أسعار النفط

انخفاض أسعار البترول لم يبدأ مع تباطؤ الاقتصاد الصيني خلال منتصف هذا العام، بل كانت بداياته الفعلية في الربع الثالث من عام 2014م، وذلك عندما أعلنت المملكة العربية السعودية تغيراً جذرياَ في سياستها تجاه أسواق البترول العالمية، حيث أعلنت عدم وجود نية لديها لتخفيض إنتاجها من البترول، كما ألمحت معه إلى نيّتها للتخلي عن دورها التاريخي كمنتج مُرَجِّح في أسواق البترول العالمية والذي كانت المملكة بموجبه تخفّض إنتاجها عند انخفاض أسعار البترول وتزيد إنتاجها عند ارتفاع أسعاره سعياً للوصول إلى مستويات سعرية مستهدفة.

وقد أدى الاستمرار في مستويات الإنتاج دون تخفيض وتخلي المملكة عن دورها التاريخي كالمنتج المُرجّح إلى انخفاض سريع في أسعار البترول.

وبالرغم من أن هذه السياسة تعرضت لبعض الانتقاد من عدد من المحللين إلا أننا نرى حصافتها بالنسبة لوضع المملكة العربية السعودية التنافسي في سوق البترول العالمي.

وذلك لأن المملكة العربية السعودية قد عانت خلال الثمانينات من القرن السابق من تبعات تخفيضها للإنتاج مرات عدة، الأمر الذي حافظ على الأسعار في مستويات مرتفعة على المدى القصير، ولكن ارتفاع الأسعار مَكَّن من دخول منتجين جدد لسوق النفط على رأسهم منتجي النفط في تكساس وفي بحر الشمال، الأمر الذي أدى إلى انخفاض الحصة السوقية للمملكة العربية السعودية ودول الأوبك بشكل عام بالإضافة إلى زيادة المعروض من البترول بشكل كبير في الأعوام اللاحقة، مما أدى إلى المزيد من الانخفاض في أسعار البترول لعقدين من الزمن (من بداية الثمانينات من القرن الفائت إلى أوائل القرن الحالي)، وكأن المملكة بتخفيضها للإنتاج ودعمها للأسعار في تلك الفترة كانت تقدم العون لمنافسيها الذين كسبوا حصصاً سوقية على حسابها وساهموا بزيادة الطاقة الإنتاجية وخلق تخمة من العرض أضرت بالمملكة وبكافة منتجي البترول في العقود اللاحقة.

وصناع القرار البترولي في المملكة يحاولون الآن عدم تكرار تلك الحقبة، خصوصاً مع التطور في إنتاج النفط مؤخراً من مصادر غير تقليدية كالنفط الصخري والرملي.

إذ أن هذه الأنواع من مصادر النفط غير التقليدية تختلف بشكل كبير في هيكلة تكاليفها عن مصادر النفط التقليدية التي تنتجها المملكة العربية السعودية ودول أوبك بشكل عام، فتلك الأخيرة تتطلب استثمارات كبيرة جداً لتطوير حقول بترولية جديدة، ولكن حال تطويرها تكون تكلفة إنتاجها منخفضة بشكل عام ومدة إنتاج الحقل الواحد طويلة جداً قد تمتد إلى عشرين عام أو تزيد، بينما مصادر النفط غير التقليدية بالعكس تماماً، فعادة تتطلب استثمارات أقل لتطوير حقول جديدة مع تكلفة إنتاج أعلى بعد تطوير الحقل (ولو أن هذه التكلفة أخذت في الانخفاض في الفترة الأخيرة إلا أنها لا تزال أعلى من أغلب دول الأوبك بشكل كبير) ومدة إنتاج قصيرة للحقل الواحد تتراوح في العادة بين ست شهور وثلاث سنوات.

ومن هذا المنطلق فمن الطبيعي أن يصبح منتجو النفط غير التقليدين هم المنتجون المرَجّحون في سوق النفط نظراً لانخفاض استثماراتهم المبدئية وقصر مدة الإنتاج من الحقل الواحد، الأمر الذي يسهل دخولهم للسوق لدى ارتفاع الأسعار وخروجهم من السوق لدى انخفاض الأسعار.

ومن المتوقع أن يبدأ خروج الطاقة الإنتاجية بعد انخفاض أسعار النفط بفترة تتراوح بين ست شهور و ثمانية عشر شهراً، وذلك نتيجة النضوب السريع لحقول النفط غير التقليدية القائمة وعدم استبدالها بتطوير واستكشاف حقول أخرى مع انخفاض الأسعار.

وهذا ما حصل بالفعل حيث تشير آخر التوقعات لوكالة الطاقة الدولية (IEA) الصادرة خلال الشهر الفائت إلى أن إنتاج البترول خارج أوبك سينخفض بحوالي نصف مليون برميل يومياً في العام القادم 2016م (وأغلب الانخفاض من مصادر النفط غير التقليدية)، وهذا يعتبر أكبر انخفاض في الإنتاج منذ ما يزيد عن عقدين من الزمن.

وبهذا فقد ساهمت سياسة المملكة الجديدة بإبقائها على مستويات الإنتاج وعدم تقديم دعم سعري للبترول إلى تسهيل خروج المزيد من منتجي النفط غير التقليدي، الأمر الذي خدم مصالح المملكة ومنتجي أوبك على المدى الطويل.

ومن منظوري الشخصي فهذا القرار كان من أكثر القرارات جرأة في السياسة البترولية السعودية، وآمل استمراره بالرغم من صعوبته في ظاهره.

وبالرغم من احتمال دخول طاقة إنتاجية إضافية من دول أوبك الأخرى خلال الفترة المقبلة مثل ليبيا والعراق وإيران، إلا أن الحكومة السعودية أبقت خيار تخفيض الإنتاج مفتوحاً للتعويض عن أي زيادة من هؤلاء المنتجين، إذ أن احتمال تنسيق السعودية بين إنتاجها وإنتاج دول أوبك الأخرى أكبر من احتمال تنسيق الإنتاج مع الدول خارج أوبك (خصوصاً دول النفط غير التقليدي) وذلك للتشابه الأكبر في هيكلة التكاليف واقتصاديات الإنتاج بين دول أوبك بالمقارنة مع الدول الأخرى.

ثانياً: المركز المالي للدولة

مما ساعد الدولة على اتخاذ هذا القرار ومقارعة منتجي النفط غير التقليدي في الوقت الحالي هو قوة مركزها المالي وعمق ترسانتها النقدية في الوقت الحالي.

فبنهاية الربع الثاني من عام 2015م بلغت موجودات مؤسسة النقد العربي السعودي حوالي 2.6 ترليون ريال سعودي.

كما أن الحكومة السعودية اليوم بالرغم من إصدارها بعض أدوات الدين مؤخراً إلا أن ديونها لا تكاد تذكر اليوم حيث تبلغ 1.6% من الناتج المحلي الإجمالي.

وإذا قارنا ذلك بمتوسط ديون حكومات الدول النامية الأخرى والبالغة حوالي 38% من الناتج المحلي الإجمالي لتلك الدول، فإن ذلك يعني أن لدى الحكومة السعودية القدرة على استدانة حوالي 1 ترليون ريال سعودي إضافي دون إضعاف المركز المالي للمملكة.

بالإضافة إلى ذلك، فإن الحكومة السعودية تمتلك حصص كبيرة في المشاريع الإنتاجية التي يمكن تسييلها عبر المضي في أنشطة التخصيص، هذه الأصول تبلغ حوالي 400 مليار ريال سعودي إذا ما تم احتساب فقط ملكية الدولة في أسهم الشركات المتداولة حالياً، والقيمة تزيد عن ذلك إذا ما تم إضافة ملكية الدولة في الشركات والمشاريع غير المدرجة حالياً (مثل: سوق الأسهم السعودي، والشركة السعودية للخطوط الحديدية، والخطوط الجوية السعودية، وشركة المياه الوطنية، وعدد من الفنادق والعقارات وغيرها).

وإذا جمعنا مصادر التمويل المختلفة المتاحة للحكومة السعودية من احتياطيات وديون وأصول تجارية فإن ذلك قد يصل لحوالي 4 ترليون ريال سعودي.

ولو افترضنا أن العجز السنوي في موازنة الدولة زاد إلى 400 مليار يال سعودي في العام الحالي والأعوام المقبلة (أي حوالي ثلاثة أضعاف العجز المرسوم في 2015م) نتيجة انخفاض المداخيل والاستمرار في الإنفاق، ففي هذه الحالة يظل بإمكان الدولة المحافظة على مستوى الصرف الحالي لحوالي 10 سنوات مقبلة قبل استنفاد مصادرها المالية.

هذا المخزون يعطي الدولة القدرة على مجابهة أي تقلبات في سوق البترول على المدى القصير ويجعل الوقت الحالي أكثر مواءمة للدخول في مواجهة مع المنتجين خارج أوبك، فموارد المملكة المالية أكبر وبالتالي قدرتها على تحمل وطأة الأسعار المنخفضة أكبر بكثير من منتجي النفط غير التقليديين.

لا شك أن انخفاض أسعار النفط بشكل كبير ولمدة طويلة قد يكون له تأثير على المركز المالي للمملكة، إلا أن الإمكانيات المالية الحالية للمملكة قادرة على حماية صناع القرار والقطاع الخاص من التوترات الناتجة عن انخفاض أو تذبذب أسعار النفط على المدى القصير كما حصل مؤخرا.

مرفق – 1: مستوى الديون الحكومية كنسبة مئوية من إجمالي الناتج المحلي في المملكة العربية السعودية ومختلف الدول النامية الأخرى.


المصدر: بلومبيرج

مرفق – 2: قائمة بأبرز ملكيات الحكومة السعودية من الأصول التجارية في الشركات المتداولة كما في 06/09/2015م (ملايين ريال سعودي).



ثالثاً: مصادر التمويل

مما يطمئن كذلك أن القروض التي قد تحصل عليها الحكومة السعودية، والتي قد تصل في ذروتها إلى 1 ترليون ريال كما ذكرنا في النقطة السابقة، يمكن تدبيرها من مصادر تمويل داخلية وبالعملة المحلية، من البنوك التجارية ومؤسسات التمويل المتخصصة وصناديق التقاعد التي تتمتع بمراكز مالية قوية بشكل عام.

إذ تمتلك اليوم البنوك السعودية ومؤسسات الإقراض المتخصص والصناديق الاستثمارية ما يقارب 750 مليار ريال من الأصول الأجنبية التي يمكن أن تتحول إلى قروض للحكومة السعودية دون أن يقلل ذلك من مستوى التمويل المتوفر للاقتصاد اليوم أو يزاحم القطاع الخاص في مشاريعه، ولو أضفنا الاستثمارات الأجنبية المتوفرة لدى صناديق التقاعد فإن المبلغ يزيد عن ذلك بكثير.

وهذا يجنب المملكة مغبّة الاستدانة من جهات خارجية وبعملات أجنبية، الأمر الذي قد يشكل مصدر ضغط على مركزها المالي.

مرفق – 3: الأصول الأجنبية وإجمالي الأصول للبنوك التجارية ومؤسسات الإقراض المتخصص والصناديق الاستثمارية بنهاية الربع الثاني من عام 2015م (ملايين ريال سعودي).


المصدر: موقع تداول

المصدر: تقارير مؤسسة النقد، تقارير هيئة السوق المالية

رابعاً: السياسة الإنفاقية التوسعية

كل ما ذُكر بعاليه لن يكون ذا تأثير يذكر إذا قامت الحكومة السعودية بتخفيض الإنفاق بشكل كبير نتيجة لتقلبات أسعار النفط. فنظراً للدور الكبير للصرف الحكومي في الاقتصاد السعودي فإن تخفيض الإنفاق الحكومي (ولو كان المركز المالي للمملكة رصيناً) سيؤدي إلى تباطؤ كبير في وتيرة النمو الاقتصادي، بالإضافة إلى تأثيره الكبير على نفسيات المتعاملين في الأسواق ومستوى تفاؤلهم وتحجيم خططهم التوسعية.

وقد أثبتت تجارب العديد من الاقتصادات حول العالم (أبرزها الاقتصاد الأمريكي خلال فترات الكساد في الثلاثينات من القرن الماضي وفي أعقاب الأزمة الاقتصادية العالمية منذ عام 2008م) أنها تمكنت من تحريك عجلة النمو الاقتصادي ليس عبر سياسة التقشف وقت السنين العجاف إنما عبر سياسة الإنفاق الحكومي المعاكس للدورة الاقتصادية وذلك لخلق حركة في الاقتصاد وإعادة الثقة والنشاط إليه.

هذه السياسة قد لا تكون مناسبة للدول التي تمتلك مصادر مالية محدودة وقد تضطر للاستدانة من الخارج (كما حصل في اليونان)، ولكنها تكون مواتية عندما يكون لدى الدولة موارد مالية داخلية كما هو الحال لدى المملكة العربية السعودية.

ومن المطمئن في هذا الصدد التأكيدات المتعددة للحكومة باستمرارها في سياستها الإنفاقية لتحريك عجلة الاقتصاد. وبالرغم من تواتر بعض الأخبار عن تباطؤ في وتيرة صرف الحكومة إلا أن الملاحظ أن تلك الأخبار تركزت على قطاعات المقاولات الإنشائية.

وذلك قد يكون لأن الدولة بالرغم من رغبتها في المحافظة على وتيرة الصرف بشكل عام إلا أنها أصبحت أكثر وعياً باختلاف الآثار الناتجة عن إنفاقها على النمو الاقتصادي وعلى مستوى التوظيف باختلاف مجالات ذلك الإنفاق، ويمكن استشفاف ذلك عبر الدور المتزايد لوزارة الاقتصاد والتخطيط في مراجعة جوانب الصرف الحالية وتحديد جوانب الصرف المستقبلية. 

ومن هذا المنطلق قد يكون التخفيض في وتيرة مشاريع المقاولات الإنشائية نظراً لاكتشاف الأثر المحدود لهذا النوع من الصرف على تحريك دورة الاقتصادية وزيادة مستوى التوظيف وذلك نظراً لانخفاض القيمة المضافة المحلية في هذا القطاع سواء في المعدات أو العمال.

ومن المأمول أن يقابل هذا التخفيض في الصرف على مشاريع المقاولات الإنشائية استقرار أو زيادة في مجالات الصرف ذات التأثير الأكبر على الدورة الاقتصادية المحلية ومستوى التوظيف. ومن قبيل ذلك قد يكون مجالات التدريب والتعليم وتقنية المعلومات والبنية التحتية والنقل وغيرها.

خامساً: أسواق المال

مستوى التقييم في سوق الأسهم السعودي إذا ما تم قياسه بمؤشر مكرر الأرباح والبالغ مؤخراً 15.7 يعتبر أقل من المتوسط التاريخي لمكرر الأرباح في سوق الأسهم السعودي والبالغ 18.4 منذ عام 2000م (أي خلال الخمسة عشر عام الأخيرة)، ومكرر الأرباح يعتبر جذاباً إذا ما تم مقارنته بمتوسط مثيلاته في الأسواق النامية الأخرى والبالغ 17.6. هذا قد يعطي مؤشر عن مدى جاذبية السوق السعودي للاستثمار مقارنة بالأسواق الأخرى أو مقارنة بالأوقات السابقة لسوق الأسهم ذاته.

مرفق – 4: مكررات الأرباح للسوق السعودي بالمقارنة مع الأسواق النامية الأخرى كما في 29/09/2015م 

المصدر: بلومبيرج




مرفق – 5: مكررات الأرباح للسوق السعودي كما في 29/09/2015م بالمقارنة مع الأعوام السابقة



الخلاصة

لا أود أن يُفهم مما تقدم أن الصورة وردية بأي شكل من الأشكال للاقتصاد وأسواق المال السعودية، فبالرغم من تدني معايير التقييم لسوق الأسهم السعودي بالمقارنة مع الأسواق النامية الأخرى وبالمقارنة مع المتوسطات التاريخية، إلا أن هناك أيضاً ضبابية تشوب معدلات الأرباح المستقبلية في سوق الأسهم، خصوصاً في مجال البتروكيماويات والمجالات التي تعتمد على سياسة الإنفاق للدولة، لذا فإن أي انخفاض في معدلات الأرباح المستقبلية سينعكس سلبا على مكررات الأرباح ومعاملات التقييم الأخرى. كما أن المخاوف السياسية والعسكرية المتعلقة باليمن وسوريا وإيران والتبعات الأمنية والمالية المتعلقة بها تظل ذات وزن كبير على نظرة المراقبين والمتداولين.

المصدر: بلومبيرج

وأي تطورات سلبية بشأنهم سيكون لها تأثير كبير على مستوى الأسواق. كما أن استمرار التباطؤ الاقتصادي في الصين والتي تعتبر أكبر مساهم في نمو الطلب على البترول خلال العقد الماضي، أو تأخر خروج بعض منتجي النفط غير التقليدي، أو حتى زيادة الإنتاج بشكل كبير بين دول أوبك الأخرى، كل ذلك قد يستمر في الضغط على أسعار البترول على المدى القصير أو يعرضها لمعدلات عالية من التأرجح، هذا بدوره سيؤثر سلباً على مستوى التفاؤل العام، خصوصاً إذا امتد ذلك لمدة طويلة.

لكن مرادنا من بحثنا هذا هو وضع الأمور في نصابها، حيث تمتلك المملكة اليوم من الموارد المالية ما يمكنها من مجابهة أي انخفاض مؤقت لأسعار البترول مع المحافظة على سياسة إنفاقية توسعية لمجابهة الدورة الاقتصادية ودفع عجلة النمو. ويمكن بالطبع إعادة دراسة هذه السياسة إذا استمر الانخفاض في أسعار البترول لفترة مطوّلَة.

التوصيات

بالنظر إلى التحليل الوارد بعاليه لعلنا نتقدم بالتوصيات التالية لكل من صناع القرار في الدولة ولعموم المستثمرين:

فلصّناع القرار أتقدم بالتوصيات التالية:

•أهمية الحفاظ على السياسة النفطية الحالية المتمثلة في حماية الحصة السوقية وإن أتت على حساب الأسعار على المدى القصير، وذلك للحماية من التوسع في الطاقة الإنتاجية خصوصاً من المصادر غير التقليدية، مع احتمالية مراجعة تلك السياسة في حال نية دخول طاقة إنتاجية من دول أوبك الأخرى.

•أهمية المحافظة على سياسة إنفاقية توسعية في موازنة الدولة للاستمرار في تحريك عجلة النمو الاقتصادي، ولزيادة الثقة في ظل انخفاض أسعار النفط، ولو أدى ذلك لزيادة العجز في موانة الدولة في المدى القصير. وذلك بالنظر للمركز المالي القوي للمملكة. ولكن لكي تؤتي هذه السياسة آثارها الإيجابية فلا بد أن تكون واضحة للعموم ولا يظهر فيها تضارب أو تناقض.

•لكن بالرغم من المحافظة على سياسة الإنفاق التوسعية، فذلك لا يمنع من مراجعة الموازنة للتأكد من أن مجالات صرفها  تحقق أفضل النتائج على النمو الاقتصادي ومستويات التوظيف بالنظر إلى خيارات الصرف الأخرى المتاحة.

ولعل أبرز الخيارات في تلك المراجعة تكون في مشاريع المقاولات الإنشائية بالإضافة إلى سياسات الإعانات والدعم الحكومي (سواء دعم الوقود أوغيره)، وذلك ليس من أجل تخفيض الإنفاق بقدر ما هو توجيه الإنفاق للفئات الأكثر حاجة له والأكثر استفادة منه. ولكن لا بد في جميع الأحوال تعويض النفقات بمجالات أكثر منفعة للاقتصاد مع تقديم شرح كافي لأسباب التخفيض في مصارف معينة مع التأكيد المستمر باستمرار الصرف بشكل عام.

•لا بد من تركيز المصروفات التي يتم تمويلها بالديون أو بالسحب من الاحتياطي على المجالات الاستثمارية التي يُرجى منها زيادة معدلات النمو الاقتصادي ومعدلات التوظيف في السنوات اللاحقة، وليس على المصروفات الجارية كالرواتب وما في حكمها. بل إن بعض المشاريع الإنمائية (كمشاريع النقل  والمطارات وغيرها) يمكن تمويلها بالاقتراض بشكل مباشر وذلك بإصدار أدوات دين طويلة المدى لتمويل المشروع بشكل مباشر عوضاً عن التمويل عبر الدولة، وذلك لإدخال عنصر أعلى من الكفاءة نظراً لرقابة حاملي الديون على جدوى المشروع ومراحل تنفيذه.

أما لعموم المستثمرين فأقدم التوصيات التالية:

•عدم الانقياد لغريزة الخوف بشكل تام، إنما العمل على الموازنة بينها وبين غريزة الجشع، وذلك باستغلال الانخفاضات الأخيرة للدخول الانتقائي وبشكل متحفظ في سوق الأسهم بحيث يكون التركيز على القطاعات الدفاعية ذات التوزيعات المستقرة والتي لا تعتمد بشكل مباشر على أسعار البترول ومشتقاته (كقطاع البتروكيماويات)، أو على مستويات الصرف الحكومي خصوصاً على المشاريع الإنشائية (كقطاع الإسمنت)، كما يمكن التركيز على القطاعات التي يتوقع لها النمو بغض النظر عن أسعار البترول ومستويات الصرف في الدولة (كقطاعات الرعاية الصحية والتأمين والنقل وغيرها).

•وفي نفس الوقت، ونظراً لكثرة المتغيرات في الفترة المقبلة والتأرجح المحتمل في بعضها، فمن المهم تحلي المستثمر بقدر جيد من المرونة للتعامل مع أي حركات سعرية مفاجئة إيجاباً أم سلباً، وذلك بالمحافظة على بعض الأرصدة النقدية وبتخفيض معدلات التسهيلات مما يعطي المتداول حرية أكثر، وذلك باستثناء المضارب اليومي الذي قد يستغل التسهيلات مع الحرص على إقفال المراكز بنهاية كل يوم.   

•توسعة دائرة الانتقاء لتشمل الأسهم الخليجية بدلاً من التركيز على الأسهم السعودية فحسب، إذ أن العديد من دول الخليج تتمتع بنفس المتانة في مركزها المالي الذي تتمتع به المملكة مع تميزها بمستويات تقييم أقل من السوق السعودي مع تعرضها لقدر أقل من المخاوف من جراء العوامل السياسية والعسكرية الخارجية.

وأتمنى للجميع التوفيق والسداد في استثماراتهم وفي أنحاء حياتهم المختلفة.